كيفية تحقيق العدالة والتوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين للعقارات القديمة بحيث لا يخرج أحد فائزا أو منتصرا دقت المحكمة الدستورية العليا آخر مسمار فى نعش قانون الإيجارات القديمة الذى ظل لأكثر من 40 عاما يسمم العلاقة بين الملاك والمستأجرين ويؤدى إلى تدهور حالة العقارات القديمة نتيجة غياب الصيانة الضرورية بسبب امتناع الملاك عن صيانة عقاراتهم لضعف الإيرادات المحصَّلة منها. أكثر من 40 عاما والدولة كلما تقدمت خطوة لحل المشاكل المترتبة على تطبيق هذا القانون تراجعت خطوتين لأن تحقيق التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين وضمان العدالة صعب جدا.. إذا تحدث الملاك عن مشاكلهم والظلم الذى تعرضوا له لسنوات طويلة بسبب ضعف إيرادات أملاكهم حتى إنهم لا يستطيعون صيانتها وحرمانهم من شقق أغلقها مستأجروها الذين يملكون شققا وفيلات فاخرة فى مناطق أخرى.. إذا استمعت لشكاوى وآهات هؤلاء الملاك ستتعاطف معهم فورا وستؤيد حقهم فى زيادة الإيجار.. وإذا استمعت إلى المستأجرين أصحاب الدخول المحدودة أو أصحاب المعاشات وهم يتساءلون: «من أين سنأتى بالزيادات فى القيمة الإيجارية التى يتطلع لها الملاك؟» هؤلاء أيضا سيرق قلبك لهم وتتعاطف معهم.. لهذا تبقى المشكلة الأصعب -ومجلس النواب يتصدى لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الذى نتحدث عنه- هى كيفية تحقيق العدالة والتوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين للعقارات القديمة بحيث لا يخرج أحد فائزا أو منتصرا على طول الخط أو خاسرا ومهزوما على طول الخط. وإذا كانت مشكلة الإيجارات القديمة وما يترتب عليها قد ظلت معلقة لأكثر من 40 سنة وفشلت كل المحاولات لحلها لأنها لم تمس صلب المشكلة وهو ثبات عقود الإيجار.. لهذا ليس غريبا القول اليوم إن حكم المحكمة الدستورية الذى نحن بصدده قد دق فعلا المسمار الأخير فى نعش هذا القانون رقم 136 لسنة 1981 ولن تقوم له قائمة بعد اليوم خاصة أن المحكمة أوصت بوجوب تدخل المشرع «مجلس النواب» لإحداث التوازن فى العلاقة الإيجارية.. وهذا من منطلق أن آلاف الملاك ظلوا لسنوات طويلة عاجزين عن تعديل القيمة الإيجارية للوحدات السكنية التى يملكونها رغم ارتفاع معدلات التضخم. بهذا الحكم يمكن القول إن المحكمة الدستورية العليا ألغت بشكل ضمنى أى اتفاق إيجارى ثابت منذ تحرير العقد الخاص بالشقة أو العقار الخاضع لقانون الإيجارات القديمة حسبما أوضح خبراء ومستشارون قانونيون. وأضافوا أن مجلس النواب يحاول منذ 8 سنوات الوصول لقانون جديد يحكم العلاقة بين المالك والمستأجر لكن فشل فى الوصول لقانون، وأوضحوا أن المجلس الآن أمام خيارين: الأول هو قبل نهاية الدورة البرلمانية الحالية التى تعد الأخيرة فى الفصل التشريعى الحالى قبل اجراءات الانتخابات للفصل التشريعى القادم خلال صيف 2025 أن يصدر قانونا جديدا ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر ويحدد وضع تأجير الأماكن السكينة. أما الخيار الثانى فهو قيام المجلس بتعديل الفقرة الأولى من المادتين (1)، (2)، من هذا القانون اللتين أبطلتهما المحكمة الدستورية.. وكانت الأولى تنص على عدم جواز زيادة الأجرة السنوية للأماكن المرخص بإقامتها لأغراض السكنى عن 7٪ من قيمة الأرض والمبانى على ألا تقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض عن ثلثى مساحة العقار. أما الفقرة الأولى من المادة الثانية التى أبطلها حكم الدستورية فقد نصت على أنه تقدر قيمة الأماكن السنوية وفقا لثمن المثل عند الترخيص بالبناء وتقدر قيمة المبانى وفقا للتكلفة الفعلية وقت البناء. وهذا ليس الحكم الأول للمحكمة الدستورية بشأن الإيجار القديم؛ إذ أصدرت المحكمة حكما تاريخيا فى 2002 يقضى بامتداد عقود الإيجار لمدة واحدة لأسرة المستأجر الأصلى ولوالديه بشرط الإقامة السابقة معه.. علاوة على حكم آخر عام 2018 قضى بعدم دستورية امتداد عقود الإيجار للأشخاص الاعتبارية من جهات عامة وشركات عامة وخاصة. ولهذا تبقى إشكالية امتداد عقود الإيجار أو تحريرها أصعب المشاكل أمام مجلس النواب وهو يحاول تنفيذ حكم الدستورية بإيجاد التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين.