تفاصيل اللقاء التشاوري الثاني لتأسيس شبكة الخبراء العرب بالأمم المتحدة    نائب محافظ الإسماعيلية يتابع جولة الإعادة لانتخابات مجلس النواب 2025    غرفة عمليات حماة الوطن تتابع التصويت بجولة الإعادة لانتخابات مجلس النواب بالمرحلة الثانية    غرفة عمليات حماة الوطن تتابع التصويت بجولة الإعادة لانتخابات مجلس النواب بالمرحلة الثانية    القاضي أحمد بنداري: لا تسمحوا لأي شخص أو جهة بالتأثير على إرادتكم في الانتخاب    نساء المطرية يسيطرن على المشهد الانتخابي فى اليوم الأول بجولة الإعادة    بدء اجتماع مجلس الوزراء برئاسة مدبولي    الرقابة المالية توافق على التأسيس والترخيص ل 6 شركات بأنشطة صندوق الاستثمار العقاري    "متبقيات المبيدات" يستقبل وفدا صينيا رفيع المستوى لتعزيز جهود فتح الأسواق العالمية    وفاة 17 فلسطينيًا بينهم 4 أطفال بسبب البرد القارس في قطاع غزة    رويترز: ضغوط أمريكية على باكستان للمساهمة في قوة الاستقرار الدولية بغزة    عاجل- الاحتلال الإسرائيلي يرتكب 11 خرقًا جديدًا لوقف إطلاق النار في غزة    مواعيد مباريات منتخب مصر في أمم إفريقيا 2025 بالمغرب    150 قناة حول العالم تنقل أمم أفريقيا 2025    متحدث وزارة الأوقاف يكشف حقيقة سحب أرض الزمالك في المهندسين    تحرير 120 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط أكثر من 120 ألف مخالفة مرورية و67 حالة تعاطي مخدرات خلال 24 ساعة    عاجل- الأرصاد السعودية تحذر: أمطار ورياح شديدة على منطقة حائل    خروج عربة قطار عن القضبان بمحطة الحامول في المنوفية (صور)    صدور رواية "ظل الإمام" للكاتبة نهلة النمر عن مركز الحضارة للتنمية الثقافية    قاضى قضاة فلسطين: الدور المصرى تجاه القضية الفلسطينية ممتد وتاريخى    فيلم "الست" بطولة منى زكي يحقق إيرادات وصلت إلى 13.5 مليون جنيه    عرض مسرحي في الأوبرا يتتبع روايات «باكثير» احتفالا بمرور 115 عاما على ميلاده    الرعاية الصحية: التوسع في خدمات القلب والحروق والطوارئ والعناية المركزة بمستشفيات الأقصر    بعد إدراج الكشري على قائمة اليونسكو.. رحلة في جذور الأكلات الشعبية المصرية    رئيس هيئة الرعاية الصحية: افتتاح وحدات متقدمة وإجراء جراحات دقيقة لأول مرة بالمجمع الطبي الدولي    إصابة 4 أشخاص إثر حادث إنقلاب سيارة بصحراوى أسيوط    وأنا أحبك يا سليمة.. أول رواية لشريف سعيد الفائز بجائزة نجيب محفوظ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17-12-2025 في محافظة الأقصر    الأربعاء.. 18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    59 تهمة بينها 15 قتل.. تفاصيل التهم الموجهة لمنفذ هجوم سيدنى الإرهابى    تزايد اقبال المواطنين بلجان انتخابات الإعادة لمجلس النواب بالغربية    محافظ قنا يوجه بحملات مرورية مكثفة للحد من حوادث الطرق    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    شيكاغو فاير يتمسك بصفقة ليفاندوفسكي    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    إعلام الاحتلال: إسرائيل تستعد لمواجهة عسكرية مع حزب الله نهاية العام    بعد إدراج الكشري في اليونسكو.. التراث غير المادي مهدد بالاندثار دون توثيق    أبو الغيط: الاحتلال يُمعن في إفراغ وقف إطلاق النار بغزة من مضمونه    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    مصطفى أبو سريع يعلن انفصاله عن زوجته ويعلق: كانت حق الأم المثالية لأولادي    وفاة نيفين مندور بطلة فيلم "اللي بالي بالك"    من سندرلاند إلى ليفربول.. خريطة غيابات الدوري الإنجليزي في كان 2025    السجن 5 سنوات لعامل بتهمة إشعال النيران بسيارة مياه معدنية فى قنا    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    رسل الموت تنزل فى سراييفو    سعر الدولار اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 