القفزات التكنولوجية الحديثة منحت بعض الجيوش قدرات فائقة، تعطى الدول التى تمتلكها الميزة الحاسمة لتحقيق أغراضها، كما أن إنشاء وحدات سرية خاصة داخل المؤسسات العسكرية مكن بعض الدول من خلق وتنفيذ أدوات الحروب الحديثة أو ما تسمى باسم «الحروب اللامتماثلة». يمكن التنبؤ بنتائج الحرب التقليدية، انطلاقاً من موازين القوى التى تتداخل فى تكوينها، كحجم القوات ونوعية أسلحتها وتقنياتها، بينما تبدو معادلة النتائج فى الحرب الحديثة معاكسة تماماً، بحيث يمكن لفريق قليل الإمكانات التعويض عن تخلفه فى هذه الجوانب من خلال منظومة ممارسات ذات مرتكزات ثلاث: نوعية القتال الذى تخوضه، حرية اختيار مكان المواجهة وزمانها، والاستفادة من الدعم الذى تقدمه بيئته الحاضنة. حسب «صحيفة الأخبار». ◄ الغباري: الحرب النفسية الأداة الأكثر تأثيرا والمدنيون فى مرمى الاستهداف المباشر من جانبه، أكد اللواء اللواء دكتور أ.ح محمد الغبارى الخبير العسكرى مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق أن الحرب النفسية هى احد الأدوات الأكثر تأثيرا فى الحروب الحديثة حيث تستهدف وعى الشعوب والمدنيين من خلال أكاذيب محترفة ومستمرة ومتطورة ومتجددة تعدها الدول أو الجماعات لمحاولة السيطرة على شعوب الدول المستهدفة. ويتم فى إطارها استخدام الوسائل الإعلامية التقليدية وغير التقليدية للتأثير على هذه الشعوب عن طريق بث مقطوعات إعلامية معينة تثير وتجذب كافة فئات المجتمع داخل الدولة المستهدفة. ولا شك فى أن التطور التكنولوجى قد لعب دوراً كبيراً فى هذا السياق. وأضاف أن شعار فرقة العمليات النفسية الأمريكية يتكون من ثلاث كلمات، هى: الإقناع (Persuade) - التغيير (Change) - التأثير (Influence). وهذه الكلمات مرتبة بدقة؛ حيث يجب العمل أولاً على إقناع الشعب المستهدف بأن ما لديه ليس الأفضل، ليقوم بالمطالبة بإحداث تغييرٍ ما فى بلده، وبمجرد البدء فى هذا التغيير يتم التدخل من قِبَل الدولة المعتدية فى مسار الأحداث للتأثير عليه وفق مقتضيات مصالحها هى. ومن المبادىء التى تؤمن بها فرقة العمليات الأمريكية النفسية أولاً: لا تتطلب العمليات العسكرية القوة فقط فى ميدان المعركة. ثانيا يمكن تحقيق الأهداف العسكرية باستخدام وسائل غير قتالية عبر عمليات الدعم المعلوماتى.ثالثا تدريب جندى العمليات النفسية على القدرة على التعامل فى بيئات مختلفة.ورابعا التدريب على تكتيكات الإقناع والمهارة فى استخدامها. وتقوم الفرق النفسية بالعمل على نشر ثقافة التغيير ومنهجيات التفكير واستراتيجيات التحول الحضارى، وتوفير الأدوات العلمية المساهمة فى إحداث ثورات حضارية اجتماعياً وسياسياً، وتدريب كوادر مؤسسات المجتمع المدنى والأحزاب على استراتيجيات ووسائل التغيير، وتقديم الاستشارات للحكومات والمؤسسات والأحزاب والأفراد التى تسعى لتنمية مجتمعاتها، والراغبة فى التعاون معها.وتأجيج الغضب لاحداث مواجهة بين القطاعين المدنى العسكرى فى الدولة المستهدفة، بما يؤدى فى نهاية المطاف إلى انتشار الفوضى وتحقيق الدول الأخرى لمصالحها فى هذه الدولة البائسة. ◄ العمدة: القوة لمن يمتلك المعلومات يؤكد اللواء عادل العمدة المستشار بكلية الدفاع الوطنى أن أهم ما يميّز «الحروب اللامتماثلة» عن مثيلاتها من أنواع الحروب الأخرى هى «حرب المعلومات»، والتى تحظى بأهمية بالغة حيث تشكّل أهمية قصوى وقد شاهدنا تلك الحرب فى معركة غزة حيث استخدمت المقاومة الفلسطينية فى البداية «حرب المعلومات» بصورة مبدعة حيث أخفت جزء كبير