كان لقاؤهما عابرا داخل محكمة الاسرة بالتجمع الخامس، تبادلا نظرات الدهشة والاستغراب لثوان، استولت الاسئلة على تفكيرهما، أخذا يتساءلان بين بعضهما البعض، من اتى بنا إلى هذه المحكمة، لماذا حضرنا معا وما قصة كل واحد فينا؟ّ!.. بعدها اختفيا بين اجساد المتقاضين المتزاحمين أمام القاعة دون ان يجيب احد عن تساؤلات الآخر. اقرأ أيضًا| هارب من.. جحيم امرأة «1» لم يكن هذا اللقاء سوى البداية، ذلك المشهد الذى اخرج صدفة ظل محفورا فى ذاكرة الزوجة رغم مرور الأشهر عليه، كانت تتمنى ان يكون فى مكان افضل وأجوا ء احسن، لكن شاء القدر ذلك.. تذكرت وهى تنظر إلى هذا الشاب الذى عرفته منذ سنوات، كيف اصبح اليوم عجوزا، احتل البياض شعره وانتشرت التجاعيد على وجهه، ورغم ذلك مازال كما هو ابتسامته لا تفارقه، البساطة والطيبة ترتسمان على وجهه، وفى نفس الوقت هناك حزن يعتريه، هم ثقيل يحمله. هى تعرفه جيدا، فقد كان زوجها ل13عاما كاملة وأبا لابنيها الاثنين. مازالت تعترف بأنها أخطات فى حقه كثيرا، آذته فى عمله وحياته، دفعته إلى الهروب من بلده لعامين، وحرمته من رؤية اولاده، لكن رغم ذلك كانت تريده ان يعود اليها، حاولت كثيرا لكنها لم تصل اليه، أرادت ان تعترف له بخطئها وتطلب ان يسامحها، لكن بلا مجيب. هى فى حقيقتها زوجة عنيدة، تسبقها كلمة لا قبل ان يتحدث زوجها، تناطحه الكلمة بالكلمة، وتدخل اهلها فى مشاكلهما، حذرها كثيرا من ذلك، طلب منها ان تعطيه مساحة من الاحترام المتبادل بينهما، خاطبها كثيرا لتخفض صوتها وتطيعه دون جدال او رفض، لم تستجب له، لذلك قرر الانفصال، ومنحها كل حقوقها. لم تغفر له ذلك، وضعته فى مصيدة العدو لها، ألقت بكل ما تملك لتقوده إلى المحكمة، 20 قضية اسرة رفعتها ضده، واتهمته فى دعاوى اخرى بسبها وضربها واحضرت من يشهد لها زورا بذلك، وكان العداء الاكبر له بعد حرمانه من رؤية أولاده. كل ذلك دفعه إلى الهروب للخارج، ترك كل ما يملك وسافر إلى دولة خليجية، اغلق اذنيه وألقى بمصيره هناك، كان لا يحب ان يسمع شيئا عنها، حتى ابنتاه توقف عن مراقبتهما عبر السوشيال ميديا، فقد استعوض الله فيهما. بعد عامين من الانفصال تزوجت الزوجة من شخص آخر، وتركت اولادها مع امها، فى حين ظل الزوج فى غربته يغمض عينيه وأذنيه عن كل الاخبار التى تأتيه من بلده، لم تهنأ الزوجة مع زوجها الجديد، اهانها وتعدى عليها بل وأجبرها على التوقيع بالتنازل عن حقوقها مقابل الطلاق. عادت إلى والدتها والحزن والألم يعتريها، شهور وهى تعالج نفسها من الايام التى عاشتها مع ذلك الزوج، ادركت انها فقدت زوجا مثاليا، شخصا طيبا، لم يطلب منها اكثر من الاحترام، منحها كل شىء، لكنها لم تصن النعمة. قررت فجأة ان تعدل من حياتها، قالت «كفى ظلما لذلك الزوج الطيب»، توجهت إلى محكمة الاسرة، تنازلت عن كل القضايا التى اقامتها ضد طليقها، اعترفت للجميع بأنها كانت مخطئة، وان هذا الشخص لم يظلمها وراعى الله فيها، ندمت وبكت وقررت البحث عنه لتمنحه حقوقه كاملة فى رؤية اولاده بل واستضافتهم لأيام فى منزله، ويشاء القدر ان تقابل زوجها فى اليوم الذى حضرت فيه إلى المحكمة للتنازل عن قضاياها، رأته من بعيد لكنها لم تنس ملامحه، تابعته حتى اختفى، بين اجساد المتقاضين، وهو كذلك رآها، فقد حضر لمتابعة القضايا التى اقامتها ضده بعد ان قرر العودة إلى بلده. فوجئ الزوج بتنازل زوجته عن كل القضايا، استغرب وأخذ يتساءل ماذا حدث؟ ليست عاداتها، اين الانتقام الذى كانت تبحث عنه؟! ترك المحكمة والتساؤلات تصاحبه طوال خطوات عودته إلى المنزل، وبعد مرور يومين فوجئ بطرق الباب بشدة، وبمجرد ان فتحه وجد ابنتيه امامه بصحبة شقيق زوجته، احتضنهما وظل يبكى لدقائق. لم ينتبه الزوج لحديث شقيق طليقته، كل ما كان يهمه ابنتاه اللتان لم يرهما منذ عامين، كان يشعر وهو يحتضنهما بأن روحه عادت اليه مرة اخرى، أراد ان يغتنم كل ثانية وهو معهما، لكن شقيق طليقته طمأنه وأخبره بأن ابنتيه ستظلان معه ليومين وهذا كان قرار والدتهما، هنا انتبه الزوج لحديثه، بدأ الاستغراب يرتسم على ملامح وجه، لكن قاطعه الضيف، طلب منه ان يفتح صفحة جديدة مع شقيقته، اخبره بأنها تنازلت بنفسها عن كل القضايا، ندمت وبكت وعلمت انك تستحق المزيد من الاحترام والتقدير.. هى مستعدة للعودة وبدء صفحة جديدة. عرض عليه ان يلتقيا ويسمعها للمرة الاخيرة قبل ان يتخذ قراره النهائى بالعفو عنها او استمرار الانفصال، لكن الزوج قاطعه للمرة الاخيرة، اخبره انه لم يتزوج من اجلها وأنه كان يحبها ويعلم ان ما كانت تفعله معه جزء من المكابرة والدلع، وهو من اراد ان يبتعد عنها حتى لا يكرهها اكثر، لكنه فوجئ مؤخرا بأنها تزوجت رجلا آخر وانفصلت عنه، وهذا الامر لن استطيع ان اتقبله فى حياتى، دعنا هكذا لى حياتى ولها حياتها.. وبيننا الاولاد.