في مصر    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام الطرح الخاص للشركة العملية للطاقة» وإدراجها في بورصة الكويت    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاربعاء 17-12-2025 في محافظة قنا    "رئيس صندوق الإسكان الاجتماعي": نستهدف بناء أكثر من 68 ألف وحدة سكنية بالإسكان الأخضر بمواصفات صديقة للبيئة    «ترامب» يحذر فنزويلا من صدمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة    أحمد مراد: لم نتعدى على شخصية "أم كلثوم" .. وجمعنا معلومات عنها في عام    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    اللاعب يتدرب منفردًا.. أزمة بين أحمد حمدي ومدرب الزمالك    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. "الإفتاء" تجيب    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة العربية.. آخر قلاع الهوية تصارع من أجل الوجود
تعاني من الغربة في عرينها
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 17 - 12 - 2024

اللغة العربية .. رمز الهوية ومضمون روحي للشخصية العربية، ونبع القومية وأساس التراث، وأصل الثقافة وأصل الحضارة، جسر التواصل الروحي والفكري، إختصها المولى عزوجل لتكون الوعاء للكتاب الخالد، به أنزل وفي القلوب حفظ، خير لغات العالم القديم والحديث، كانت وما زالت أداة للعلم ومفتاح الوعي.
فالعالم أجمع يحتفل باليوم العالمي للغة العربية، على الرغم من حالة السكون التي أصابت أهلها في مظاهر الإحتفال بيومها، فعلى الرغم من احتلال اللغة العربية مكانة مميزة بين لغات العالم، والتي تعد واحدة من اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة، بجوار الإنجليزية والفرنسية والروسية والصينية، أصحاب المقاعد الدائمة في مجلس الأمن، وأيضًا اللغة الإسبانية، فهذا شرف ومكانة لم تحوزها لغات أخرى لدول قوية، فاللغة العربية أوسع اللغات انتشارًا، على الرغم ما تواجه تحديات تهدد عرشها، داخليا وخارجيا.
جسر التواصل للأمة العربية:
أزمة كبيرة تواجهها اللغة العربية في عرينها العربي، دفعنا ذلك أن نعقد لقاءات ونجري حوارات مع سدنة هذه اللغة من علماء المجامع اللغوية وعلماء جامعة الأزهر، لنتجول معهم في رحلة طويلة ممتدة في رياض العربية لنتعرف منهم ومعهم على تاريخ هذه اللغة وانتشارها وازدهارها، والوهن الذي أصابها، ولنتعرف على السياسات اللغوية التي نتبناها من أجل الحفاظ على أخر أسلحتنا في هذا الوجود، وآخر قلعة من قلاع الهوية التي يحتمي بها الإنسان العربي من خطر فقدان شخصيته وذوبانه في الثقافات الغربية. فاللغة العربية المقدسة العظيمة ليست لغة استقامة اللسان فحسب، وإنما هي الرابطة بين الأمة العربية كلها في وحدتها وتضامنها.
اقرأ أيضًا| مليون زائر من 155 دولة.. رحلة مجمع اللغة العربية إلى الذكاء الاصطناعي| خاص
خطر التقوقع والانحسار:
وعلى الرغم من التقدم الذي تحرزه اللغة العربية في العصر الحديث، لكنها تواجه انحسارًا حضاريًا، وخطر التقوقع أمام عزوف البعض عنها، ومشكلة اللغة العربية هي مشكلة أهلها، فهي اللغة الوحيدة التي لا يفتخر أهلها بالانتماء إليها ويحرصون على أن يقدموا عليها لغات أخرى في مفاصل الحياة الرئيسية، لتفقد اللغة العربية أرضا جديدة كل يوم أمام كارثة التعليم الأجنبي بسبب الأجيال التي لا تعلم عن لغتها شيئا.
أمم تدافع عن لغتها:
يروى أن أحد الباحثين في فرنسا ذهب إلى مؤتمر علمي خارج بلاده وتحدث فيه باللغة الإنجليزية، فأمره على الفور رئيس الدولة الفرنسية بإرجاعه من المؤتمر لأنه لا يمثل مهابة اللغة الفرنسية، ولو انتقلنا من فرنسا إلى آيسلندا، تلك الأمة الصغيرة، التي لا يتجاوز تعدادها السكاني 350 ألف نسمة، تدرس لغتها الرسمية اللغة الآيسلندية وتتمسك بها، ناهيك عن ما يفعله الإنجليز في تعليم لغتهم للعالم، فكم من أمة صغيرة وكبيرة تدافع عن لغتها وتتمسك بها.
