انتقال صادم من "تكريس الأخلاق" فى الستينيات إلى "غدر الصحاب" بالألفية الجديدة ما بين مغامرة بالخيال ورعشات حاملة للتناقضات البشرية يقف تاريخ الأغنية الشعبية فى مصر عابرًا للأزمنة والأمكنة مائزًا فى عالم الأصوات مغيرًا فى القواعد القديمة للحن والكلمات والأداء وهى تصقل جاذبيتها بطرق أقرب إلى روح الشارع والحياة فى المناطق الشعبية وأحيانًا العشوائية. وعلى مر العصور اتخذ الغناء أدوارًا له تتعدى الترفيه والطرب إلى التعبير والاحتجاج.. اختلفت الأغنية الشعبية تاريخيًا عن أغانى القصور، فأغانى الملوك غالبًا ما صنعت للمديح أو للتسلية عن الملك وحاشيته، فى حين الغناء الشعبى كان الصوت اللا واعى الذى يعبر عن آلام الشعب وأفراحه، وكذلك كانت آلات العزف. اللون النوبى حفظ «اللغة الأم» من الاندثار.. ومنير أشهر أبنائه انتقال صادم من "تكريس الأخلاق" فى الستينيات إلى "غدر الصحاب" بالألفية الجديدة طوبار والنقشبندى نموذجان مثاليان للقادمين من الريف فى الابتهالات كان الغناء الشعبى شفهيًا ومتواترًا فى غالبه ينتقل بالتكرار من جيل إلى جيل ويعتمد على الارتجال فى أحيان كثيرة مثلما كان يفعل الشعراء العرب الأوائل فيما مضى. وتعددت موضوعات الغناء الشعبي، وكذلك الغناء البلدى - الذى يعد أحد أنواع الغناء الشعبى - لتشمل الغناء العاطفى والوطنى والديني. ولا شك أن الأغنية الشعبية تفصح عن شخصية مصر وتعبر عن خصائص شعبها وتقاليده وعاداته وآماله وأحلامه ووجدانه، وبرزت فى مناسبات الأفراح من خطبة وزواج وختان، وهو ما يرصده كتاب «تاريخ الغناء الشعبي.. من الموال إلى الراب» الصادر عن دار «دون» لمؤلفه الدكتور ياسر ثابت. وثائق اجتماعية وما لا يمكن إغفاله أن الأغانى الشعبية تعد وثائق اجتماعية على قدر كبير من الأهمية، لأنها تصور عادات الناس وتقاليدهم فى المناسبات. ويتسم الغناء البلدى فى مصر بالتعبير عن البيئة المحلية فيقال غناء قبلى أو بحرى ويغلب عليه الصنعة والارتجال ويؤديه مطرب محترف بالزى البلدي. وشكل الفرقة تغير تقريبًا بعد إضافة آلات مثل الأكورديون والقانون والأروج. تحتفى كلمات الأغنية الشعبية بالسكر وظلت الحلوى خيطا ممتدا فى أغانى الفقراء مع خيوط كغدر الزمان والجروح التى لا تعرف الطيب والصبر، ما يشكل دلالة مستمرة للمعاناة وشقاء الحياة، إذ تأتى الحلوى هنا لتخفف هذه المرارة. خريطة قديمة والغناء الشعبى المصرى قديم قدم الزمان، فالأغانى التى يغنيها الفلاحون فى الصعيد أثناء عملهم لاستنهاض الهمة والتغلب على قسوة الحياة، ما هى إلا خليط تشكل منذ الفلاح الفرعونى الأول وكذلك الفلاح القبطى المسيحي، وفقًا لرؤية الكتاب. وحظيت القرية المصرية بالغناء فى صورة تكاد تكون منتشرة فى معظم الأقاليم المصرية، وهو غناء الموالد الشعبية وحلقات الذكر والاحتفالات التى تعقد حولها من قبل من كانوا يُسمون