اتفاق إطلاق النار فى لبنان يمكن أن يستمر للحاجة إليه محلياً وإقليمياً ودولياً من الصعب التخلص من كل الشكوك فى إمكانية استمرار وقف إطلاق النار الذى تم أمس فى لبنان برعاية أمريكية بسبب عدم الإطمئنان لنوايا نتانياهو وحكومته التى رغبت فى استمرار الحرب طويلاً وعرقلت عدة محاولات سابقة لإنهائها فى لبنان وأيضاً قطاع غزة.. ومع ذلك فإن هناك ما يرجح إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان الذى تم الشروع فى تنفيذه. فإن الحكومة الإسرائيلية المصغرة (السياسية والعسكرية) وافقت بكامل أعضائها باستثناء عضو واحد على هذا الاتفاق الذى يقضى بوقف العدوان الإسرائيلى براً وبحراً وجواً ضد لبنان ووقف قوات حزب الله عن إطلاق النار تجاه الأراضى الإسرائيلية، كما يقضى بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى اللبنانية على ثلاث مراحل فى غضون ستين يوماً، يتزامن معه إخلاء قوات حزب الله الجنوباللبنانى حتى جنوب نهر الليطانى، وإحلال قوات للجيش اللبنانى مكانها مع قوات اليونيفيل.. أما العضو الوحيد فى الكابينت الإسرائيلى الذى اعترض على اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان وهو وزير الأمن بن غفير فإنه لم يهدد بانسحاب حزبه من الحكومة الإسرائيلية رغم أنه اعتبر اتفاق وقف إطلاق النار خطاً تاريخياً لن يحقق الأمن لإسرائيل!.. وبذلك ضمن نتانياهو استمرار حكومته وعدم تهديدها بالسقوط بتنفيذ هذا الاتفاق. كما إيران رحبت بلسان المتحدث باسم خارجيتها باتفاق وقف إطلاق النار، وهذا معناه المباشر أنها ستحث حزب الله على الالتزام به.. وهذا الموقف الإيرانى يتماهى مع إعلان إيران استعدادها للتفاوض حول ملفها النووى. مع أمريكا وتصريحات الرئيس الإيرانى غير العدائية تجاه الأمريكان مؤخرًا وذلك لسحب الذرائع مبكراً من ترامب للتصعيد ضد إيران كما هددها خلال الحملة الانتخابية.. وبهذا المعنى يمكن استنتاج التزام حزب الله بما عليه فعله فى اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان، خاصة ما يتعلق بإخلاء الجنوباللبنانى من قواته، ناهيك بالطبع عن وقف إطلاق صواريخه البعيدة المدى فى اتجاه المستوطنات والمدن الإسرائيلية. والتى وصلت إلى قلب تل أبيب. كذلك فإن اتفاق وقف إطلاق النار يحظى كما رددت أنباء أمريكية بموافقة الرئيس الأمريكى المنتخب ترامب، وبالتالى يفترض أنه سيعمل بعد تنصيبه رسمياً شهر يناير المقبل على تثبيته ونجاحه، ولن يجهضه أو يفشله، خاصة وأنه وعد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب فى لبنان وسيعمل على إنهاء الحرب فى غزة كما وعد أيضاً، وإن كان اتفاق لبنان قد فتح شهية بايدن للتوصل كما قال لاتفاق مماثل فى غزة وقال إنه أضاف العمل مع دول أخرى فى المنطقة مثل تركيا والسعودية لإنهاء الحرب فى غزة وذلك بجانب مصر وقطر!. لكن لعل أهم ما يدعو لترجيح تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان أنه جاء يلبى حاجة إسرائيلية وأيضاً حاجة لبنانية فى ذلك الوقت.. وبتخصيص أكثر حاجة لنتانياهو وحكومته وحاجة لحزب الله أيضاً.. وبالنسبة لنتانياهو فإن وقف إطلاق النار فى لبنان أتاح له أن يقول للإسرائيليين إنه أوقف حرب الإسناد التى بدأها حزب الله لغزة، رغم أنها لم تحل دون تدمير القطاع وتشريد أهله وقتل عشرات الآلاف منهم وإصابة مئات الآلاف.. وهذا ما قاله نتانياهو وهو يعلن عن موافقة حكومته على إنهاء الحرب فى لبنان، مؤكداً أن قوات الاحتلال الإسرائيلية ستعود لاستهداف لبنان إذا لم يلتزم حزب الله بالاتفاق استناداً لحق الدفاع عن النفس.. غير أن الأهم من ذلك الذى روج له نتانياهو لإقناع الإسرائيليين بالاتفاق هو أنه أوقف ضرب المدن الإسرائيلية وفى مقدمتها تل أبيب بصواريخ حزب الله وأتاح لإسرائيل مستقبلاً إعادة سكان مستوطنات الشمال إليها، الذين هجروها حفاظاً على حياتهم. وأوقف أيضاً حالة الإنهاك الكبيرة لقوات الاحتلال الإسرائيلية التى انخرطت فى حرب طويلة لأول مرة ألحقت بها خسائر فادحة فى لبنانوغزة وباتت تحتاج للخروج من هذه الحرب رغم تصريحات قادتها بأنه مستعدة للاستمرار فيها حتى تحقق كل أهدافها، كما أوقف أيضاً حالة الفزع الواسع لدى الإسرائيليين بعد وصول صواريخ حزب الله لهم فى مدنهم الكبيرة وليس مستوطنات الشمال فقط، ولعل ذلك ما اعتمد عليه المبعوث الأمريكى فى إقناع نتانياهو بالاتفاق!. أما على الجانب الآخر.. وتحديداً جانب حزب الله فإنه بعد اغتيال عدد من قادته وكوادره وما لحق ببنيته التحتية العسكرية والاقتصادية، مع ضغوط النازحين فى لبنان وأهله الذين استهدفتهم الغارات الإسرائيلية، فإنه صار فى حاجة التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب صفوفه وتضميد جراحه والحفاظ على دوره فى داخل لبنان.. وقد بدا هذا واضحاً بجلاء فى آخر كلمة لأمينه العام الجديد نعيم قاسم التى فتح فيها الباب للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وقبلها إعلان الحزب تفويض برى بالتفاوض مع المبعوث الأمريكى حول هذا الاتفاق. وهكذا ففى المدى المنظور لنا حتى الآن فإن اتفاق إطلاق النار فى لبنان يمكن أن يستمر للحاجة إليه محلياً وإقليمياً ودولياً.