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني
وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
الجذور والأصول اللغوية:
أجمع حراس اللغة العربية على أنها ظهرت في أعماق سحيقة من التاريخ، ونشأت كما تنشأ اللغات الأخرى، فقد اهتدى إليها فريق من الناس مثلما تهتدي كل أمة إلى لغتها. ومسألة الجذور والأصول اللغوية سحيقة جدًا في التاريخ كما يقول الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، ثم مرت بأطوار، بدأت بكونها لغة قبيلة، ثم انتقلت إلى مجموعة من القبائل، ثم تحولت إلى لغة تجمع لهجات، وكل قبيلة بالنسبة للعرب تتحدث بلهجتها، فهناك تميم وهذيل، وأسماء كثيرة من أسماء القبائل العربية، كل قبيلة ذات مكان وموضع، وذات تاريخ، تتحدث بلهجة، واللهجات تختلف، قد تجد هذا الشيء باسم ثم تجده باسم آخر في مكان آخر، وليس هناك رابط ولا جامع في الزمن القديم، فعندما نقول الأسد له تسعين اسماً فهذا معناه أن قبائل سمته بهذا الاسم، والسيف له سبعين اسماً فقبائل سمته بهذه الأسماء، الحسام والمهند والسيف ..إلخ، كلها أسماء للسيف، فهي تنشأ أولا في مجتمع صغير، ثم تنشأ لهجات في هذه المجتمعات الصغيرة ثم بعد ذلك تتغلب لهجة جماعة من هؤلاء على بقية اللهجات.
سوق عكاظ والمربد:
وكان ذلك من حظ قريش لأن قريشًا كانت في مكة، وهي البلد الحرام المعظم في الجاهلية والإسلام فكانوا يعقدون المواسم الثقافية في سوق عكاظ ، وفي سوق المربد في البلاد ويأتي الشعراء، وعندما يأتي الشعراء في أمثال هذه المواطن يسعون إلى أن يحدثوا الناس بلهجة موحدة مشتركة ويتركون كثيرا من كلمات القبائل الخاصة بهم عندما يعودون إلى مواطنهم، وهكذا وبهذا التجمع الذي يجمع الناس بدأنا نحصل على لهجة كبرى لتكون شائعة في جميع القبائل لأن شعرائهم عندما يجتمعون يستعملون اللغة التي يفهمها جميع الناس فوصلنا إلى لهجة عليا كبرى تتمثل في لهجة قريش وبعض المواطن في الجزيرة العربية، وأصبح عندنا لهجة إلى مستوى أكبر من كل هذه، وعنئذ بدأ الشعر يصاغ والشعر من أسباب حفظ اللغة العربية.
لغة الأديان:
واللغة العربية عضو من جماعة لغوية توسم بأنها اللغة السامية التي تنسب إلى أحد أبناء سيدنا نوح عليه السلام، وكان لها أخوات، هؤلاء الأخوات انقرضوا في التاريخ مثل السريانية، التي انقرضت وتحولت إلى لغة ثقافية محدودة يتعلمها الناس، مثلما انقرضت من الاستعمال في وقتها اللغة الهيروغليفية على سبيل المثال، والتي كانت هي اللغة السائدة في المجتمع المصري، ثم تحولت إلى لغة ديموطيقية ولغة اتصلت باليونان ودخلت عليها تأثيرات، فهي سلالة أو فصائل لغوية تنسب إلى أم مفقودة وهي السامية التي تنسب إلى سام بن نوح عليه السلام، وكل واحد أخذ جزءا من خصائص هذه اللغة، لكن اللغات الأخرى انقرضت ولم تعد مستعملة إلا في نطاق محدود سواء كان ذلك دينيا أم ثقافيا، مثلما انقرضت اليونانية القديمة والفارسية القديمة والسريانية القديمة، وأصبحت شيئا محدودا جدا، بحيث أنه يتعلمها الناس وإذا ارتبطت بدين معين تبقى لكن بعض اللغات، التي ارتبطت بدين انقرضت في شكلها القديم، فمثلا اللغة العبرية عندما تحدث موسى عليه السلام تحدث باللغة الأرامية وليست باللغة العبرية، ليس بالأرامية التي كانت سائدة في وقت موسى عليه السلام فلم يكن لهذه اللغة انتشارًا كبيرًا، وبعد أن تفرق اليهود في سائر أنحاء الأرض أصبحت اللغة مهملة، فاللغة العبرية الحديثة ليست هي اللغة العبرية القديمة وهي ليست معروفة إلا في مواطن العبادة فقط فالعبري الحديث لا يقرأ إلا إذا تعلم اللغة العبرية.
