مصر كبيرة جداً وعريقة، تمتلك المقومات القادرة على وضعها فى مكانها الصحيح اضطرتنى مناسبة خاصة للبحث عن «بدلة» تليق بالحدث، قضيت أكثر من خمسة أيام كاملة أحاول البحث عنها بين محلات وسط البلد ومصر الجديدة والعبور.. ولأننى أحب كل شيء يكتب عليه صنع فى مصر، لم أجد، وكنت على وشك الاستسلام لإخراج إحدى بدلاتى التى يمتلئ بها دولاب هدومى - وللأسف لا أجد فرصة لارتدائها إلا فى المناسبات القليلة - ولكن أمام إصرار أولادى وزوجتى على ارتداء واحدة جديدة استسلمت، وخلال تلك الرحلة هالنى ما شاهدته فى المحلات، شيء يصيبك بالإحباط لكونى مصرياً يغار على بلده، فقد كنت أتمنى أن أشترى بدلة تحمل صنع فى مصر كما تعودت.. كما قلت حاولت البحث عن منتج مصرى يليق ولم أجد، وفاجأنى البائعون تقريباً فى كل المحلات التى بحثت فيها، أن المنتجات التي لديهم وتكتظ بها أرفف وفتارين المحلات، كلها صناعة تركى، هى للأمانة شيك جداً ومناسبة ومريحة لأقصى درجة، ولو استمعت للبائع وهو يعدد مزاياها من جودة وحسن الصناعة، لقمت بدفع الثمن فوراً، ولكن إذا استمعت منه للثمن لأصابك الحزن، فى كل المحلات، السعر مع الأسف يقع ما بين14ألف جنيه كحد أدنى، وبدون حدود قصوى لأى مبلغ تتخيله، ولم يكن الثمن هو العائق فى إتمام الشراء، ولكنها الغيرة على منتج مصرى، وذلك الاستفزاز من المعروضات الأجنبية. ولأننى «مضطر»، استسلمت للإغراء وأنا حزين، ألا أجد فى بلدى ما يناسبك من مصانعها، مع أننا كنا الرواد فى صناعة الملابس، منذ أقام طلعت حرب مصانع المحلة الكبرى وكفر الدوار، وأنشأ بنك مصر. على مدى عمرى كنت أشترى بدلاتى وقمصاني، وأى شيء من منتجات المحلة التى كانت تحمل اسم ستيا، وأعتقد أنها مازالت موجودة، أو من مصانع ومعارض شركتي العامرية وكفر الدوار، وكانت قمة الصناعة المصرية الفائقة الجودة، وعشت لها ومعها أفتخر أنها صنع مصر، ولا أدرى لماذا تراجعت - أو هكذا تصورت - وتركت الساحة كاملة للتركى والرومانى والإنجليزى؟.. كنت أتابع مباراة الزمالك والمحلة على استاد المحلة، والصورة تنقل بوضوح مداخن المصانع التى أسعدنى جداً أن تعود للدوران بقوة، لتعيد عصر الإنجاز، وأسعدنى أكثر ما أعلنه الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء وزير الصناعة، من أن الدولة وضعت خطة كبرى، ستعيد مصانع المحلة بعد تطويرها، وإنشاء مصانع وورش جديدة وخطوط إنتاج، وتزويدها بأحدث المعدات، ستساهم فى التواجد وبقوة، سواء فى السوق المحلى أو العالمى، خاصة بما تملكه مصر من نوعيات الأقطان التي تسمح لها بإنتاج الأقمشة التى لا مثيل لها فى أى من دول العالم، وتتفرد بها، وبما يسمح بإنتاج نوعيات فاخرة تسمح بالمحافظة والتفوق، قطعاً شيء جد مفرح وعظيم، ويفتخر به كل مصرى على أرض هذا البلد.. ولكن ومن خلال التجربة، يجب أن ندرس باستفاضة لماذا تفوقت الصناعات الأجنبية، خاصة فى الملابس على الصناعات المصرية؟، كانت صناعتنا قمة التطور، وكانت منتجاتنا تغزو السوق العالمى، فى زمن من الأزمان، فلماذا تراجعت؟. الأمر يحتاج إلى دراسة السوق المصرى بعناية فائقة، ومعرفة الاحتياجات والمتطلبات، وكذلك دراسة مستفيضة للسوق العالمى، خاصة ذلك المفتوح على مصر للوقوف على أسباب وصوله للسوق المصرى بلا منافسة، وكيفية استعادة الأرض المفقودة فى هذا الأمر، وهى قطعاً مسألة تحتاج إلى تدقيق وحسن متابعة، لإعادة الهيبة للمنتج المصرى.. وإن شاء الله يتحقق ذلك، بالجهد والثقة فى النفس والمثابرة، لا ينقصنا أى شيء، بل نملك عناصر النجاح. مصر كبيرة جداً وعريقة، تمتلك المقومات القادرة على وضعها فى مكانها الصحيح، وكم كانت سعادة المصريين كبيرة بإحياء وإعادة الحياة لقلعتين من قلاع الصناعة المصرية من جديد النصر للسيارات وغزل المحلة، وما أحلى أن تجد على المنتج «صنع فى مصر».