فى حياة كل منا حكاية؛ فى هذه الحكاية هناك جزء ناقص، وفى الروايات كما فى الحياة؛ جزء ناقص من الحكاية، هذا الجزء هو أساس الحكاية. منذ أيام قليلة أصدرت الروائية والباحثة فى تاريخ الفن، رشا عدلى، أحدث رواياتها؛ «جزء ناقص من الحكاية»، الصادرة عن الدار العربية للعلوم وطبعتها المصرية عن دار الشروق التى تدور أحداثها فى الستينيات، عند زيارة المصورة الأمريكية «فيفيان ماير»؛ -وهى واحدة من أشهر مصورى القرن العشرين-، إلى مصر، ولقائها البطل «سيف القرنفلي»؛ قبل أن يفقد ساقه فى النكسة. رشا عدلي؛ لها تسعة اعمال روائية، وعدة كتب عن الفن التشكيلى وفن الاستشراق، وقد كان جاء حوارنا معها حول روايتها الأحدث . فى البداية؛ تقول «رشا» عن فكرة الرواية: منذ عدة سنوات حضرت معرض للطلبة فى اكاديمية المعمار سنان للفنون الجميلة بأسطنبول؛ مستوحى من أعمال «فيفيان ماير» فى التصوير، كانت هذه المرة الأولى التى أشاهد أعمالها أوأسمع عنها، بعدها حاولت التعرف عليها بشكل أوسع، وعرفت قصة حياتها الغريبة؛ كيف أخفيت فنها والمصادفة الغريبة التى عثروا بها على صورها، قرأت وشاهدت جميع ما كتب عنها وفكرت تناول ذلك فى رواية، ولكنى كنت مشغولة برواية «قطار الليل إلى تل ابيب»، وبعدها كتبت «أنت تشرق أنت تضىء»، ولكن فكرة الكتابة عن «فيفيان ماير» لم تغادرني؛ وظلت تلح على، حتى قمت بكتابتها. وعن الحقيقة والخيال فى حياة «فيفيان ماير»؛ تؤكد الروائية أن: حياة «فيفيان ماير» كانت غريبة؛ وهى نفسها بشهادة جميع من عرفها امرأة غامضة، رحلت دون أن تترك مذكرات ورائها أو أى شىء يمكننا الاستدلال به على ماهية حياتها الحقيقية، عملت على مدى سنوات طويلة مربية أطفال وكانت تهوى التصوير «الفوتوغرافي» ولم يعلم أحد بذلك، بالنسبة لهم كانت تقتنى كاميرا ولكنهم لم يعرفوا أنها إلتقطت كل هذا الكم من الصور، وأنها كانت تحتفظ بأفلام لم تحاول أن تقوم بتحميضها، لذلك لا داع للبحث عن الخيال من الحقيقة فى هذا العمل؛ لأن حياة «فيفيان ماير» الحقيقية هى خيال فى حد ذاتها. وحول طرحها لقضية المرأة، ودور الفن والإرادة فى تخطى الإعاقة، من خلال أحداث «جزء ناقص من الحكاية»؛ تؤكد «رشا» أن: «ناني» و»كوليت»، وغيرهن الكثير من النساء تعشن تحت رحمة مجموعة من الموروثات والمعتقدات البالية؛ والتى تنتقل عبر الأجيال والنساء هن اللواتى تحرصن على استمرار هذه العادات والأفكار، سواء بالعمل بها أو ترديدها أو تلقينها للفتيات والشابات الصغيرات، هن لسن مظلومات أو مقهورات بقدر ما هن حبيسات. وتضيف: أما «سيف» فهو بطل فى الجيش المصرى؛ فقد ساقه فى حرب 67، يرفض الاستسلام لإعاقته كما رفض مسبقاً الاستسلام للهزيمة، فيحاول بشتى الطرق نفض اليأس عنه، وساعده فى ذلك الفن وخاصة فن «البوهاوس» الذى كان موضة سائدة إنذاك، وهو يطفح بالألوان والأشكال ويدفع «للديناميكية». الحب والنصر أيضاً كان لهما دور كبير فى إحالته من إنسان بائس رافض الحياة إلى شخص ناجح ومتحقق. وعن مدى تأثير العقد والأزمات النفسية التى تصيبنا فى الطفولة وتستمر فى بقية مراحل العمر؛ أوضحت «رشا»: كل مدراس علم النفس اجمعت أن الطفولة لها دور كبير فى تكوين شخصية الفرد. وأن المشاكل والأحداث التى نمر بها فى هذه الفترة لا يمكن تجاوزها أبداً، لأنها تشكل جانب من شخصيتنا، «روان» تعرضت فى طفولتها لعنف أسرى من خلال طريقة معاملة أمها لها، هذه الأم التى تبتغى الكمال وكانت تعاقب «روان» على أقل الأفعال وأبسطها؛ فصاحبتها دائماً عقدة الذنب والخوف من أن ما تفعله لن يرضى أمها، وللأسف هذا كثيراً ما يحدث ويتسبب فى عُقد نفسية للأطفال؛ ففى الوقت الذى تعتقد فيها الأمهات أن الحرص المبالغ فيه شىء إيجابى هو على العكس، يمكن أن ينتج عنه الكثير من المشاكل، ولكن أريد أن ألفت النظر إلى أن «ناني» الأم أيضا تعرضت فى حياتها لتجربة جعلتها كذلك، من خلال والدها «سيف القرنفلي» الذى كان يريد أن يجعلها ناجحة ومتفوقة؛ ولا يرضى بأقل من ذلك فى محاولة لتعويض نقصه من خلال ابنته. وختاماً؛ وعن اختلاف أسلوبها فى كتابة هذه الرواية عن أعمالها السابقة؛ أجابت: نعم هذا حقيقى. لطالما أعجبت كثيراً بالموجة الجديدة التى انبثقت فى فرنسا فى الخمسينيات من القرن الماضي؛ وهى حركة سينمائية وأدبية تميزت بالتحرير السريع؛ واللقطات المقربة للوجوه، مشاهد مقطوعة، والتصوير فى الشارع، جمل شذرية، حوار من منطلق المشهد ذاته. وجدت أن استخدام هذا الأسلوب فى كتابة هذا العمل يتناسب مع القصة والأحداث المستوحاة من حياة أشهر مصورة شارع؛ والتى كان أسلوب عملها هو اللقطة الخاطفة، ليس هناك فصول فى هذه الرواية بل لقطات خاطفة فى عمر وحياة أبطالها. تماماً كما فى حياة كل منا.