مع بلوغها عامها الثامن والثلاثين وتضاؤل فرصة الحصول على زوج مناسب، قررت دينا البحث عن زوج تكون مهمته الوحيدة إنتاج طفل أو اثنين قبل أن تفقد قدرتها على الإنجاب وتصل لسن اليأس. دينا لم تجد الفكرة بالمستهجنة أو الغريبة، فكثير من صديقاتها هرولن وراء هذه الموضة وتزوجن لهذا الهدف فقط، خاصة أنه يكون بالاتفاق مع الزوج، فعادة ما يكون الزواج محدد المدة وسرعان ما يحدث الطلاق إما بعد الإنجاب أو حدوث الحمل مباشرة، بل إن هناك من قررن استكمال الزيجة بهدف الونس وتأسيس أسرة. ◄ ارتفاع سن الزواج وتكاليفه أهم أسباب انتشاره ◄ فتيات يبحثن عن عريس تفصيل لإنتاج الأطفال ◄ دار الإفتاء تحرمه و»فيسبوك» ينشره على أوسع نطاق لا يهم دينا حالة العريس المادية، إذ قررت مساندته ماديا فى كافة التجهيزات بدءا من إيجار مسكن الزوجية حتى الشبكة والمهر، فأهم ما تحرص عليه أن يكون الزوج متدينا، وأن يكون بينهما تقارب فكرى وراحة نفسية لكى تضمن لطفلها المستقبلى أبا جيدا، ورجلا يُعتمد عليه.. لجأت إلى دائرة معارفها القريبة من زملاء عمل وأصدقاء لمساعدتها فى إيجاد العريس المناسب، وهى فى سعيها هذا حريصة على ألا يتخطى سنه الخمسين عاما، حتى لا يتعرض طفلها المستقبلى لصدمة فقدان والده بالتالى يصبح يتيما فى سن مبكرة. تعترف دينا بين الحين والآخر أنها مهمة تشبه العثور على إبرة وسط كومة قش، فبرغم انتشار فكرة ما يُعرف ب»زواج الإنتاج» وتقبل كثير من الرجال لها، لكنهم عادة ما يكتمون شعورهم حفاظا على قوامتهم ورجولتهم، وسرعان ما يحاصر دينا الخوف من شبح الوحدة بين الحين والآخر فهى تخاف من الموت على سريرها دون أن تجد ولدا يدعو لها، ويترحم عليها. ◄ مجتمع واسع لم تكن دينا وحدها من تبحث عن زوج تفصيل لإنتاج طفل فقط، فالأمر ذاته بالنسبة إلى «سماح» ذات الأربعين عاما، التى تعمل فى منصب مرموق بأحد البنوك، تتبنى تلك الفكرة وتحاول نشرها بشتى الطرق من خلال منصات التواصل الاجتماعى خصوصا «فيسبوك»، حيث سارعت بتجميد بويضاتها وحفظها كى تستطيع الإنجاب بسهولة بعد إيجاد زوج مناسب، ترى أن إنجاب الأطفال هو الهدف الأمثل من الزواج والثمرة الوحيدة له، فحالات الطلاق المتنامية والتى تزداد يوما عن التالى جعلتها لا تحبذ فكرة الزواج أو تتقبلها، الغريب أن هناك المئات من الشباب مقتنعين بتلك الفكرة ويعبرون عن آرائهم سواء من خلال صفحاتهم الشخصية، أو على الجروبات المختلفة. تنهال عروض الزواج يوميا على سماح من فئات وأعمار سنية مختلفة، يبلغونها برغبتهم فى الزواج منها شريطة تحمل نصف تكاليف الزواج، والمساهمة فى الإنفاق على الطفل بعد إنجابه، ومنهم من يشترط أن تتحملها هى كافة، ودون أن تلزمه بالإنفاق على الطفل اللهم إلا نفقات بسيطة. لا تجد سماح غضاضة فى تلك الشروط فهذا الزواج يختلف عن الأنواع الأخرى من الزواج، فهو زواج مصلحة للطرفين وعادة ما يلجأ إليه الشباب العاجز عن تأسيس عش الزوجية والإنفاق على زوجة وأطفال، تضع شروطا فى الزوج المنتظر منها أن يكون وسيما وعلى قدر كبير من الأناقة، كما ينتمى لعائلة ذات جاه وحسنة السيرة، كى تضمن لطفلها انتماءه لعائلة مرموقة ووراثة قدر كبير من الوسامة والأناقة. ◄ تكاليف ضخمة أما أحمد (33 عامًا)، فيرى أن تكاليف الزواج الضخمة ومتطلباته التى لا تنتهى هى الدافع الأساسى لعزوف الرجال عنه، فالأهالى رغم ضيق اليد وتعثر الشباب عن تأسيس عش الزوجية، لا يتوقفون عن المبالغة فى الأساسيات، وبالطبع فإن زواج الإنتاج ربما يكون حلا للعنوسة حتى وإن كان محدد المدة، فلقب مطلقة أفضل من لقب عانس فى مجتمعنا الحالي، إضافة إلى أن الأطفال هم أحلى ما فى تجربة الزواج، مشيرًا إلى أن الكثير من الزوجات بعد الطلاق يلجأن للمحاكم سواء لطلب نفقة طفل، أو لطلب رؤية صغير، وهذا ما يعرض الطفل للعديد من المشكلات النفسية، أما فى هذا الزواج فإن الزوجين تكون علاقتهما جيدة وصديقين حميمين. ◄ اقرأ أيضًا | ماهي فحوصات ما قبل الزواج لحياة زوجية سعيدة وآمنة ؟ ◄ فوبيا الطلاق الخوف من الطلاق كان الدافع الرئيسى لمحمود كى يعزف عن فكرة الزواج التقليدي، إذ إن الخاسر الوحيد فى ذلك الطلاق هو الزوج على حد اعتقاده، حيث إنه فى الغالب يخسر مسكن الزوجية فى حال وجود أطفال، فضلا عن قائمة المنقولات والشبكة، ولعل هذا ماجعله ينحاز لزواج الإنتاج، حيث إنه غير مطالب بكافة نفقات الزواج والطلاق الباهظة، فضلًا عن أن الإنفاق على طفل الزواج سيكون مسئولية مشتركة بين الطرفين.. ويحرص محمود على نشر فكرته وتبنيها بين أوساطه القريبة عله يجد زوجة مناسبة توافقه رأيه، لا يهم عمرها السنى أو مظهرها الشكلي. ◄ زواج المصلحة تقول الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع: تغيرت مفاهيم الزواج فى مجتمعنا الحالي، فالفتاة حققت قدرا كبيرا من الاستقلالية والنجاح فى العمل، ما جعلها تتخلى عن رغبتها فى الزواج التقليدى القائم على قوامة الزوج والتعاون معه لإنجاح الزيجة، وأصبحت غريزة الأمومة الداخلية هى ما تحركها فقط بغض النظر عن نجاح الزيجة أو فشلها، مشيرة إلى أن هناك بعض أهالى الفتيات يقومون بالمبالغة فى المهور وتكاليف الزواج مما يجعلها تقبل بأى زيجة حتى لا يفوتها قطار الإنجاب. وترى خضر أن بعض الرجال الذين يوافقون على ذلك النوع من الزواج هم فى الأغلب يرفضون تحمل المسئولية ولا يمكن الاعتماد عليهم بعد ذلك، مؤكدة أن كل ذلك يعود بالأثر السلبى على صحة الطفل النفسية ويجعله يشعر باليتم والتشتت رغم وجود الأب والأم. وتضيف: ورغم تردد الأقاويل والأحاديث عن ذلك النوع من الزواج مؤخرا إلا أنه ليس موجودا بنسبة كبيرة الآن، فعملية الإنجاب وتحمل مسئولية الأطفال لا يستهان بها أو يتم تنحيتها جانبا، مشيرة إلى أنه حتى فى بعض أوساط أوربا يرفضون تلك الفكرة، فرعاية الأطفال مسئولية مشتركة بين الأب والأم ويلزم القانون كليهما بها. ◄ تشتت نفسي أما الدكتور الطبيب النفسى أحمد سعيد، فيقول: قد تبدو فكرة زواج الإنتاج فكرة براقة ومريحة نفسيا لطرفى الزيجة سواء من حيث عدم وجود التزمات مادية أو تضييق الخناق على كليهما، إلا أن الضحية الوحيدة له هو الطفل الذى هو نفسه السبب الرئيسى لتلك الزيجة، فالطفل الذى يولد لأبوين منفصلين يشعر بتشتت نفسى يلازمه حتى فى مراحل عمره المتأخرة خاصة إذا كان الأب متخلياً تماما عن القيام بمسئوليته تجاه الطفل. ويضيف سعيد: هناك سبب حيوى لزيادة أنماط الزواج المختلفة فى مجتمعنا وهى الاختلاط مع المهاجرين واللاجئين الذين يتبنى بعضهم تلك الأفكار، كذلك ارتفاع سن الزواج والخوف من شبح العنوسة يدفع الكثير من الفتيات للبحث عن زوج لأجل إنجاب طفل فقط دون التدقيق فى مستواه الاجتماعى أو تدينه، مؤكدًا أن الزوجة بالطبع تتعرض لآلام نفسية على المدى البعيد خاصة وأنها تصبح الأب والأم للطفل. ويطالب سعيد وسائل الإعلام والقائمين على صناعة السينما والدراما فى مصر ألا يسلطوا الضوء على مثل بعض نماذج الشباب أو يعرضوها فى أفلامهم ومسلسلاتهم القادمة، منوها إلى أنه منذ عدة سنوات كان هناك مسلسل «سابع جار» يعرض مثل هذا النموذج وأصبحت صاحبته قدوة للكثير من الفتيات آنذاك. ◄ زواج بالقطعة فيما يقول محمد جاد الله المحامى، إن ما يُسمى «زواج الإنتاج» هو مجرد «زواج بالقطعة»، فإبرام عقد زواج هدفه إنجاب الأطفال فقط وبعده يتم الطلاق مخالف، وإذا ما تم التراجع عن هذا الشرط واستمرار الحياة الزوجية فإن العقد يكون صحيحًا، لأن ركن الاستمرارية فى الزواج هو حق أصيل لكلا الطرفين ولا يحق لأى منهما ربطه بمدة زمنية محددة أو بحدث، مشيرا إلى أن الزواج هدفه الإشهار وبناء أسرة مستقرة لا تخلخلها الظروف أو الأحداث. ◄ غير جائز شرعًا أما الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، فيقول: يعد حكم الزواج بهدف الإنجاب فقط غير جائز شرعا، فالزواج شرعه الله تعالى بهدف المودة والرحمة وأن يكون الزوجان سكنا لبعضهما البعض فقال تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة»، لافتًا إلى أن اقتصار الزواج بهدف إنتاج الأطفال فقط مثله مثل هدف الحيوانات التى تتزوج بهدف التكاثر فقط، وبالطبع فإن الإنسان مكرم من الله تعالى ومنزه عن تلك الصغائر، مؤكدا أنه فى حال إتمام تلك الزيجة فإنها باطلة فى الإسلام.