من خططها الدفاعية عن أجهزة استخبارات العدو، والتى تملك أجهزة وعملاء وتكنولوجيا قادروة على رصد وجمع أدق المعلومات والصور من على الأرض ثم بعدها استخدمت اسرائيل حرب المعلومات ضد حماس من خلال استهداف القيادات نهاية باستهداف حسن نصرالله طبعا ليس بمفردها ولكن بالاستعانة بقدرات مخابرات الجيشين الأميركى والبريطانى، ويحسب للمقاومة نجاحها إخفاء الأسرى الصهاينة عن كثير من العيون التى تترقب مكانهم، من الأرض ومن السماء، كلَّ هذه المدة، وإفشالها كثيراً من المهمّات الخاصة، التى حاولت قوات العدو القيام بها من أجل تحرير عدد منهم. لذلك أرى أن الحروب القادمة ستكون هى القوة لمن يمتلك المعلومات ويستطيع تحليلها ليحصل على نتائج تتضمن له التفوق. ◄ ياسر عبد العزيز: الإعلام نصف المعركة أكد د. ياسر عبد العزيز الخبير الاعلامى أن للإعلام دورا مهما للغاية فى الحروب الحديثة وأوضح ان الإعلام هو نصف المعركة أو الحرب والدليل على ذلك عندما قال أيمن الظواهرى الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة فى عام 2004، وأرسل رسالة مناصحة لأبو مصعب الزرقاوى الذى كان زعيم الرافضين فى العراق فى هذا الوقت كتب فى هذه الرسالة « تذكر يا أخى أن نصف معركتنا فى الإعلام « ومن هنا يبرز قوة الإعلام وتأثيره. وأشار د. عبد العزيز إلى ان الأخبار الكاذبة يمكن أن تشعل ثورات وحروباً وتؤدى إلى سقوط أنظمة وهزائم عسكرية مريرة واستهداف وعى الشعوب من خلال امتلاكهم لمنصات التواصل الاجتماعى والمواقع الاليكترونية وهو ما نراه اليوم من تحذيرات امريكية لكل من الصين وايران من التدخل فى الانتخابات الامريكية للتأثير على الراى العام من خلال بث أخبار كاذبة حول المرشح الذى تريد كل دولة دعمه أو اسقاطه. وهناك قصة شهيرة عن الأخبار الكاذبة وتأثيرها فى صناعة الحروب هى قصة مصنع الجلسرين، باعتبارها تظهر إلى مدى يمكن للأخبار الكاذبة أن تؤدى إلى دخول أمة فى حرب.. القصة أن الصينيين يريدون دخول الحرب العالمية ولم تكن لديهم مبررات أو أسباب، لكن القادة رأوا أنه من الضرورى دخول الحرب، فاختلقوا خبر أن ألمانيا تحرق جثث الأسرى وتذيب تلك الجثث وتحولها لجلسرين لاستخدامها فى صنع مدافع وقنابل ونتيجة لهذا الأمر أصبح الشعب الصينى مهيأً تماماً لدخول الحرب، لأنه شعر ببشاعة الإجرام الألمانى. وأضاف د.ياسر انه عندما حدثت الحرب الروسية الأوكرانية فقدنا الثقة فى الموضوعية والمهنية حيث سقط القناع ووجدنا الإعلام الغربى يفعل كل شىء للانحياز للرؤية الأوكرانية الغربية على حساب الرؤية الروسية بل ويمنع وسائل الإعلام الروسية ويشيطن الجانب الروسى ويحرض على قتله فى وسائل التواصل الاجتماعى الخاضعة لشركات كبرى فى الولاياتالمتحدة. ◄ حجاج: الحروب السيبرانية.. معركة خفية تهدد الأمن العالمي يطالب المهندس وليد حجاج خبير أمن المعلومات ومستشار الهيئة الاستشارية العليا لتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبرانى بضرورة تطوير استراتيجيات الدفاع العربى من خلال تعزيز الأمن السيبرانى والاستثمار فى تقنيات الدفاع السيبرانى وحماية البنية التحتية الحيوية. وتعزيز التعاون بين الدول العربية لمواجهة التهديدات السيبرانية المشتركة وتبادل المعلومات. وتعليم الأفراد والشركات كيفية حماية أنفسهم من الهجمات السيبرانية التى تعد احد أشكال الحروب الحديثة...