بالغجر والفنانين الشعبيين المتنقلين. أما الغناء الشعبى الرسمى فى مصر أو بالأحرى الذى استطاع الوصول إلى الإذاعة المصرية فى الماضى القريب فأول من سيتبادر للأذهان عن ذلك النوع هو عدد من الأصوات البارزة مثل «محمد عبدالمطلب، ومحمود شكوكو، وعبدالعزيز محمود، وغيرهم». اقرأ أيضًا| حكاية شعب احتفالية لشباب المنيا في الذكرى الحادية والخمسين لنصر أكتوبر ويضم الصعيد تراثًا غنائيًا متفردًا وأصيلًا ويتمثل فى السيرة الهلالية «سيرة بنى هلال». وتختلف طرق أداء وعرض السيرة الهلالية لكن الطريقة الأكثر انتشارًا هى غناؤها، فيما يعرف لدى أهل الصعيد ب«فن الواو» عبر العزف على الربابة. ويوجد فى صعيد مصر نوع آخر من الغناء أقل انتشارًا من السيرة وهو المديح، والمقصود به مدح النبى محمد صلى الله عليه وسلم. ومن أشهر المداحين: أحمد التوني، وزين محمود، وياسين التهامي. والريف المصرى ثرى بعاداته وتقاليده ومخزونه الثقافى الشعبي، وتتميز أغانى الدلتا بطابعها الهادئ بعيدًا عن الإيقاعات السريعة الصاخبة والآلات الموسيقية المستخدمة فيه، تقتصر على الناى أو العود أو الكمان فقط. ومع تميز الدلتا بفن المديح والابتهالات الدينية فإنه لا تخلو قرية من اتباع الطرق الصوفية، وغالبًا يحرص أهلها على إقامة الحضرات بصفة دورية. ولعل أشهر من قدم الابتهالات الدينية فى مصر من الدلتا، الشيخ نصر الدين طوبار وسيد النقشبندي. ولمناطق القنال المتمثلة «السويس وبورسعيد والإسماعيلية» أغانٍ بنكهة الهزيمة وطعم النصر، كما يغلب عليها دائمًا شجن البحر. وتشتهر بمدن القنال بآلة «السمسمية» وهى آلة وترية شعبية تشبه فى تركيبها آلة «الطنبورة» التى ظهرت مع العمال النوبيين الذين عملوا على حفر قناة السويس. أما أبرز أغانى القنال فهى «الضمة» القائمة على الغناء الارتجالى وتسمى مجموعة مغنى الضمة وعازفيها باسم «الصحبجية» ويؤدون رقصة فولكلورية بحرية تعرف باسم «البمبوطية». وتتنوع أغانى الضمة فمنها الطقطوقة والموشح والموال والأدوار الفكاهية. ويعد الريس زكريا من أشهر صحبجية الضمة وأسس فرقة الطنبورية عام 1989 ليحافظ على تراث بورسعيد من أغانى الضمة. وساهمت الأغانى التراثية النوبية فى استمرار اللغة النوبية بين الأجيال الجديدة، وهذا اللون من الغناء غالبًا ما يكون جماعيًا وتصاحبه آلة الطار. ويمتاز الغناء النوبى بلحن واحد ولكن بإيقاعات مختلفة، وكثيرًا ما يغنى النوبى للنيل والأرض والحبيبة. و«على كوبانا» أول من أسس فرقة نوبية فى مصر. ومن مغنى النوبة المعروفين أيضًا حمزة علاء الدين ومحمد حمام وأحمد منيب وأخيرًا محمد منير. ظهرت ألوان متعددة لأنواع الأغنيات الشعبية كانت كل منها ترتبط بمهنة وبيئة محددة، فأغنيات (أناشيد أو هتافات أو طقطوقات) يستخدمها الصيادون وأخرى وقت الحصاد يشدو بها الفلاحون. وكان سيد درويش أكبر وأهم وأشهر من