هكذا ظفر نتانياهو بمن كان يراهن عليه فى البيت الأبيض لم يتجاهل ترامب فقط وعوده الانتخابية للأمريكان العرب بإنهاء الحرب الوحشية فى قطاع غزة التى امتدت إلى لبنان، وإنما هدد منطقتنا بالجحيم إذا لم يتم الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع منذ السابع من أكتوبر العام الماضى قبل أن يتم تنصيبه رسميًا فى الشهر القادم وتولى مسئوليات رئيس الولايات المتحدة!. لم يهدد ترامب نتانياهو بعقاب أمريكى إذا لم يوقف الحرب فى غزة، أقله وقف مد إسرائيل بالسلاح الذى تقتل به أهل غزة، ووقف تقديم المساعدات المالية والاقتصادية لها إذا استمرت فى حرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين التى تشنها منذ ثلاثة عشر شهرًا، وإنما هدد منطقتنا بجحيم أمريكى لم تشهده من قبل.. ولعل هذا يشى بما يضمره ترامب لمنطقتنا ولنا فى ولايته الرئاسية الثانية!. لقد أبدى عدد من المحللين بعض التفاؤل بأن ترامب اليوم سيختلف عن ترامب أمس، بما يعنى أنه سيكون أكثر تفهمًا لقضايانا ومطالبنا من أمريكا. بأن تساند تحرر الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلى العنصرى البشع، واستندوا فى ذلك إلى ما قاله ووعد به خلال حملته الانتخابية التى سعى فيها إلى استمالة الناخبين الأمريكيين من كل صوب، الذين عاقبوا هاريس مرشحة الديمقراطيين على دعم بايدن إسرائيل فى حربها ضد أهالى غزة.. لكن تهديد ترامب بالجحيم لمنطقتنا الآن يُبين أنه صار أكثر عدائية تجاهنا وأكثر انحيازًا لإسرائيل ودعمًا لها مما كان عليه فى ولايته الأولى.. أى أن التغير الذى قد يصيبه هو تغير سلبى بالنسبة لنا ولمصالحنا وقضايانا وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وبالتالى لا مجال هنا لأى تفاؤل ولو محدود!. ولا يجب التهوين من ذلك أو التقليل من شأنه بتخيل أن ترامب يضغط بذلك على إسرائيل لكى توافق على اتفاق هدنة خلال الأسابيع القليلة المتبقية على تنصيبه وتوليه مسئوليات منصبه، كما ذهب بعض محللينا المسرفين فى تفاؤلهم من ترامب فى ولايته الثانية.. فهذا تخيل ليس فى موضعه الصحيح، ويؤكد ذلك ترحيب نتانياهو بتهديد ترامب لمنطقتنا، لأنه فهمه على نحو صحيح وأدرك كما قال فى تصريحاته إن ترامب أضاء له الإشارة الخضراء ليمضى قدمًا فى تنفيذ مخططاته ليس فى قطاع غزة وحدها وإنما فى كل الأراضى الفلسطينية والتى استهدف الاستيلاء عليها، وإجهاض حل الدولتين الذى على كثرة ما قال ترامب خلال الحملة الانتخابية لم يشر إليه ولو بشكل ضمنى أو مستتر وغير مباشر أو عرضًا.. وهكذا ظفر نتانياهو بمن كان يراهن عليه فى البيت الأبيض، وكان ينتظر انتخابه لكى ينفذ بخطى أوسع تنفيذ مخططه لتصفية القضية الفلسطينية.. أليس هو الذى قال إن مساحة إسرائيل صغيرة وسيعمل على توسيعها؟!. والمثير أن ترامب لم ير أن ما لحق بقطاع غزة وأهله خلال الثلاثة عشر شهرًا الماضية لم يكن هو الجحيم ذاته.. لقد فقد منهم عشرات الآلاف منهم حياتهم وأصيب مئات الآلاف بجراح ودمرت مبانيهم التى تؤويهم ومنشآتهم التى تقدم الخدمات الضرورية لهم وعلى رأسها المنشآت الصحية، وتحولوا كلهم إلى نازحين ولاجئين فى أرضهم يعيشون حياة غير آدمية ويتم تجويعهم بشكل ممنهج ومنع المساعدات الإغاثية من غذاء ووقود ومستلزمات طبية عنهم.. ومع ذلك يهددهم ترامب بجحيم أكبر لم يشهدوه من قبل.. وكان ترامب لا يكفيه الجحيم الذى يعيش فيه أهل غزة الآن، بعد أن فقدوا أبسط وأقل مقومات الحياة الأساسية فى أرضهم، فتوعدهم بجحيم أكبر لم يشهدوه من قبل!. والأكثر إثارة أن تهديد ترامب يأتى بعد الرسائل التى بعثت بها أكثر من خمسين دولة الشهر الماضى له فى القمة العربية الإسلامية التى تؤكد على وقف الحرب وتنفيذ حل الدولتين، وهو ما يعنى أن ترامب لا يكترث بهذه الرسائل العربية والإسلامية حتى الآن وأنه يدعم بالكامل نتانياهو فى تنفيذ خططه ضد الفلسطينيين التى تستهدف حرمانهم من التحرر وإقامة دولتهم المستقلة. لذلك بات العرب يحتاجون الآن لوقفة مع أمريكا.. وقفة جادة حازمة وفاعلة ومؤثرة تجعل الرئيس الأمريكى المنتخب ترامب لا يتمادى فى دعمه لإسرائيل على هذا النحو الصارخ والمعادى للفلسطينيين.. وهذه وقفة ليست فقط مجرد مساندة لشعب شقيق مازال هو الشعب الوحيد فى العالم كله الذى يرزح تحت نير احتلال بغيض عنصرى بشع، وإنما هى دفاع عن مصالحنا جميعًا نحن العرب وأمننا القومى.. لأن جحيم هذا الاحتلال يؤذينا جميعًا ويلحق الضرر الفادح بِنَا ويعطل نمو اقتصاداتنا واستقرار دولنا سياسيًا.