رغم التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم يومًا بعد يوم، الا أن السحر والشعوذة والخرافات المرتبطة بهما مازال لها مكانًا فى بعض العقول حتى الآن، والمؤسف أن النسبة الاكبر من مرتادي الدجالين والمشعوذين هم من أصحاب المؤهلات العليا والمتوسطة، مثل فتاة تبحث عن دجال يصنع لها»عمل» لجلب فارس الاحلام، وأخرى تدفع الأموال لنصاب يوهمها بقدرته على تسخير الجن لتؤذي ضرتها وتنفرد بقلب زوجها، وحكايات وقصص أخرى يشيب لها شعر الولدان، وفى هذا التحقيق نعرض لدراسة مهمة أعدها معهد الدراسات بجامعة عين شمس بعنوان»الأبعاد الاجتماعية والنفسية المرتبطة بالإقبال على أعمال السحر» وانعكاس ذلك على الاسرة أعدتها دكتورة ولاء إبراهيم، مزيد من التفاصيل فى السطور التالية. أوضحت الدراسة أن النسبة الكبيرة من المترددين على السحرة تنتمي إلى الفئات العمرية مابين 20 سنة إلى 50 سنة كما أنها تقل فى الفئة العمرية ما بعد 50 سنة، وأن النسبة الكبيرة من المترددين على الدجالين من المتشددين دينيًا؛بزعم أن السحر موجود في الديانات السماوية فى التوراة والانجيل والقرآن. بينت الدراسة ايضا أن نسبة المترددين على السحرة من المتعلمين وأن أكثر الفئات ذهابًا إلى هؤلاء الدجالين من المتزوجين يليهم الأعزب من الذكور والإناث ثم المطلق والارمل، وأن نسبة كبيرة من المترددين على السحرة من الموظفين. توصلت الدراسة إلى العديد من النتائج أهمها: مثلت السيدات أكثر الفئات المترددات على المشعوذين نظرًا لتعرضهن الى العديد من الأنماط السحرية وتأثرهن الكبير بالخبرات السابقة، وفي المقابل تعتبر فئة الرجال هم الممارسين للسحر والشعوذة داخل المجتمع ويرجع ذلك إلى امتهانها بالوراثة أو حبا للمهنة من أجل كسب الاموال وتكيف طبيعة الرجال مع مهنة السحر وملائمتها لهم داخل المجتمع. تقارب نسب المعتقدين فى السحر من ريف (الصعيد) مع نسب المعتقدين فى السحر من ريف (الوجه البحري) حيث ينتشر بكثرة الاعتقاد فى السحر كما يوجد فارق بين المعتقدين فى السحر ب "حضر الصعيد" عنهم من حضر الوجه البحري؛ حيث ارتفعت نسبة الاعتقاد به فى حضر الصعيد بشكل كبير. ايضًا لاحظنا أن الشباب هم الذين يمارسون أعمال الدجل والشعوذة بهدف إما جني المال أو حبًا في امتهان هذه الأعمال وكما ذكرنا سابقا بالوراثة، والاناث أكثر ترددًا من الذكور على السحرة لان الاناث لديهن مشكلات متعددة؛مثل العقم، الحب، سحر الربط، الامراض، الغيرة على الزوج، وندرة انجاب الذكور، وبدلا من حلها باللجوء الى الطبيب وتناول الدواء يلجأن إلى هؤلاء المشعوذين. توصيات وكشفت النتائج أيضا؛ أن المترددين على السحرة ليسوا من أهل القرية أو المدينة فقط بل هناك أفراد أتوا من أماكن مختلفة؛ حيث جذبهم شهرة الساحر أو كما يقال "سره باتع". أهم توصيات الدراسة "يجب أن تتكاتف جميع مؤسسات الدولة الاجتماعية وتقف وقفة صارمة أمام هذا المد الظلامي لهذا النوع من الفكر؛ لدحض تلك الخرافات التي تعرقل حياة الافراد وتنشر الجهل وتورثه عبر الأجيال، وذلك من خلال ما يلي تدعيم دور الاسرة فى مواجهة ظاهرة السحر، وتقبل ثقافة العقلانية، وذلك من خلال وضع برامج توعية للأسر داخل نطاق المجتمع المحلي، أيضا محاولة تفتيت البنية الثقافية المدعمة لظاهرة السحر داخل المجتمع وإعادة هيكلتها بأسلوب عقلاني، والفن والثقافة قادران على مواجهة هذا