كشفت صحيفة الجارديان البريطانية عن تفاصيل جديدة وخطيرة حول تورط الأمير أندرو في فضيحة تجسس مرتبطة بالنفوذ الصيني المتزايد في المملكة المتحدة، في وقت تشهد فيه العلاقات بين لندنوبكين توتراً غير مسبوق، مشيرة إلى أن هذه القضية كشفت عن حجم التهديدات التي تواجهها بريطانيا من عمليات التجسس الصينية المتنامية. من الشراكة إلى التوتر شهدت العلاقات بين بريطانياوالصين تحولاً دراماتيكياً خلال السنوات التسع الماضية، حيث كشفت الجارديان في تقريرها المفصل عن مسار هذا التحول الجذري، ففي عام 2015، كانت العلاقات في أوجها عندما استقبل رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون الرئيس الصيني شي جين بينج في زيارة تاريخية، تجلت مظاهر الود فيها بتناول المشروبات في إحدى حانات باكينغهامشير. وفي ذلك الوقت، فتحت بريطانيا أبوابها على مصراعيها للاستثمارات الصينية في مشاريع الطاقة النووية، خاصة في موقع هينكلي بوينت في سومرست، مع خطط طموحة لتطوير موقع برادويل في إسيكس، غير أن هذه المشاريع تعثرت لاحقاً، وتوقف التمويل الصيني لمشروع هينكلي بوينت، في إشارة واضحة إلى تدهور العلاقات بين البلدين. شبكة التجسس الصينية في قلب المؤسسات البريطانية كشف الصحيفة الفرنسية عن تفاصيل مثيرة حول حجم وتعقيد عمليات التجسس الصينية في بريطانيا، فقبل ثلاث سنوات ونصف، أصدر جهاز الأمن البريطاني MI5 تحذيرات حذرة حول استخدام قراصنة صينيين لحسابات مزيفة على منصة LinkedIn، متظاهرين بأنهم مسؤولو توظيف، في محاولة لخداع الموظفين البريطانيين واستدراجهم للكشف عن معلومات تجارية قيّمة. ولم يكن جهاز MI5 في ذلك الوقت يجرؤ على تسمية الصين صراحة كمصدر لهذه الهجمات. وتطور الأمر لاحقاً إلى سلسلة من قضايا التجسس الأكثر جرأة وطموحاً، إذ كشفت الجارديان عن قضية المحامية كريستين لي، التي تبرعت بأكثر من نصف مليون جنيه إسترليني لمكتب النائب العمالي اليساري باري جاردينر. وأصدر MI5 "تنبيهاً بالتدخل" رسمياً ضدها، متهماً إياها بالعمل لصالح إدارة العمل المتحد التابعة للحزب الشيوعي الصيني. ورغم نفي لي لهذه الاتهامات ورفعها دعوى قضائية ضد MI5، إلا أن القضية كشفت عن عمق تغلغل النفوذ الصيني في الأوساط السياسية البريطانية. قضية يانج تينجبو والأمير أندرو كشفت الصحيفة التفاصيل حساسة عن علاقة رجل الأعمال الصيني يانج تينجبو، المعروف باسم H6، بالأمير أندرو، إذ استطاع يانج بناء إمبراطورية استشارية تقدم خدماتها للشركات البريطانية العاملة في الصين، وتمكن من الوصول إلى دائرة الأمير أندرو في وقت كان فيه الأخير يواجه تساؤلات حول علاقته بالمجرم الجنسي جيفري إبستين. وأدت هذه العلاقة إلى لفت انتباه الدولة البريطانية، مما أدى إلى مصادرة أجهزته الرقمية في نوفمبر 2021، وفي مارس 2023 أصدرت وزيرة الداخلية آنذاك سويلا برافرمان قراراً باستبعاده من المملكة المتحدة وإلغاء تأشيرته "لما فيه المصلحة العامة". وتكمن خطورة قضية يانج، وفقاً للجارديان، ليس في احتمال حصوله على أسرار دولة من عضو متزايد التهميش في العائلة المالكة، بل في قدرته على "بناء علاقات" يمكن "استغلالها لأغراض التدخل السياسي"، حسبما جاء في حكم محكمة الهجرة التي أيدت قرار برافرمان بالاستبعاد الأسبوع الماضي. مخاوف استراتيجية وتهديدات مستقبلية تختتم الصحيفة بتحليل عميق للمخاوف الاستراتيجية البريطانية، حيث تعتقد أجهزة المخابرات البريطانية أن الصين تحت قيادة شي جين بينج تسعى إلى تحقيق طموحات هيمنة طويلة المدى على الغرب. وتخشى هذه الأجهزة من أن العلاقات التي تتم رعايتها من قبل بكين، مهما بدت بريئة، يمكن استغلالها ضد المملكة المتحدة في حال نشوب نزاع مستقبلي، خاصة فيما يتعلق بقضية تايوان المتفجرة. ويؤكد تشارلز بارتون، المحلل المتخصص في الشؤون الصينية، أن قضية الأمير أندرو، رغم تداعياتها السلبية على العائلة المالكة، قد نجحت "بشكل شبه منفرد" في تسليط الضوء على التهديد الذي تشكله الدولة الصينية المعاصرة على الدول الحرة والمنفتحة. وأشارت الجارديان إلى أن العدد المتزايد من حوادث التجسس والقضايا المنظورة أمام المحاكم يشير إلى تدهور العلاقات السياسية بين البلدين، والتي أصبحت تتسم بشكل متزايد بعدم الثقة المتبادلة وتصاعد المواجهة الاستراتيجية.