لا يندفع المحللون إلى انتقاد أجندة دونالد ترامب التجارية، إذ يرون أن فرض التعريفات الجمركية المرتفعة بمثابة ضربة البداية فقط فى لعبة متعددة الخطوات، ستقود فى النهاية إلى الاتفاق على وضع قواعد جديدة للتجارة العالمية، ويسعى الأمريكيون أن تكون أكثر ميلًا لمصالحهم. وفقًا لتقرير لصحيفة فايننشال تايمز، تؤدى التعريفات الجمركية المرتفعة المقرر أن يفرضها ترامب على جميع الدول إلى مفاوضات تؤدى فى وقت لاحق إلى تخفيضات متبادلة للتعريفات الجمركية بين الدول ومفاوضات تُتوَّج بإعادة تشكيل التجارة العالمية وتدفقات رأس المال. سكوت بيسنت وزير الخزانة فى إدارة ترامب الجديدة، قال فى وقت سابق: «نحن فى خضم إعادة ترتيب التجارة والعلاقات الدولية، وأود أن أكون جزءًا من ذلك». ومن المُتوقع أن تكون تلك الخطة إيجابية للاقتصاد الأمريكي الحقيقي من خلال خفض العجز، ولكن مضرة لسوق الأسهم الأمريكية للعديد من الأسباب وفقًا للتقرير. ◄ اتفاقيات جديدة شاهين فالى الخبير الاقتصادي، عَبَّر عن رؤية لهذا الأمر لصحيفة فاينانشال تايمز، ويرى أن التعريفات الجمركية ستجذب البلدان التى تحقق فوائض تجارية مع الولاياتالمتحدة إلى «اتفاقيات جديدة»، وفى المقابل، ستلتزم الولاياتالمتحدة بخفض التعريفات الجمركية وإلى حد ما من ضبط الأوضاع المالية، وهذا من شأنه أن يعمل على استقرار الدولار وتعزيز إعادة التوازن للاقتصاد العالمى بما يؤدى إلى تخصيص أفضل للاستثمارات والمدخرات العالمية. ويرى فالى أن الفترة التي تسبق الصفقة الكبرى تتكون من ثلاث مراحل، وتتميز مرحلة شهر العسل الحالية بالتفاؤل بشأن التخفيضات الضريبية القادمة، والافتقار إلى الوضوح بشأن التعريفات الجمركية، والمرحلة الثانية حين تصبح التعريفات الجمركية حقيقية، وتدفع الدولار إلى الارتفاع، وتؤثر التدابير المضادة من أوروبا وكندا والمكسيك بشكل سلبي، ويضعف اليوان ويرتفع الدولار وتتشدد الظروف المالية العالمية، وتقع العديد من الأسواق الناشئة فى محنة، ويشير فالى إلى إن هذه المرحلة لابد وأن تكون مؤلمة. وربما بعد ثمانية عشر شهرًا من تولى الإدارة الجديدة، فإن الانزعاج العالمى يدفع العالم إلى طاولة المفاوضات، سعيًا إلى التوصل إلى اتفاق يضعف فيه الدولار، وتنفق الولاياتالمتحدة أقل وفى المقام الأول من خلال خفض عجز ميزانيتها، فى حين ينفق بقية العالم خاصة الصين وألمانيا واليابان المزيد. ولكن هذا التوقع يقابله عدة مخاوف، ويرى فالى أن الصين تعانى بالفعل من الانكماش، وهى فى احتياج إلى إعادة التوجه نحو الطلب المحلي، والصفقة المحتملة المستقبلية فى المفاوضات التجارية لن تؤدى بالضرورة إلى صدمة انكماشية عميقة بالصين، مثلما حدث فى اليابان فى العقود التى تلت اتفاقيات بلازا عام 1985، عندما كانت اليابان فى حالة ازدهار، وتسببت الاتفاقيات في تفجير فقاعة العقارات اليابانية. ويعتقد مايكل بيتيس، الخبير الاقتصادى المقيم في بكين، أن اختلالات التوازن العالمية تُشكِّل مشكلة تتطلب حلًا هيكليًا، ويقول إن «الدول التى تعانى من العجز تمتلك معظم الأوراق»؛ فإذا فرضت التعريفات الجمركية وخفضت عجزها، فلن يكون بوسع الدول التى تعانى من الفائض أن تفعل الكثير. من ناحية أخرى، فثمة مخاوف بشأن خفض العجز التجاري للولايات المتحدة وما قد يعنيه من خفض الاستهلاك (العام أو الخاص أو كليهما)، والواقع أن فكرة إمكانية إجراء التعديل بالكامل من خلال القضاء على الإنفاق الحكومى المسرف هى بالطبع خيال، وعلى أقل تقدير، سوف تكون هناك حاجة إلى تخفيضات فى الخدمات التى تحظى بشعبية سياسية. ◄ اقرأ أيضًا | قبل الحكم فى «أموال الصمت».. ترامب يُهاجم النظام القانونى بأمريكا ◄ التأثير على الأسواق وقد تؤدى التعريفات الجمركية إلى تضخم التكاليف وخفض أرباح الشركات، وقد يؤدى الدولار القوى إلى خفض قيمة الإيرادات المكتسبة فى الخارج، وقد يعانى الطلب العالمي، وقد يكافح المنتجون المحليون لزيادة الإنتاج. ولكن الأمر الأكثر أهمية، هو أن إعادة التوازن العالمي التى تتبع اتفاقًا عالميًا ستكون سيئة بالنسبة للأصول الأمريكية، والسبب فى ذلك، أن العجز التجارى الأمريكى الذى تهدف أى صفقة إلى تقليصه، يتوافق على الجانب الآخر مع تدفقات كبيرة من رأس المال إلى الولاياتالمتحدة من الخارج.. وتساعد هذه التدفقات فى تفسير الأداء الاستثنائى وتقييم الأصول الأمريكية المرتفعة مقارنةً ببقية العالم، منذ الأزمة المالية الكبرى، وبعبارة أخرى، يخلق النظام العالمى الحالى مدخرات زائدة فى الخارج تتدفق إلى أسواق رأس المال الأمريكية، وهى أسواق مفتوحة وعميقة، مما يدفع الأسعار إلى الارتفاع.. والهدف الكامل من الصفقة، هو القضاء على الاختلالات التى تولد هذه المدخرات الزائدة، ومن المرجح جدًا أن تلحق «اتفاقية بلازا الجديدة» الضرر بوول ستريت، فى حين تجلب فوائد للاقتصاد الحقيقي. ومن الصعب أن نقول كيف ستستجيب إدارة ترامب لهذه المقايضة، و»السؤال الحقيقى هو، مَن يقود السياسة؟ ويتساءل بيتيس: «هل وول ستريت، أم الناس فى الإدارة هم الذين يريدون إحياء الاقتصاد الأمريكي؟». وفى مواجهة سوق معارضة، قد يتراجع ترامب عن الإصلاح الهيكلي، ويتمسك بالرسوم الجمركية المنخفضة ويركز على مجالات أخرى من السياسة، أو قد يتبنى فى وضع شعبوى كامل، عداوة وول ستريت، كما فعل فرانكلين روزفلت، ولا يعرف أيهما أكثر ترجيحًا.