لم يستشعر كاتم أسرار بنيامين نتانياهو، وزير الشئون الاستراتيجية رون ديرمر اغترابًا وهو يلتقى الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب فى منتجع «مار إيه لاجو» بولاية فلوريدا، فبعيدًا عن توليه منصب سفير إسرائيل لدى واشنطن فى الفترة ما بين 2013 حتى 2021، يشير ملفه الشخصى إلى أنه من مواليد الولاية الأمريكية ذاتها، وتحديدًا فى «ميامى بيتش»، ولفرط تدليله كان الوحيد الذى صرخ فى وجه كبير مستشارى الرئيس الجمهورى خلال ولايته الأولى جاريد كوشنر، بعد رفض البيت الأبيض حينها تجاوبًا مع طلب نتانياهو ضم أجزاء من الضفة الغربية. ديرمر صاحب لقب «الرجل الثانى» فى إسرائيل، التقى ترامب لتسليمه «هدية» من نتانياهو، كان قد نسَّق بخصوصها مع الروس خلال زيارة سريَّة لموسكو، وانتزع كوشنر مؤقتًا من عالم البيزنس لإشراكه قبل أيام فى المباحثات الدائرة مع الرئيس العائد للمكتب البيضاوى. اقرأ أيضًا | كوب «29».. 200 دولة تسعى للتوافق حول مشاريع تمويل المناخ أما ما اعتبرها الوزير الإسرائيلى ورئيس وزرائه «هدية»، فهى قرار إسرائيل وقف إطلاق النار فى لبنان قبل تنصيب ترامب. رغم اعتبار الثنائى ديرمر ونتانياهو وقف العدوان على لبنان «هدية»، تعكس مدى تجاوب تل أبيب مع إيعازات ترامب بوضع رحى حروب المنطقة قبل تنصيبه فى 20 يناير المقبل، لكنها فى حقيقة الأمر تغازل صاحب قرارات نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، وفرض سيادة إسرائيل على الجولان السورية، لإحراز مكتسبات إسرائيلية جديدة، ألمح إليها ترامب نفسه قبل إجراء الانتخابات بإعطاء ضوء أخضر لتوسيع مساحة إسرائيل، حتى ولو كان على حساب دول الجوار والأراضى الفلسطينية المحتلة. وعبر إسالة لعاب الرئيس الجمهورى، لم يخف ديرمر غرض الزيارة و«الهدية»، وخلال لقائه ترامب وصهره، قال صراحة إن الهدف من وقف الحرب فى لبنان هو منح الرئيس «انتصارًا سياسيًا» قبل دخول البيت الأبيض، وحسب تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، تقاسم ديرمر مع نتانياهو المبادرة المبكرة لتحريك القطع على رقعة الشطرنج، وبينما انفرد رئيس الوزراء الإسرائيلى قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية بالمرشح الجمهورى، لم يتنازل وزيره عن إحياء العلاقة مع كوشنر. ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مصدر فى إدارة ترامب السابقة أن كوشنر بوصفه مهندس الاتفاقات الإبراهيمية لن يغادر موقعه رغم زهده وزوجته إيفانكا فى منصب رسمى بالبيت الأبيض. بمفهوم ديرمر لن يصل زهد مقاول العقارات الشاب حد التضحية بنصيب من كعكة العوائد الاقتصادية، التى قد تنطوى عليها الاتفاقات الوشيكة، خاصة مع اعتزام ترامب تدشين صندوق سيادى أمريكى، يعتمد فى تمويله على استثمارات إقليمية. وفى المقابل لن يضحى ديرمر ورئيس حكومته بنفوذ وتأثير كوشنر على الرئيس الصهر، ولن يتنازلا عن استغلال خبراته السابقة، لتمهيد ضم دول عربية وإسلامية جديدة لقطار التطبيع مع إسرائيل. لوضع ترامب فى الصورة أمام صهره، استعرض رون ديرمر مسودة اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان، التى تضمنت حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» موافقة «حزب الله» على الانسحاب حتى شمال الليطاني، ليتولى الجيش اللبنانى مهمة السيطرة على المنطقة الحدودية خلال ال60 يومًا الأولى من سريان الاتفاق تحت إشراف الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وأن تتولى دول إقليمية تمويل وتأهيل الجيش اللبنانى للقيام بمهامه. وبينما لم تنسق واشنطن مع موسكو دورًا مشتركًا فى لبنان، قالت الصحيفة العبرية إن إسرائيل لجأت إلى الروس عبر زيارة سريَّة استبق بها ديرمر زيارة الولاياتالمتحدة، للحصول على ضمانات التزام «حزب الله» ببنود الاتفاق، وتسليم إسرائيل قائمة بأسماء جنود وضباط الجيش اللبنانى المقرر نشرهم فى الجنوب، للحيلولة دون تسلل عناصر «حزب الله» بين صفوف الجيش، بالإضافة إلى ضمان منع ما تصفه إسرائيل بعمليات تهريب السلاح إلى لبنان عبر الحدود السورية. ويشى واقع اعتماد نتانياهو على ديرمر بتقديم أهل الثقة على الخبرة، وربما استغل الأخير الورقة جيدًا بتمرده على عرض العودة سفيرًا لدى واشنطن، ورفضه منصب رئيس جهاز الأمن القومي، لا سيما بعد تفويت فرصة انتزاعه حقيبة الخارجية، التى تطلع إليها قبل الوزيرين السابقين إيلى كوهين ويسرائيل كاتس. حتى مع تعيين وزير الخارجية الجديد جدعون ساعر، ما برح ديرمر القيام بدوره، وهو ما أثار سخطًا لدى دوائر إسرائيلية، جاء فى طليعتها رئيس مجلس «مطولا» الاستيطانى ديفيد أزولاي، الذى أبدى دهشة عبر لقاء «بودكاست» من تكليف شخص لم يزر الشمال الإسرائيلى مطلقًا (ديرمر) بصياغة تسوية تنهى حرب لبنان، وأضاف: «بينما تتواتر تقارير التسوية السياسية ووقف إطلاق النار مع «حزب الله»، تتساقط زخَّات القذائف الصاروخية على مستوطنات الشمال يومًا بعد آخر». ولا يقتصر انعدام الرضا الإسرائيلى على أداءات ديرمر ورئيس وزرائه فقط، وإنما طال وزير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس، الذى أثبت مدى إدارة إسرائيل من «جزر منعزلة»، فبينما يعكف نتانياهو وساعده الأيمن على بلورة اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان، حاول كاتس ملء فراغ الجنرال المخضرم وزير الدفاع السابق يوآف جالانت، وخلال لقاء مع قيادة أركان جيش الاحتلال، أطلق تصريحات تغاير التوجه الإسرائيلي، قال فيها: «لن نوقف إطلاق النار فى لبنان، ولن نرفع أقدامنا من على الدوَّاسة، ولن نسمح بأى تسوية لا تضمن تحقيق أهداف الحرب، وتفرض نزع سلاح «حزب الله»، وتهيئة الظروف لعودة مستوطنى الشمال الإسرائيلى إلى منازلهم». المفارقة الغريبة أن ديرمر الذى يعد واحدًا من صقور اليمين الإسرائيلي، وانضم إلى نظيره الأكثر تطرفًا ناتان شرانسكي، الحائز على جائزة إسرائيل فى استيعاب أكبر عدد من المهاجرين اليهود عام 2017، ألفا كتابًا عام 2004 عن ديمقراطية الأمم، وأطلقا عليه The Case for Democracy (قضية الديمقراطية).