غنى للعمال فى حقبة ثورة 1919، وجاءت كل أغانيه لتصف شقاءهم ومعاناتهم أو تعينهم على مواجهة التعب والفقر والشدائد. مع انطلاق الإذاعة المصرية فى بدايات الثلاثينيات، بدأت شهرة بعض المطربين والزجالين تتسع. وتضم قائمة الرواد محمود أبو دراع ومحمد أفندى العربى وسيد درويش وبهية المحلاوية وزينب المنصورية وسيدة حسن. ثم استمتع المصريون بأغانى محمد عبدالمطلب ومحمد قنديل ومحمد العزبى ومحمد رشدى وكارم محمود وشفيق جلال وعمر الجيزاوى وصلاح عبدالحميد أو (الريس حنتيرة) وعبدالعزيز محمود. واهتم الكاتب زكريا الحجاوى الذى زار ربوع مصر والوجه البحرى تحديدًا، بإبراز مواهب مثل محمد طه والريس متقال. تلك التركيبة كانت عبقرية لأنها مثلت كل أقاليم مصر وأصبحت معبرة عن البيئات المصرية بتعددها، فأغنيات ومواويل طه ارتبطت ببيئة الفلاحين والدلتا فيما وجهت أغنيات الريس متقال للصعيد بشكل أكبر. وبرزت أصوات نسائية كخضرة محمد خضرة وفاطمة سرحان وجمالات شيحة وروح الفؤاد. الشعبى الحديث مع انتهاء الموجة الأولى من رموز الغناء الشعبي، ظهر أحمد عدوية الذى غيّر شكل الأغنية الشعبية بتجنب موضوعات الغزل والغناء عن واقع الناس اليومي، بعيدًا عن المواويل الشعبية المعتادة. والأمر الأكيد أن الأغانى الشعبية الحديثة كما هو متحقق فى موجاتها المتعددة من عدوية ثم أشباه عدوية مثل عبدالباسط حمودة وحسن الأسمر مرورًا بجيل محمود الليثى ومحمود الحسينى وانتهاء ب«المهرجانات» أصبحت تشكل الآن بديلًا حقيقيًا لما يسمى «التيار الغنائى السائد». ويرى باحثون أن «الترييف الثقافى والاجتماعى للمدن الكبرى كالقاهرةوالإسكندرية أدى إلى فرض طلب اجتماعى على بعض الأصوات، وكان من أبرزهم عدوية وآخرون». كان عزف الأكورديون عاملًا مشتركًا فى ألحان معظم أغانى عدوية ما جعل الأكورديون ملكًا متوجًا على آلات الموسيقى المستخدمة فى الغناء الشعبي. وتربع عدوية وكتكوت الأمير على عرش الغناء الشعبى فى السبعينيات. ومع أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات ظهر جيل من المغنين شديدى الشبه بعدوية، مثل عبدالباسط حمودة وحسن الأسمر وشفيقة وشعبان عبدالرحيم، مع أن هذا الجيل لم يتجاوز الأطر الفنية للأب المؤسس فإنه أنعش المشهد إلى حد ما. اقتنص شعبان عبدالرحيم شهرة واسعة وبدا الأبرز فى سوق الكاسيت بأغنيته الشهيرة «كداب يا خيشة». شعبان، المطرب الصاعد والمكوجى – الفخور بصنعته – سابقًا، وضعته هذه الأغنية فى وضع المنافسة مقابل مطرب الوايلى الكبير محمود سعد، الذى غنى وقتها للوايلي، مثلما غنى شعبان لشبرا. بعد عدوية وكتكوت الأمير، ومع اختفاء محمود سعد، تميز عبدالباسط حمودة الذى غنى «بين القصرين» - وهى من أجود ما غنى – لكنها لم تتح له الشهرة حينها مثل شعبان، ربما لأنها كانت على نفس خط عدوية تقريبًا الذى كان يؤدى أغانيه فى الفنادق