ومر هذا على اللغة العربية كأي لغة من اللغات، ظهرت أولا في نقوش، بينها وبين اللغة القائمة الآن شبه كبير، ولكن محدودة، وهذا نأخذه في تاريخ اللغة العربية، ثم بعد ذلك انتقلنا من النقش إلى لغة عربية مكتملة العناصر، واضحة القواعد، كثيرة الجذور، بليغة الاستعمال، وهذا الوقت يعود إلى 18 قرنًا من الزمان ومن وقتها لم تنقرض اللغة العربية.
اقرأ أيضًا| الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية: اللغة العربية سادت العالم لأكثر من خمسة قرون
القرآن حفظها من الإنقراض:
الأسباب عديدة من أهمها أن القرآن الكريم نزل بها فأعطاها قوة وقدرة على الحفاظ على نفسها وعلى مواجهة اللغات الأخرى والتغلب عليها ولذلك كانت اللغة العربية التي هي شعار الإسلام، كما قال الإمام الشافعي تنقل مع الإسلام، فعندما ذهب الإسلام من مواطن في آسيا إلى كل الجمهوريات التي كانت منسوبة إلى الاتحاد السوفيتي مثل كازاخستان وأوزبكستان وأمثال هذه البلاد، انتقلت معه اللغة العربية وتغلبت على اللغات التي كانت موجودة، وعندما دخلت إلى إيران تغلبت على اللغة الفارسية القديمة، وأصبحت إيران تتكلم العربية وظل هذا موجودا، بعضهم يكتب باللغتين وبعضهم يكتب باللغة العربية وحدها ويفضل العربية على لغته الأصلية وهذا موجود عند ابن جني على سبيل المثال، الذي تحدث عن تفوق اللغة العربية على غيرها من اللغات حتى اللغة الفارسية، وعندما يقولون له أنت فارسي يقول هي ألطف حسا وأعلى ذوقا مما عرفناه من لغات، وبعضهم كان يتعصب لهذه اللغة لدرجة أن يقول لأن أهجى باللغة العربية خير من أمدح باللغة الفارسية.
النزال والصراع مع اللغات الأخرى:
حبب الله سبحانه وتعالى الناس فيها مع الإسلام، ولابد للمسلم أن يتعلم شيئا من القرآن حتى يتم به صلاته ويسمع الآذان باللغة العربية والإقامة باللغة العربية ويتعلم اللغة العربية لأنها لغة الإدارة ولغة الحكم في المجتمعات، وأدى هذا إلى انتشارها في بقعة من شرق آسيا إلى الأندلس الإسلامية فكل هؤلاء يتكلمون العربية، فأكثر العالم المعمور يتحدث اللغة العربية، والقرآن الكريم أعطى هذه اللغة دفعة قوية ومتانة وصلابة وقدرة على النزال والصراع مع اللغات الأخرى والتغلب عليها.
مكون أصيل للهوية الثقافية:
ونشأ حول القرآن وحول حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مجموعة من العلوم الكثيرة، مثل التفاسير بأنواعها مثل التفسير اللغوي والتفسير النحوي الذي يقوم على الإعراب والتفسير الاعتقادي ككتابات الأشاعرة والمعتزلة والشيعة وكذلك الحديث والفقه وأصول الفقه والبلاغة والأدب والدواووين الشعرية، التي ظهرت في عصر الدولة الإسلامية واستمر هذا التقليد الذي كان موجودا في الجاهلية، بشعر جديد في العصر الأموي والعصر العباسي والعصور، التي جاءت بعد ذلك فهذا تراث ضخم جدا يتكلمه أناس كثيرون ويكتبه ويدونه أناس كثيرون فأصبح للغة العربية بفضل القرآن الكريم هذا التوسع الضخم، وهذا ما أكده الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة الدكتور أمحمد صافي المستغانمي مؤكداً إن اللغة العربية مكونًا أصيلا من الهوية الثقافية والحضارية للأمة العربية، هي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم وهي التي قدم أهلها للعالم علومًا ومنجزات تشكل أساس كل النهضة الحضارية المعاصرة في محتلف المجالات فقد ظلت لغة الفكر والعلوم والآداب والمعارف على مدى قرون من الزمن وهذا محل فخر لنا .