الفكر. العمل على نشر مبادئ الشريعة الاسلامية وماجاء بها من نبذ السحر يأتي هذا بتفعيل دور الازهر والكنيسة معا فى مجابهة هذه الظاهرة. مدمنات وحول هذه الظاهرة المؤسفة تعلق الدكتورة سامية الساعاتي أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قائلة: "الواقع أننا نجد الفرد الذي نشأ فى الاسرة التي تعتقد فى ظاهرة السحر وتأثيرها على حياتهم وفى نفس الوقت قد حصل على قدر عال من التعليم؛ يلجأ حينما يقع تحت وطأة الظروف القاسية مثل المعاناة من مرض ما إلى الاستعانة بهذه الاساليب السحرية والخرافية، لانه رغم تعليمه الراقي إلا أنه قد تعرض فى تربيته الاولى للمؤثرات الخرافية، لذلك فالتنشئة الاجتماعية لها دور أخطر من التعليم، ولو تكلمنا عن الاسباب التي تؤدي لانتشار ظاهرة السحر والشعوذة يأتي الجهل فى المقام الاول والامية والفقر وتفاقم المشكلات الاجتماعية ورغم اختلاف الدوافع والاهداف؛ فإن كثيرًا من النساء يلجأن إلى السحر حيث يرين فيه مخرجًا من مأزق ما يمررن به وتعتبر المرأة تحديدًا من مدمنات التعامل مع السحرة والدجالين؛ فهناك مجموعة من الدوافع التي تشكل علاقة المرأة بالسحر فهى إما أن تلجأ إلى السحر بغرض التداوي وإما أن تلجأ اليه لجلب محبة الرجل والسيطرة عليه. اقرأ أيضا: رمضان عبد المعز: المؤمن لا يخاف على المستقبل دكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي علق على الدراسة قائلا: "أولا المريض النفسي الذي يلجأ للعلاج بالسحر والدجل يعتقد بأن هناك قوى خفية تسبب اصابتهم بالمرض النفسي ويظل الخلاف على الكيفية التى يعمل بها الجن؛ فيتصور البعض أنهم يدخلون الى جسد الانسان ويسببون له الاضطراب الذي لايشفى إلا بخروجهم منه ويعتقد البعض الآخر أن مجرد المس من جانب هذه المخلوقات يكفي لحدوث المرض، أما عن فكرة عدم لجوء هؤلاء الاشخاص لأطباء النفس المتخصصين فى هذا الشأن وأيضا عدم الاعتراف من الاساس بالمرض النفسي ولجوئهم للدجالين؛ فهذا يرجع لشعورهم بالعيب عند كثير من الناس وهذا مايجعل علاجه صعبًا لان كثيرًا من الناس لا يبدأون بالعلاج إلا بعد فوات الآوان، أيضا الاعتقاد الخاطئ بأن من يصاب بالمرض النفسي هو شخص مجنون ومعرفة الاهل والجيران بمرضه النفسي هذا عار يؤثر على مستقبله من ناحية الزواج والعمل والحياة الاجتماعية، فأسهل عليه القول بأن فلان أو فلانه تلبسه جن بدلا من القول بأنه مريض نفسيًا ولو أن هؤلاء الناس رجعوا الى كتاب الله وسنة رسوله الكريم لادركوا خطر ما يفعلون، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صل الله عليه وسلم،"من أتى كاهنًا أو ساحرًا وصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد". ويقول د.محسن خضر أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس: للأسف لم يكن المتشددين دينيًا من السلفيين هم السبب في تغييب العقل ولكن السوشيال ميديا والدراما تلعب دورًا كبيرًا فى التأثير على الناس خاصة بمثل هذه النوعية من الافكار التي تؤمن بفكرة السحر والدجل وأشهر مثال على ذلك مثلا مسلسل "المداح" فهناك أشخاص كثيرون تؤمن بمثل هذه الأفكار، وفى رأي الشخصي هو تشويه للصورة الثقافية المصرية، لذلك لابد من نشر الوعي المجتمعي والتوعية اللازمة أيضا من جانب المؤسسات التعليمية والدينية والاعلامية وتعزيز الثقافة الصحيحة الى جانب تأكيد دور الأسرة فى التربية.