مؤكدا ان الحروب السيبرانية هى المعركة الخفية التى أصبحت تهدد الأمن العربى والعالمي. ويوضح أن الانفجارات المتزامنة التى شهدتها لبنان فى عددٍ من أجهزة اتصالات «بيجر» التى يستخدمها عناصر حزب الله فى التواصل تعدُّ تطورًا للهجوم السيبرانى، وتطور للحروب الحديثة، وهذا ما يفتح الملف لدراسة تبعاته وأساليب المواجهة لتحقيق الأمن القومى العربى. وتطلب مواجهة هذه التهديدات استراتيجيات شاملة تشمل التعاون الدولى، تعزيز الأمن السيبرانى، وزيادة الوعى العام. فى عالم يتجه نحو مزيد من الاعتماد على التكنولوجيا، يصبح الأمن السيبرانى ضرورة ملحة لحماية المجتمعات والدول.وفى عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبحت الحرب السيبرانية واحدة من أخطر التهديدات التى تواجه الأمن العالمى. تتعلق هذه الحرب بالصراعات التى تُخاض عبر الإنترنت، حيث تتعرض الأنظمة المعلوماتية والبنية التحتية الحيوية لهجمات من قبل دول، جماعات غير حكومية، أو حتى أفراد. وبعض الجوانب المهمة لفهم هذه الظاهرة وتلعب الجماعات الإرهابية- والهاكرز المستقلون دورًا مهمًا فى تنفيذ هجمات سيبرانية لأسباب سياسية أو مالية. ويمكن أن تؤدى الهجمات السيبرانية إلى تقويض الثقة فى الحكومات والأنظمة السياسية.كما تتسبب الهجمات فى خسائر مالية ضخمة، وتتطور أساليب الهجوم بسرعة، مما يتطلب من الدول والشركات تحديث إجراءاتها الأمنية بشكل مستمر. ويحتاج المجتمع إلى فهم مخاطر الحرب السيبرانية وطرق الحماية منها. ◄ الغباشي: القوة النووية لم تعد كافية أكد اللواء محمد الغباشى الخبير العسكري أمين مركز آفاق للدراسات الاستراتيجية، أن التطورات الحديثة فى التكنولوجيا والأسلحة وحتى فى الأساليب السياسية والإعلامية ساهمت فى تعزيز قدرة التهديدات فى الحروب الحديثة أو اللامتماثلة فى الحفاظ على قدر من التأثير، فالانتقائية التى تستخدمها التهديدات فى تلك الحروب الحديثة تجعل من القوة التقليدية أو حتى النووية غير قادرة على الردع. فعندما نتحدث عن دولة نووية تم شن هجوم سيبراني على مفاعلاتها النووية أو تم استهداف نظامها الاجتماعى فكيف تستفيد من قوة الردع النووية التى تمتلكها وبالتالى أن هذه الحروب الحديثة تعتمد على الانتقائية وتركز على نقاط الضعف للدول فى محاولة منها لإحداث التأثير المطلوب من التهديد. ومن هنا تتطلب المواجهة فى عصر الحروب الحديثة تبنى استراتيجيات ردع غير تقليدية وتتسم بقدرتها على الحد بشكل كبير من خطورة التهديدات اللامتماثلة، ومن جانب آخر كانت نظرية توازن التهديد أحد أهم الطروحات الفكرية في ميدان الدراسات الدولية والاستراتيجية والردع هنا يتطلب تكاتف كل المستويات (أفراد، مؤسسات، منظمات، شركات، دول، تحالفات) لتحقق شكلاً ونمطاً جديدا من ممارسة الردع إزاء التهديدات اللامتماثلة، وستكون هذه الممارسات فاعلة لتحقيق الأهداف المرجوة من الردع، إضافة إلى ذلك فإن الاستراتيجيات المسخدمة فى الردع ستعتمد على تكتيكات خاصة تنسجم مع طبيعة وتأثير التهديدات اللامتماثلة. وأضاف الغباشى أن التكنولوجيا الحديثة أصبحت مخيفة، وهى العدو الأول لنا فى المستقبل، فالجهة المُصنعة لكل الأسلحة والتكنولوجيا الحديثة المستخدمة مع كل فرد الآن، من الممكن أن تتحكم فيما صنعته بمنتهى السهولة وبضغطة زر، وهذا تطور خطير، فكل التكنولوجيا التى نستخدمها الجهة المصنعة لها القدرة على اختراق حياتنا وتدميرنا فى الوقت الذى تراه مناسباً.. وهذا يحتم على كل دول العالم أن تتخذ خطواتها، فى أن يكون لها منتجاتها الخاصة بها،ولا تعتمد على استيراد أى تكنولجيا حديثة قادمة من الخارج، لا يتحكم أحد بها سواء من أجهزة اتصالات أو