قفْ في رحاب الضادِ تكسبْ رفعةً
فمجالُها بحرٌ بلا شُطآن
اللهُ أكرمَها وباركَ نطقَها
فأرادَها لتَنَزُّل القرآن
" اقرأْ " فمفتاحُ العلوم قراءةٌ
عمَّتْ بشائرُها على الأكوان
عِلمٌ وفكْرٌ، حكمةٌ ومواعظ
فقْهٌ وتفسيرٌ، وسِحْرُ بيان
وعَروضُها نغمُ العواطف و الهوى
ومآترٌ تبقى مدى الأزمان
عربيةٌ ، والعرْبُ أهلُ مضافةٍ
وفصاحةٍ ومروءةٍ و طِعان
عربيةٌ ، والمصطفى أرسى بها
منهاجَ صرْح ثابت الأركان
فغدَتْ على الأيام صوتَ حضارةٍ
تسمو بنورِ العلم والإيمان
تتوسع وتتمدد على الألسنة:
سبب ثقافي آخر يضاف إلى هذا السبب المتعلق بالقرآن الكريم، وهو أن العرب والمسلمين لم يقطعوا صلتهم بفكر العالم وعلم العالم ولذلك ترجموا إلى اللغة العربية علوم الأمم الأخرى جميعا، يعني تراث الهند تراث فارس الإيرانية وتراث اليونان وتراث السوريان، الذين كانوا في الشام وتراث لاتيني وتراث عبري إذا كان موجودا، كل هذا ترجم إلى اللغة العربية ونشأت بسببه علوم جديدة مثل الطب والفلك والكيمياء والصيدلة والجراحة ألخ، فاللغة تتوسع وتتمدد وتستعمل على الألسنة ثم تترجم هذه الكتب أو تنتقل بعد أن ترجمت علوم الآخرين متضمنة كل العلوم ثم أضافت إليها العبقرية العربية الإسلامية علما جديدا.
لغة العلم الأولى:
وانتقل هذا كله إلى أوروبا مرة ثانية فتكون اللغة العربية لغة العلم الأولى في العالم أكثر من خمسمائة سنة مثل الإنجليزية الآن، ثم ترجمت في أوروبا إلى اللغة اللاتينية، وأصبح النص العربي موجودا وأصبح النص اللاتيني موجودا لأن اللاتينية كانت لغة أوروبا في ذلك الوقت، والآن أصبحت لغة متحفية يتعلمها الناس وكان ذلك في أول القرن 12، 13. 14، وأوربا تترجم تراث العرب والمسلمين ويعترفون بأن اللغة العربية لا يمكن الاستغناء عنها، والثقافة العربية لا يمكن الاستغناء عنها، ويقولون في أوروبا أننا نستغني عن حضارة الصين وعن حضارة اليابان وعن حضارة هذه البلاد، لكن لا نستطيع ونحن نؤرخ لتاريخنا العلمي وتاريخنا الثقافي لا نستطيع أن نستغني عن المنجز العربي، لأنه الذي أوصلنا بعلومنا القديمة نفسها، وأصبح يدرس كتاب مثل كتاب الحاوي للرازي في أوروبا، وأصبح كتاب القانون لابن سيناء يدرس في أوروبا، وأصبحت فلسفة ابن سيناء تدرس في أوروبا وأصبحت فلسفة ابن رشد تدرس في أوروبا، وينقسم فلاسفة أوروبا إلى سيناويين يتبعون ابن سيناء وإلى رشديين يتبعون ابن رشد وفي الطب نفس الكلام وفي الكيمياء والصيدلة وسائر العلوم التي ترجموها من عندنا، ويقولون نحن لا نستطيع أن نستغني ونحن نكتب تاريخنا العلمي عن هذا التراث العربي، الذي كان وسيلتنا إلى معرفة حتى تاريخنا نفسه، نحن عرفناه عن طريق العرب، فهذه أوقات الازدهار الكبرى للغة العربية من شرق آسيا إلى الأندلس، وأصبحت لغة العلم الأولى في العالم كله فمن كان يريد التعلم كان يأتي إلينا، فأتى ألينا من أمراء انجلترا وأتى باباوات من فرنسا يتعلمون اللغة العربية.
