بين زخات الأمطار الغزيرة وبرودة الليالي القاسية، يواجه النازحون في مخيمات غزة كارثة إنسانية متفاقمة، فالمياه تغمر الخيام، والبرد ينهش الأجساد، والأطفال يفقدون حياتهم في صراع مرير مع العجز واليأس على أبواب العام الجديد. مشاهد مؤلمة تسلط الضوء على معاناة إنسانية تقف أمامها الجهود عاجزة، في ظل عدو عنيد أقسم على إبادة أهل القطاع المحاصر منذ أكثر من عام بين نيران لا ترحم صغير أو كبيرا رجلا أو امرأة شيخا أو شابا مدنيا أو مقاتلا، حتى أحجار غزة وبناياتها أصبحت أطلال تبكى قصص عائلات كاملة مسحت من الوجود. عاصفة قوية تجتاح المخيمات وجلب الشتاء معه هطول أمطار غزيرة أغرقت الخيام التي تؤوي الفلسطينيين في مختلف أنحاء غزة خلال الأيام القليلة الماضية، وقالت إدارة الدفاع المدني في غزة إنها تلقت مئات نداءات الاستغاثة يومي الاثنين والثلاثاء من عائلات غمرت المياه خيامها وملاجئها في المواصي ورفح ودير البلح ووسط مدينة غزة ومواقع أخرى في القطاع. وصرح عصام النبية، المتحدث باسم بلدية غزة، بأن الأهالي يواجهون ظروفًا مأساوية، وأن الإمكانات المتاحة لا تكفي لمساعدتهم. كما أشارت وزارة الاتصالات في القطاع إلى نقص حاد في التدفئة، والغذاء، والدواء داخل المخيمات. معاناة متفاقمة مشاهد الخيام الممزقة والمغمورة بالمياه كانت الأكثر وضوحًا في المنطقة الإنسانية. وتحاول العائلات جاهدةً ترقيع الخيام بأغطية بلاستيكية وأكوام من الرمل، لكن الرياح الشديدة والأمطار الغزيرة جعلت الخيام غير قادرة على الصمود، وتطايرت بعضها وغمرت المياه الأخرى. صابرين أبو شناف، وهي أم لثلاثة أطفال، وصفت معاناتها بقولها: "دخلت المياه إلى الداخل وبللت كل شيء: الفرش، الملابس، البطانيات، وحتى ملابس الأطفال الداخلية. نام أطفالي مبتلين حتى الصباح، ولا يوجد لدينا ما يكفي من الملابس الدافئة أو البطانيات لتخفيف معاناتهم". وأضافت أبو شناف أن حالتها الصحية تفاقمت بسبب مرض الربو، مع غياب وسائل التدفئة في المخيم. أطفال ضحايا البرد والجوع في مأساة مفجعة، وردت أنباء عن وفاة 6 أطفال فلسطينيين بسبب التجمد خلال الأيام الماضية، فيحيى البطران، والد الطفلين جمعة وعلي، وصف لحظات الفقد المؤلمة قائلًا: "حملت جمعة، وكان جسده أبيض ومتجمدًا كالجليد، حاولت زوجتي إيقاظه، لكنها أدركت أن الأوان قد فات". بينما عبرت الأم نورا عن حزنها العميق وهي تحتضن بطانية ابنها، قائلة: "ربما أستطيع التحمل كامرأة بالغة، لكن ماذا فعل هؤلاء الصغار ليستحقوا هذا؟ لم يستطع طفلاي تحمل البرد أو الجوع أو اليأس". 100 خيمة غارقة قالت وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، اليوم الثلاثاء، إن أكثر من 100 خيمة في خان يونس تضررت بشكل كبير بسبب الأمطار الغزيرة. وأضافت الأونروا أن "النازحين الذين يعيشون بالفعل في ظروف غير صالحة للعيش بسبب الحرب يواجهون الآن العواصف المطرية الغزيرة"، ودعت وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إسرائيل إلى السماح بإدخال المزيد من الإمدادات الشتوية إلى غزة. نداء استغاثة للعالم وقالت وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) يوم الثلاثاء "إن البطانيات والفرشات والملابس الدافئة تنتظر الموافقة على دخولها إلى غزة. ولابد من إدخال المزيد من المساعدات الإنسانية المنتظمة إلى غزة لمساعدة الناس على البقاء دافئين هذا الشتاء". في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية داخل مخيمات النازحين، تبرز الحاجة إلى استجابة عاجلة من المجتمع الدولي لتقديم الدعم الإنساني. يعيش أهالي غزة تحت وطأة البرد والجوع، بينما يواجه الأطفال خطر الموت في كل ليلة شتاء قاسية.