والكازيونهات الفخمة. وكان رمضان البرنس أيضًا (1963 – 1998) أحد الذين صنعوا شعبية كبيرة فى وقت كثير. على رغم البدايات المبكرة لعدوية مع بداية السبعينيات ووصوله إلى النضج والشهرة الواسعة مع الثمانينيات حتى إن الأغنية الشعبية فى مثل هذه المدة اقترنت باسمه، فإنه استطاع الاستمرار واللحاق بجيل الألفية وشارك أجيالا جديدة من المطربين مثل رامى عياش وآبو. وفعل الأمر نفسه عبدالباسط مع فريق «كايروكي» عام 2014 وطارق الشيخ مع مغنى الراب الغربى «زاب ثروت» عام 2018. بشكل مواز، كان هناك الموال والقصص وهذه كان لها جمهور مختلط بين الوافدين من الأقاليم والقاهريين مثل عبده الإسكندرانى ويوسف شتا. وهذا أشبه بالخليط الذى قدمه «حكيم» بعد ذلك بين الشعبى «مدرسة عدوية» والشبابى «مدرسة حميد الشاعري» الآتى من الصحراء الليبية بأبسط مشروع موسيقى لكنه تمكن من امتلاك الساحة الغنائية فى مصر. خرج «حكيم» من عباءة حميد الشاعرى بتقديمه لألحان أول ألبوماته «نظرة» عام 1991 حتى بات المطرب الذى يمثل حلقة وصل بين جيلين مختلفين. بزغ قمر حميد الشاعرى الذى كان رسولا لجيل مهم فى الأغنية المصرية، ففى 11 يوليو 1988 صدر ألبوم «لولاكي» لمطرب مغمور من مطروح لم يكن يعرفه أحد من قبل إلا أنه أصبح بعد مرور ساعات معدودة الأشهر على الإطلاق فى الوطن العربي. استعانة على حميدة بالفلكلور البدوى جعلته يقف فى الكفة الأخرى من الميزان الذى يشغل كفته الأولى محمد منير بأغانيه التى يستمدها من الأجواء النوبية وكانت السبب فى اختلافه واستمراره فى مقدمة الصفوف. وفى مطلع التسعينيات، ظهرت أيضًا شرائط كاسيت منوعات لبنانية شعبية على أجزاء غنى فيها جورج وسوف وانتشرت فى مصر وقتها. وسجل حسن الأسمر «1959 – 2011»، أول أغنية شعبية «عليل أنا يا تمر حنة». كان ظهور حسن الأسمر بألبوم «توهان» ثورة جديدة فى الغناء الشعبى مع نفسه الطويل وحسه الشجي. واللافت للانتباه أن أغانيه حملت ملحمًا صعيديًا من الناحية اللحنية وكأنها من أغانى الريس متقال لكنها متوائمة مع المدينة. أما أحمد شيبة فنجح بعد 20 عامًا من الغناء، فى تحقيق نجاح كبير بأغنيته «آه لو لعبت يا زهر»، ذلك أن لحنها يكاد يكون المطلب المثالى لجمهور الأغنية الشعبية لكونها تجمع بين النغمة الحزينة والإيقاع الراقص معًا. الإنعاش جاء الإنعاش الحقيقى للغناء الشعبى فى مصر مع جيل الانتشار والتمكن، محمود الحسينى ومحمود الليثى وأمينة ومنار ومحمود سعد وبوسى وعماد بعرور وعماد الصغير وغيرهم. وهنا تجاوزت الأغنية الشعبية كل الحدود. وإذا كانت الأغانى الشعبية فى الستينيات تكرس للأخلاق وشكل القيم مثل الصبر والتضحية و«الجدعنة» والصداقة باعتبارها سفينة النجاة، مثل مواويل محمد طه، فإن أغانى المهرجانات وعبدالباسط والليثى كلها تيمة واحدة: «أنا التزمت بكتاب الأخلاق كله لكنى خسرت بشدة. لم