لغتنا سر قوتنا:
أنشأ الغرب في جامعاتهم أقسام اللغة العربية، في جامعات إيطاليا وفرنسا وغيرها من البلاد الأوروبية، لتعلم اللغة العربية لأسباب كثيرة، منها معرفة العلم ومعرفة طبيعة هذا الشعب الذي يصارعونه ويصارعهم ، فيتعلمون لغتنا حتى يفهموا سر قوة هذا المجتمع الذي استولى على تلك الأراضي كلها، وأزال اللغات التي كانت موجودة فيها وأحل محلها اللغة العربية التي أصبحت لغة العلم والثقافة في معظم أرجاء المعمورة.
فيقول الأمين العام لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، إن اللغة العربية ذات مزايا ومن أهمها أنها لغة دين ولغة قوم وانتشرت جغرافيا حتى وصلت إلى دول عديدة وامتدت ثقافيا حتى شملت حضارات متعددة وواكبت البشرية حتى نطق بها من لم يولد في أرضها وسجل بها تاريخه وعلومه.
وهن اللغة العربية:
وعن أسباب الوهن الذي أصاب اللغة العربية فهي كثيرة بعضها يتعلق بالجانب الاقتصادي، حيث كانت مصر هي المعبر الذي تمر منه التجارة القادمة من شرق العالم إلى أوروبا، ولكن بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح حصل نوعا من الفقر، وأيضا من الجوانب الأخرى أن الحضارة تمر بأطوار، فإنجلترا كانت الإمبراطورية التي تحكم العالم كله، والحضارة التي كانت في مصر الفراعنة فكل حضارة تمر بأطوار قد تؤد ي إلى زوالها وقد تؤدي إلى كمونها، ففترات الازدهار التي شهدها العالم العربي أسست قاعدة علمية ضخمة في كل العلوم، والأجيال الجديدة لم يعد لديها هذه المقدرة على الإبداع التي كانت في عصور الازدهار العربي، وتحول العلم الذي يقود الحضارة إلى شيئا من التوقف، وهناك عيوب تتعلق بالجانب العلمي في الحضارة الإسلامية فلم يكن لدينا مدارس كتلك المدارس الفقهية والمدارس الاعتقادية التي استمرت، فمذهب الإمام الشافعي ومذهب الإمام أبي حنيفة ومذهب الإمام مالك أجيال وراء أجيال تتبنى هذا العلم وتنشره وتلخصه أحيانا وتضيف إليه أحيانا لكن عندما خفتت نسبة العبقرية أو نسبة الاهتمام بالعلم أدى ذلك إلى شيء من الجمود.
شامخة في مواجهة الحروب الصليبية:
أيضا الحروب الكثيرة التي وجهت إلى العالم الإسلامي والحروب الصليبية ال7 بعضها احتل جزءا من الأرض في فلسطين على سبيل المثال أكثر من تسعين سنة إلى أن جاء صلاح الدين وأخرجهم الله على يديه، وأتى التتار أو المغول من الجانب الشرقي، وسقطت الدولة العباسية التي كانت تجمع شمل أكثر بلاد العالم الإسلامي كل هذا أدى إلى نوع من الانحسار الفكري والتجمد الحضاري، عندئذ نسبة الإبداع تقل ونسبة الإضافة العلمية تقل ويكون العلم تكرارا لما سبق إبداعه في عصور الازدهار، ثم وقعنا بعد ذلك كله في مرحلة الاستعمار، فالاستعمار كان يحارب اللغة العربية وانظر إلى الجزائر وانظر إلى مصر ، فالطب عندما نشأ في العصر الحديث كان يدرس باللغة العربية، كلوت بيه الفرنسي كان يدرس الطب باللغة العربية ولامه قومه أنه لم يجعل الطب باللغة الفرنسية، وتحول التعليم من اللغة العربية عندما احتل الإنجليز مصر سنة 1882 وفي سنة 1883 تحول التعليم في القصر العيني من العربية إلى الانجليزية، وهكذا فالاستعمار حارب اللغة العربية، لأن اللغة جزء من الهوية، من الذاتية القومية ومن الشخصية، وكل المستعمرين يحاربون اللغة العربية، فرنسا أرادت أن تحتل الجزائر وتكون هي جزء من فرنسا والإنجليز حولوا تعليمنا من العربية إلى الإنجليزية وهكذا، فكل هذا أدى إلى شيئا من الضعف في الإبداع الذي تحيا به اللغات وتتقدم به.
