فى اليوم الثانى عشر من عملية «ردع العدوان»، تشهد المواجهات بين قوات الجيش السورى والجماعات المسلحة تطورات ميدانية شهدتها مناطق شمال مدينة حمص ثالث كبرى مدن سوريا، يبدو أن أفراد تلك الجماعات الذين تقدموا فى هذه المناطق هم من أبناء المنطقة الذين هجروا سابقًا بموجب اتفاقيات روسية-تركية عام 2018، مما ساهم فى تعزيز تقدمهم بفضل معرفتهم الجغرافية الدقيقة للمنطقة، ما يعكس تعقيد المشهد الميدانى والسياسى. معركة حمص ليست مجرد معركة محلية، بل قد تكون فاصلة لتحديد مستقبل سوريا بأكمله، فالمدينة تعد نقطة اتصال استراتيجية بين دمشق والساحل السورى، بالإضافة إلى قربها من الحدود السورية اللبنانية والعراقية. ويأتى التصعيد فى وقت تشهد فيه المنطقة تعزيزات عسكرية كبيرة من قبل الأطراف كافة، مما يشير إلى احتمال اندلاع معارك واسعة فى الأيام المقبلة. حيث تحمل معركة حمص رمزية كبيرة، وتعد اختبارًا للقوى المختلفة التى تراهن عليها لتحقيق نفوذها الإقليمى. فقد يفتح الصراع فى حمص الباب أمام توسع المعارك باتجاه الساحل أو العاصمة دمشق. هناك سيناريوهات مختلفة لمستقبل سوريا، إذ من الممكن أن تذهب نحو الحرب الأهلية، أو التقسيم، أو نحو السيطرة الكاملة للجماعات المسلحة. كل هذه السيناريوهات خطيرة لمستقبل المنطقة وللدول المجاورة لسوريا. وفى ظل هذه السيناريوات، لا يمكن التنبؤ. وكان من الملاحظ أن روسيا شنت غارات جوية على معقل الجماعات المسلحة السورية فى إدلب، ومدينة حلب، فبمجرد سقوطها فى يد المعارضة مع مدينة حلب، أظهرت روسيا حتى الآن دعما للرئيس السورى وهى خطوة يبدو فيها الدعم الإقليمى واضحا، فهيئة تحرير الشام تعتمد بشكل كبير على الدعم التركى، الذى أتاح لها الحصول على أسلحة وتدريب عسكرى متقدم. يعزز هذا السيناريو الحديث عن طائرات مسيرة تركية، مثل طائرات كتيبة شهين الانتحارية. كما يعكس هذا التحرك تنسيقًا دوليًا معقدًا، فهناك إشارات واضحة إلى أن الولاياتالمتحدة وتركيا تعملان على إعادة ترتيب الأوضاع فى سوريا بما يخدم مصالحهما، ما يُظهر أن الهيئة ليست فاعلًا مستقلًا، بل جزء من لعبة إقليمية ودولية. وفى محاولة لتهدئة المخاوف، أصدرت الهيئة بيانًا طمأنت فيه الأقليات فى المناطق التى تسيطر عليها، بما فى ذلك حلب. ومع ذلك، فتعد هذه التصريحات تتناقض مع تاريخ الهيئة، الذى يتسم بانتهاكات واسعة النطاق، لا يمكن محوها بسهولة، عندما كانت جبهة النصرة. لكن يبقى نجاح هذا المشروع رهنًا بالتغيرات على الساحة الدولية والإقليمية، فالهيئة تحاول استغلال الفجوات السياسية، لكنها تواجه صعوبة فى كسب تأييد شعبى واسع بسبب سجلها السابق. الوضع فى حلب يمثل نموذجًا للصراع فى سوريا. والذى يعكس تقاطعات معقدة بين اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين. بهدف العمل على تسوية سياسية شاملة تمنع تنظيمات مثل هيئة تحرير الشام من الاستفادة من الفوضى لفرض أجنداتها، وتجنب الوقوع فى سيناريوهات التقسيم التى قد تضعف المنطقة بأكملها. ويأتى اجتماع وزراء خارجية إيران وتركيا وروسيا فى إطار عملية أستانا لمناقشة الملف السورى على هامش منتدى الدوحة. وقد أعرب وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف عن أمله فى أن يسهم الاجتماع فى الدوحة مع نظيريه التركى هاكان فيدان، والإيرانى عباس عراقجى فى استقرار الوضع بسوريا. وعملية أستانا هى سلسلة من المحادثات بين وفدى الحكومة السورية والمعارضة، انطلقت فى يناير من عام 2017، برعاية روسيا وتركيا وإيران. وركزت العملية منذ البداية على جمع الأطراف الفاعلة ميدانيًا، بما فى ذلك المعارضة المسلحة والجيش السوري، حول طاولة واحدة، والعمل على إيجاد حل سياسى للصراع فى سوريا، مع التركيز على التهدئة الميدانية، وتحسين الوضع الإنساني، ودفع الأطراف السورية نحو تسوية شاملة. ويشارك فى هذه الجولات إلى جانب وفدى الحكومة والمعارضة السورية ووفود الدول الراعية الثلاث روسيا وتركيا وإيران، كل من المبعوث الدولى إلى سوريا، وكذلك الصليب الأحمر الدولى ووفود البلدان التى تشارك بصفة مراقب، وعلى رأسها لبنان والأردن والعراق. وفى الواقع أن عملية أستانا كانت قد نجحت سابقا فى إنشاء مناطق آمنة تخفف من حدة القتال وتحمى المدنيين، وتعزيز الحوار المباشر بين المعارضة المسلحة والحكومة السورية بعيدًا عن التعقيدات السياسية التقليدية، وتهيئة الأرضية لعملية سياسية أوسع من خلال خلق واقع أمنى أكثر استقرارًا. ومنذ 27 نوفمبر الماضي، تخوض فصائل الجماعات المسلحة اشتباكات مع قوات الجيش السورى بعدة مناطق فى البلاد، وفى 29 نوفمبر دخلت مدينة حلب، وفى اليوم التالى بسطت سيطرتها على محافظة إدلب. وعقب إتمام السيطرة على حلب وإدلب، سيطرت على مدينة حماة عقب اشتباكات عنيفة مع الجيش السورى.