إن ما سيقبله العرب لن يقل عن إنهاء الحرب بدون انتقاص للحقوق المشروعة للفلسطينيين وسيادة لبنان الرئيس المنتخب ترامب وعد كتابيًا أثناء الحملة الانتخابية الناخبين العرب فى ولاية ميتشجان بوقف الحرب على أهل غزة وأهل لبنان، ولكنه لم يقل إنه سيفعل ذلك مجانًا، أى بدون ثمن يدفعه بالطبع الفلسطينيون واللبنانيون لإسرائيل، ويدفعه العرب لأمريكا!.. والإسرائيليون يريدون أن يكون هذا الثمن فرض سيادتهم على الضفة الغربية أو على الأقل ضم مناطق منها مقام عليها المستوطنات الكبيرة، واستباحة أراضى وأجواء لبنان، يدخلونها بقواتهم وطائراتهم متى شاءوا وأرادوا!. فإن ترامب هو فى الأصل رجل أعمال قبل أن يكون سياسيًا ورئيسًا لأمريكا، ورجل الأعمال والتاجر يعتقد أن كل شىء له ثمن يجب دفعه لكى يظفر المرء به، ويجب الحصول على هذا الثمن لتقديم هذا الشىء لأحد، ويجب أن يكون هذا الثمن مناسبًا فى تقديره بالطبع!.. وبالتالى فإذا كان العرب والفلسطينيون يريدون وقف الحرب فعليهم أن يدفعوا الثمن لإسرائيل لكى يظفروا بما يريدون، أى لكى توقف الحرب ضد غزةولبنان!.. فإن ترامب إذن سيتدخل لوقف الحرب ليس لأنها بشعة ومخالفة للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى أو لإنقاذ أهل غزة من الإبادة الجماعية ولبنان من التدمير،، وإنما سيتدخل لعقد صفقة يحصل فيها العرب والفلسطينيون واللبنانيون على وقف إطلاق النار، ويحصل فيها الإسرائيليون على الثمن وهو فى الغالب أرض الفلسطينيين وسيادة اللبنانيين على أرضهم، بينما يضمن هو فرض الهيمنة الأمريكية على كل العرب!. وقد بدا تفكير الصفقة واضحًا بجلاء فيما يفكر فيه الرئيس المنتخب لوقف حرب أوكرانيا.. فهو يفكر فى صفقة أيضًا تحصل فيها روسيا على الأراضى الأوكرانية التى سيطرت عليها قواتها، وتلتزم أوكرانيا بعدم الانضمام لحلف الناتو، وفى المقابل تحصل على وقف الحرب. أما بالنسبة لحرب غزةولبنان فهو تحدث خلال الحملة الانتخابية بشكل مباشر عن الثمن الذى يجب أن يدفعه الفلسطينيون واللبنانيون والعرب حينما قال إن مساحة إسرائيل صغيرة وأنه سوف يساعدها على توسيع هذه المساحة، وهذا سيتم بالطبع على حساب الفلسطينيين.. ومن هنا يمكننا أن نفهم تصريحات نتانياهو التى اعتبر فيها العام المقبل هو عام فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية!.. غير أن ما يراه نتانياهو ليس بالضرورة أن يكون ما يراه ترامب فى صفقة إنهاء الحرب.. فهو قد يرى ثمن إنهائها بعضًا وليس كل مساحة الضفة الغربية، أو المساحة التى استولت عليها إسرائيل فعلًا وأقامت عليها مستوطنات كبيرة.. فإن ترامب كما وعد بإنهاء الحرب وعد أيضًا بتعديل فى صفقة القرن التى سبق أن عرضها فى ولايته الأولى للنظر فى حل الدولتين الذى لم يكن متحمسًا له من قبل!. وإذا كان هناك من يرى أن ترامب 2017 يختلف عن ترامب 2025، فهذا حتى لو قبلنا رأيهم فإنه لا يلغى أن الرئيس المنتخب رجل صفقات، بل إنه ممن يجيدون عقد الصفقات، ولعله فاز فى الانتخابات الأمريكية لأنه عرض صفقات على طوائف الناخبين الأمريكيين خاصة فى الولايات المتأرجحة ولذلك فاز فيها جميعًا. وسواء تغير ترامب أو تغيرت الصفقات التى يريدها لمنطقتنا، فإن ما سيقبله العرب لن يقل عن إنهاء الحرب بدون انتقاص للحقوق المشروعة للفلسطينيين وسيادة لبنان على أرضه، وأن يفضى ذلك مستقبلًا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لأنه بدون ذلك لا سلام فى المنطقة وسوف تستمر الحروب وإن هدأت أو توقفت بعض الوقت.. وهذا ما اتفق عليه قادة الدول العربية والإسلامية فى قمة الرياض مؤخرًا.. وبمنطق ترامب فإن العرب يعرضون صفقة جوهرها الحقوق المشروعة للفلسطينيين مقابل السلام للإسرائيليين، وهم يعرضون هذه الصفقة منذ سنوات عديدة من خلال المبادرة العربية.. وهم قالوا لترامب مع الدول الإسلامية فى الرياض إن هذه هى الصفقة الوحيدة التى يقبلونها وغير ذلك من صفقات تهدر الحقوق المشروعة للفلسطينيين مرفوضة منهم. ولعل ترامب يدرك جيدًا أنه فى عالم المال والإعلام لا تفرض الصفقات وإنما يتم التفاهم حول عقدها، وذات الشىء يحدث فى عالم السياسة.. فلا صفقات سياسية إلا بالرضا والتوافق.. أما فرض شىء على شعب مثل الشعب الفلسطينى وهو الوحيد فى العالم الذى لم يحصل على استقلاله وغير مقبول منه فإن مصيره إلى زوال.. وهذا ما قاله الأمين العام أحمد أبو الغيط فى المؤتمر الصحفى بعد انتهاء قمة الرياض.