سيدة لغات العالم:
ومن الأسباب الأخرى الكثيرة التي واجهتها اللغة العربية أسباب اقتصادية، وأسباب تتعلق بالحرب، والعلاقة بالعالم، والاستعمار، والحروب الصليبية، والمغول، والتحول عن طريق رأس الرجاء الصالح، كل هذه أسباب أدت إلى ضعف اللغة العربية، والحضارة مثل الإنسان يولد ضعيفا ثم يقوى في مرحلة الشباب ثم يضعف، ويندثر، فهذا قانون الطبيعة ولا يمكن أن تظل حضارة سائرة هكذا، فهناك حضارات بادت، ومدونوا التاريخ يتحدثون عن أكثر من عشرين حضارة، كانت مزدهرة ولكنها انقطعت وانقضى شأنها، فأين حضارة الرومان واليونان؟ وأين إنجلترا والصين قديمًا والصين الحالية؟ والاتحاد السوفيتي الذي قام وانقضى بعد 71 سنة فقط ثم تحلل وذهب؟. فلولا القرآن العظيم الذي حفظ اللغة العربية لتبعتهم، ولكن أصبحت سيدة لغات العالم، وليس من الممكن أن تتحول اللغة العربية إلى لغة بائدة.
العربية.. لغة الإدارة:
والشعوب من غير المسلمة تعلموا اللغة العربية لأسباب كثيرة، بعضهم دخل الإسلام وبعضهم عامل اللغة العربية على أنها لغة إدارة، تعلمها حتى يوظف في الدولة الإسلامية، وبعضهم قرأها ليعلم ثقافتها، وكان مكرم عبيد في مصر يقول أنا عربي ثقافة، مسيحي ديانة، فهي كانت لغة الجميع، لكن بعد الحملة الفرنسية التي جاءت إلى مصر جاءوا بعلم أدهش الناس وخصوصًا في الجانب العسكري، عندما كان المماليك يحاربونهم بأسلحة تقليدية ضعيفة جدًا أمام مدفعية حديثة التي كانت في إمبابة، فرأى الناس نمطًا جديدًا من العلم وتفوق، وكان نابليون حريصًا على أن يوصل هذا المعنى إلى المصريين، وعندما تقرأ الجبرتي تجد فيه قصدًا في هذا الجانب بالذات، كما قام الفرنسيون أمام الجبرتي ببعض العمليات الكيماوية المدهشة، فهذه المدفعية الثقيلة وهذه الأسلحة الجديدة وهذه القوة العسكرية، هذا كله أدى إلى تحرك المجتمع المصري الذي استطاع أن يخرج فرنسا بعد ثلاث سنوات، وبدأ نوع من التحرك الذي يشعر بأن السهم سيكون صاعدًا.
اقرأ أيضًا| حاتم نعام يكتب: لغتنا العربية بين المهابة والانحسار الحضاري
اللغة أساس الثقافة والإبداع:
تقدم الأمم يحتاج إلى أوقات ويحتاج أيضًا إلى أسباب ويحتاج إلى إرادة حازمة وثقافة عالية وإبداع قوي وإنفاق سخي، فعندما ينتشر التعليم ويكون تعليما عصريا متفوقا فإن ذلك ينشأ أجيال من المبدعين والمفكرين والمثقفين والعلماء في سائر العلوم وأصبحت هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى اجتهاد جديد حتى فيما يتعلق بالعلوم الشرعية فهذا يؤدي إلى أن نقدح الفكر وأن نأخذ بالأسباب العلمية المنهجية.