أخن صاحبى لكنه باعني». ولعل ما يسترعى الانتباه أن شبرا الخيمة هى مسقط رأس معظم وجوه الأغنية الشعبية فى الألفية الثالثة أو «مطربى الميكروباص»، ففيها ترعرع عماد بعرور ومنها صعد إلى شارع الهرم والسينما والتلفزيون لتصبح أغنيته «العنب» فى مدة وجيزة على لسان محبى الفن الشعبى السائد أو الرافضين له. المهرجانات نسفت أغانى المهرجانات والراب فكرة الحد الفاصل ما بين الفن «الرفيع» والفن «الشعبي»، وانتقلت بالجمهور من الرغبة الواعية إلى الرغبة المكبوتة بمختلف تمثلاتها، وعملت على إطلاق سراح الثقافة الشعبية من الحدود المفروضة عليها. صار بوسع هذه الأغانى أن تتناول أية ظاهرة أو مسألة أو موضوع بريئًا كان أم لم يكن، مستبعدًا ومهمشًا ومحرمًا أيضًا. مع بدايات الألفية الثالثة، ظهرت أشكال موسيقية شعبية مختلفة عن القديمة، بالإضافة إلى «المولد» الذى كان شكلًا موسيقيًا قائمًا على الرقص والحركة لكنه لم يستمر كثيرًا، ويمكن اعتبارها مرحلة تجهيزية قبل سطوع عالم «المهرجانات». بدت «المهرجانات» لونًا غنائيًا جديدًا وأصيلًا، ولد ونشأ وتطور فى مصر، ووضع قواعده وعاد ليكسرها دون التزام، كانت فنًا ديمقراطيًا لا يملك كتيب إرشادات، وبالتأكيد لم يخضع لحسابات شركات الإنتاج ولا سطوة رأسمالها مدة طويلة من الزمن. بدأت ظاهرة المهرجانات قبل ثورة يناير 2011 بأقل من خمسة أعوام، بحسب الشاعر يسرى حسان، الذى اعتبرها لا تخرج عن المفهوم التقليدى للأغنية الشعبية القادمة من البيئة الشعبية ولا تخلو كلماتها من كلمات شعبية بسيطة تعبر عن قضايا وهموم البسطاء. وعلى رغم النقد الشديد والجارح لها فإنها استطاعت أن تفرض نفسها على الأجيال الشابة وتصل إلى اقتحامها أوساط الفئات الوسطى العليا من الأثرياء ورجال الأعمال فى أفراحهم وحفلاتهم الخاصة. وظهرت إرهاصات أغنية المهرجانات عندما قدم المطرب الشعبى جمال السبكى أغنية «هنروح المولد» على أنغام موسيقى السمر بمصاحبة الأورغ الكهربائى وهى موسيقى شعبية انتشرت فى أفراح المصريين منذ تسعينيات القرن العشرين. بدأت هذه الأغانى بالظهور فى مدينة الإسكندرية لفرقة «الدخلاوية» المكونة من «فيلو» و«التوني» ومحمود «حوده» الملقب ب«شاعر الغية». بات «مهرجان الدخلاوية» أول مهرجان شعبى يقام فى مصر ثم ظهرت فرق متنوعة فى جميع أنحاء الجمهورية. وأول مهرجان شهدته القاهرة كان مهرجان «مدينة السلام» عام 2007 لأحمد فريد «فيجو» - وهو أيضًا أول موزع للمهرجانات الشعبية – وعلاء «فيفتي». وصاحب انتشار تلك الأغانى الشعبية ظهور ال«دى جي» فى أفراح الريف والأماكن الفقيرة، أى تحول ال«دى جي» إلى دور النبطشى الذى يحمس الجمهور لكن هذه المرة لمشاركة الشباب الرقص وإضفاء حالة من البهجة أثناء الغناء عبر جمل تشجيعية باستخدام برامج «الريمكسات» لتصبح أقرب إلى الموسيقى الصاخبة التى اشتهرت بها موسيقى الهيب هوب والروك والراب والميتال. ويعد علاء فيفتى الملقب ب«الأسطورة» أول مطرب مهرجانات شعبية فى مصر. ومن أعلام تلك الأغانى عمرو حاحا وفيجو وسادات وفيفتى وأوكا وأورتيجا وفيلو والمدفعجية وفريق شبيك لبيك الذى غنى «ما فيش صاحب يتصاحب». ثم لحقت بهم أسماء أخرى مثل حمو بيكا ومجدى شطة وعمر كمال وحسن شاكوش. ويعد فريق المدفعجية من أشهر فرق المهرجانات الشعبية، ويضم إسلام شوقى «كنكا» و«ديزل» و«شندي» و«دولسيكا». وأغلب أعضاء الفريق من مناطق المطرية وعين شمس والسلام شرقى القاهرة. وفى الإسكندرية يبرز اسم فريق «اتحاد القمة» أو الدخلاوية. صدمة المستقبل صدمة سيطرت على الكثيرين فى نوفمبر 2021 بعد نشر صورة من حفل للمغنى «ويجز» يظهر فيه الآلاف من الشباب يحضرون حفل مغنى «الراب» و«التراب» المصرى فى قاعة المنارة. «شبه النمل وشبه الفيشار» بهذه الكلمات وصف «ويجز» ومدير أعماله من حضروا الحفل المذكور. ولفظ الفيشار يرمز هنا إلى الراقص وتقافز الجمهور كما حبات الفيشار. و«ويجز» هو المغنى المصرى الأكثر استماعًا على «سبوتيفاي» فى عامى 2020 و2021 بعد أن مزج بين الموسيقى المحلية والتأثيرات العالمية. أصبح ويجز، واسمه الحقيقى أحمد على من مواليد الإسكندرية وتعود أصوله إلى الأقصر ومن مواليد 1998، متحدثًا باسم مشكلات الشباب فى مشهد «الراب» المصري. الشاب البسيط، صغير السن، حاد اللسان، الذى يرى فيه العديد من الشباب فى هذا الجيل معبرًا عنهم.. ببساطة بدا «ويجز» على موعد للتبشير بموجة جديدة من الموسيقى المصرية تتعالى على قواعد وأصول صناعة الموسيقى الأكاديمية، وعلى رغم أن تلك الموجة نالت استهجان من أطلق عليهم أعداء النجاح ومدعى الفضيلة وقادة شرطة الأخلاق الفنية فإنها اكتسحت المشهد الغنائى وحصدت جمهورًا غفيرًا. تحفل أغانى ويجز التى يؤلفها فى الغالب بالحديث عن نفسه ومعاناته الشخصية سواء أكانت هذه المعاناة بسبب تردى وضعه الاجتماعى قبل الشهرة أو بسبب الخوف من عدم تقبل المجتمع له ولطموحاته، وهى سمة غالبة لأغانى «الراب» المصرى عامة، فالمعاناة هنا تنتقل من كونها شخصية تخص «ويجز» وزملاءه فقط لتعبر عن معاناة جيل بأكمله والتحديات التى أجبروا على مجابهتها بصدور عارية. لا يقف ويجز على مسرح الشهرة وحده، فإلى جواره يقف آخرون، وفى مقدمتهم «مروان موسى» الذى يعد صاحب «بيرسونا» الشاب المصرى الألمانى والوسيم فى «الراب سين» المصري، إلا أنه على جانب آخر أحد أنجح أفراد هذا الجيل وأكثرهم احترافية وغزارة على مستوى الإنتاج. وإلى جانب «حمورابي» و«الجوكر» يبرز اسم «عفروتو» الذى يعد وارث «التراب» من أحفاد الغناء الشعبى وكأنك تستمع إلى نسخة معدلة من موسيقى عدوية تختلط بموسى الراب. وهؤلاء وغيرهم غيروا كثيرًا فى شكل الأغنية والموسيقى المصرية حتى إن استمر الخلاف على ما يقدمونه هل هو فن أم غير ذلك.