تواجه بريطانيا تحدياً استراتيجياً غير مسبوق في تاريخها الحديث بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ تكشف صحيفة التليجراف البريطانية أن المراجعة الدفاعية الاستراتيجية التي يجريها رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تواجه تحديات جذرية في ظل المخاوف من تغير السياسة الأمريكية تجاه حلف الناتو والتزاماتها الدفاعية في أوروبا. يجد ستارمر نفسه في موقف صعب للغاية، حيث وعد حزب العمال في برنامجه الانتخابي برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بالمستوى الحالي البالغ 2.33%. وتكشف التليجراف أن تحقيق هذا الهدف سيتطلب إنفاقاً إضافياً بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني سنوياً، وفقاً لتقديرات مكتب مسؤولية الميزانية البريطاني، إلا أنه حتى الآن، رفض الوزراء تحديد جدول زمني لتحقيق هذا الهدف، خاصة بعد ميزانية الشهر الماضي التي تضمنت بالفعل زيادات ضريبية بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني. اقرأ أيضًا: قرارات ترامب تصطدم بحلفائه| هل ينفجر الصراع داخل الحزب الجمهوري؟ الجيش البريطاني في مواجهة تحديات غير مسبوقة يكشف فرانسيس توسا، محلل الدفاع المستقل للتليجراف، أن الوضع الحالي للقوات المسلحة البريطانية يثير قلقاً متزايداً، إذ أنه حتى في حالة الوصول إلى نسبة 2.5% من الإنفاق الدفاعي سيكون كافياً فقط "لسد الثغرات الحالية في خطة المعدات الدفاعية"، دون إضافة أي قدرات جديدة. وتتزايد المخاوف بشأن تناقص أعداد الدبابات والسفن والطائرات الصالحة للخدمة المتاحة للجيش والبحرية الملكية وسلاح الجو الملكي. وتشير الصحيفة إلى أن بريطانيا تُعتبر "متخلفة" في مجال الإنفاق الدفاعي من قبل نظرائها، على الرغم من كونها في مرتبة عالية اسمياً في جدول الناتو. ويقارن توسا الوضع البريطاني بدول أخرى قائلاً: "فنلندا وبولندا والسويد - جميعهم زادوا ميزانياتهم الدفاعية بشكل هائل، وفي السويد، قاموا بتخفيض الضمان الاجتماعي لتمويل هذه الزيادات." القدرات الصناعية البريطانية تحت المجهر تواجه بريطانيا تحدياً إضافياً يتمثل في القدرة الصناعية على تلبية المتطلبات الدفاعية المتزايدة، إذ سجلت شركة BAE Systems، أكبر شركة دفاع بريطانية، زيادة في الطلبيات بقيمة 25 مليار جنيه إسترليني هذا العام وحده. ومع ذلك، يحذر ديفيد لوكوود، رئيس شركة Babcock المدرجة في مؤشر FTSE 250، من أن إعادة تنشيط القدرات الصناعية بعد سنوات من الاعتماد على "عائد السلام" لن يكون فورياً. وفي مثال واضح على هذه التحديات، تعمل شركة Babcock حالياً على بناء ثلاث فرقاطات من طراز Type 31 في روسيث باسكتلندا، من أصل طلبية من خمس سفن للمملكة المتحدة. ويؤكد لوكوود أن أي زيادة في الطلب ستتطلب تدريب المزيد من العمال، مشيراً إلى أن "القيد عموماً هو الأفراد، وتحتاج إلى وقت للحصول على العدد المناسب من الأشخاص في المكان المناسب." مستقبل غامض للعلاقات البريطانية الأمريكية رفضت وزارة الدفاع البريطانية التعليق مباشرة على التحديات المستقبلية، لكنها أشارت إلى تصريحات رئيس الوزراء الأخيرة التي أكد فيها أن العلاقة البريطانية-الأمريكية "ستواصل ازدهارها على جانبي الأطلسي للسنوات القادمة". وقال ستارمر عقب فوز ترامب: "بصفتنا أقرب الحلفاء، نقف جنباً إلى جنب في الدفاع عن قيمنا المشتركة". وتنقل التليجراف عن مصادر مقربة أن ستارمر أبلغ زملاءه في اجتماعات خاصة بأن "الأمر لا يتعلق بما يقوله ترامب بل بما يفعله". ومع ذلك، فإن مجرد وجود شكوك حول إمكانية الاعتماد على الدعم الأمريكي - وهو سيناريو كان يعتبر مستحيلاً في السابق - يثير أسئلة ملحة حول مستقبل الدفاع البريطاني. يواجه ستارمر الآن مهمة صعبة تتمثل في موازنة الاحتياجات الدفاعية المتزايدة مع القيود المالية الصارمة. وكما يشير اللورد ستيرب، رئيس أركان الدفاع السابق من 2006 إلى 2010، فإن النقاش حول ما إذا كان يجب رفع الإنفاق إلى 2.5% أو 3% من الناتج المحلي الإجمالي يشبه "شخصاً يقرر ما إذا كان سيشتري طفايتي حريق أو ثلاث بينما المبنى يحترق من حوله."