تحديات داخلية وخارجية:
ويؤكد الدكتور عبدالحميد مدكور الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية، أن هناك عوامل مضادة وتحديات جديدة، تواجهها اللغة العربية، منها ما هو قادم من الخارج، الذي لا يريد لهذه المجتمعات أن تستقر أو أن تستعيد لغتها، كما أن هناك تحديات ثقافية وتحديات اجتماعية وتعليم بلغة أجنبية ومدارس أجنبية، وليس معنى ذلك أننا ضد تعلم اللغات، فتعلم اللغات فريضة واجبة الآن، خصوصا اللغات التي تتضمن التقدم العلمي فهذا فرض واجب لأننا نستطيع أن نغذي حضارتنا بهذا الغذاء الذي نستحضره من اللغات الأجنبية لكي ينتشر في عروق الثقافة وفي عروق العلم لكن الخطيئة الكبرى هي التعلم باللغات فهناك فرق بين تعلم اللغات والتعليم باللغات، بمعنى أن تعلم اللغات فرض واجب لكن التعليم بهذه اللغات الأجنبية خطيئة، وهذا أمر لا يفعله أي شعب في العالم إلا العرب، فالصين بلغتهم والكوريين بلغتهم والهند بلغتها الفرنسيون بلغتهم والألمان والأسبان فهم يتعلمون لغة أخرى مع لغتهم الأصلية، أما أن يتركوا لغتهم الأصلية لكي يتعلموا لغات أجنبية، فهذا لن تجده إلا عندنا.
الانفتاح على الآخر:
ويقول الدكتور محمود السيد رئيس مجمع اللغة العربية السوري: لا يمكننا أن نتخيل مجتمعنا دون هوية ثقافية تميزه، واللغة هي محور الثقافة وحاملتها والمعبرة عنها، والمحققة لوحدة المجتمع وتجانسه وتماسكه، إلا أن تعزيز الهوية الثقافية والمحافظة عليها وتعميق جذورها لا يتنافى مع الانفتاح على الآخر، والحوار معه، والآخذ من إيجابياته، وهذا ما انتهجته أمتنا من قبل.
غريبة بين أهلها:
فاللغة العربية تواجه إعراضا من أهلها وليست موضع عناية، فمناهجها التعليمية تحتاج إلى مراجعات وتحتاج إلى تطوير رسالتك في إيصال لغتك إلى الناس، إن اللغة العربية تعامل معاملة لغة أجنبية بمعنى أن يكون لها مادة واحدة في منهج دراسي يقدم كله بلغة أجنبية فتكون اللغة العربية غربية عندما تكون كل العلوم بلغة أجنبية فلماذا لا تعلمني الكيمياء بشرائط اللغة على سبيل المثال.
فالخطيئة أن تتعلم جميع العلوم بلغة أجنبية، هنا التلميذ لا يسمع اللغة، واللغة تسمع أولًا، فلابد من السماع والإسماع والمحاكاة، فالطفل الصغير لا يعرف قواعد اللغة، ولا يعرف كتابة، لكن يسمع أبويه فيتعلم اللغة ويكتب اللغة ويحاكي اللغة.
مكانة اجتماعية للغات الأجنبية:
وهناك تحد آخر هو أن بعض من يدرسون اللغة العربية يتحدثون بالعامية، كما أن اللغة الأجنبية تحولت إلى مكانة اجتماعية في مجتمعاتنا العربية فهذا يؤدي إلى انفصال داخل المجتمع ويؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات وإلى فئات مع أنهم جميعا أبناء أمة واحدة، فهذه كلها مقاومات وتحديات موجودة.
الخطيئة الكبرى:
ولكي تعود اللغة إلى مكانتها لابد أن يستمع الناس إليها في المدرسة وفي المسجد وفي الكنيسة بلغة عربية فصيحة سليمة سهلة ميسرة بعيدا عن الألغاز أو العقد والكلمات المعجمية أو التراثية أو التاريخية، فاللغة تعيش مع المجتمع، فهذا كله إذا لم يحدث فيمثل تحديات لهذه اللغة، لكن أن تعامل اللغة كأنها لغة أجنبية في داخل أوطانها العربية فهذه خطيئة كبرى.
لكن اللغة العربية بما فيها من قوة تقاوم هذا كله والقرآن يساندها، وإحساس الناس بهويتهم يساندها، لأنني في النهاية أنا عربي وإذا التحقت بحضارة أخرى سأكون هامشا من هوامشها، وتابعًا من توابعها ولست عنصرًا أصيلا ومن الخسارة أن ما ينتجه علماؤنا بلغات أخرى ينسب إلى اللغات الأخرى، فلابد أن يوطن العلم الحديث في بلادنا بلغتنا العربية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.