السيارات الكهربائية أو الطائرات المسيرة، خاصة أن هذا يعتبر أحدث أجيال الحروب، وهى استخدام التكنولوجيا الحديثة التى نستخدمها جميعاً ضدنا وأن تكون هى السلاح الموجه لنا دون أن ندرى. ◄ هشام الحلبي: توطين التكنولوجيا ضروري لتحقيق الأمن القومي العربي يرى اللواء طيار د. هشام الحلبي المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية أن تاريخ تطور المعارك والحروب بدأت مع «الحرب الكلاسيكية» - الجيل الأول - وفيه تم الاعتماد على قوة الرجل وما يحمله من سلاح أما «حرب الثورة الصناعية» - الجيل الثانى - فقد اعتمدت على قوة النيران فى الجبهة أكثر من القوة البشرية ثم ظهرت «حرب المناورة» - الجيل الثالث - والذى نشأ مع اتساع دائرة النار بوجود الطائرات والصواريخ بعيدة المدى لتعتمد على قوة المناورة خلف خطوط العدو أما الجيل الأحدث من المواجهات فهى «الحروب الحديثة اللامتماثلة» ففيها تظهر طرق وأساليب تفاجئ الطرف المستهدف بوسائل ليست فى الحُسبان وغير مُتوقعة. اقرأ أيضا| «الحروب الحديثة».. كابوس مرعب للجيوش النظامية وفى هذا النوع من الحروب يتم تطويع المعرفة للوصول لتكنولوجيا فائقة يصعب التحديد المسبق لأبعادها وامكانياتها، ليكون من الصعب أن ينتصر فيها الطرف المستهدف، لأنه لا يعلم بوجودها أصلاً، وأحيانا كثيرة لا يشعر فيها عندما تُشن عليه، ولكنه يلمس نتائجها.. وأشار الحلبى إلى أن منهجية الحروب اختلفت فى الفترة الأخيرة؛ فالحروب الحديثة تجاوزت أنماط حروب الجيل الرابع التى كانت تستهدف تفكيك المجتمع من الداخل وبث اليأس والاحباط لتقسيمه واحداث فتنة وبلبلة تنتهى برحيل الأنظمة، ولكن ما يشهده العالم حاليا هى أنماط الحروب الحديثة التى تعتمد بشكل رئيسى على التكنولوجيا فى تحقيق ضربات موجعة داخلية تهدد الامن القومي الداخلي لأي دولة. وأضاف ان ما حدث من تفجير أجهزة البيجر هو انتقال نوعى وتحذير شديد للعالم أجمع ان هناك أنماط جديدة مستحدثة ستكون أدوات الصراع فى الفترة القادمة ولن تكون موجهة فقط للأنظمة العسكرية كما كان يحدث مسبقا بل ستنال الحياة المدينة لإحداث إرباك واسقاط ضحايا أبرياء لإظهار بعض الدول غير قادرة على حماية امنها القومى فقد نرى تعطيل فى منظومات البنوك وكذلك شبكات الكهرباء والبورصة وبعض التطبيقات الإلكترونية لذلك من المهم توطين التكنولوجيا تصنيعها فى الوطن العربى ضرورة لتحقيق استقرار داخلى وومصر قطعت شوطا كبيرا لتوطين الصناعات التكنولوجية الهامة لأدراكها أهمية ذلك لحماية أمنها القومى. ◄ غزةوأوكرانيا نموذج مثالي يمكن اعتبار الحرب التى تجرى فى قطاع غزة والضفة ولبنان نموذجا مثاليا، يضم كل أشكال الحروب الحديثة أو الامتماثلة منذ ما يقارب العام سواء من ناحية استخدام التكنولوجيا الحديثة والهجمات السيبرانية أو العمليات النفسية أوعدم وجود مسرح عمليات واضح وثابت ففى «الحرب اللامتماثلة» يحاول الطرف الأضعف سواء كان دولة أو جماعة، تطويع ما يتوافر له من إمكانات متواضعة نسبياً لتحقيق إنجازات كبيرة، ومكاسب متعددة، بالإضافة إلى محاولته حرمان عدوه، صاحب الإمكانات الهائلة والأدوات الحديثة، من الاستفادة من تلك الإمكانات بقدر الإمكان، بالإضافة إلى القيام بتوجيه الضربات المؤثرة للعدو من خلال عمليات خاصة وحرب شوارع وفى الأماكن التى لا يتوقعها وعلى نحو يضمن زيادة حجم التأثير والفعالية فى نتيجة المعركة والتى عادة ما تكون طويلة ولا تنتهى بسرعة، كما يحدث فى «الحرب التقليدية». كما تعد الحرب الروسية الأوكرانية التى تدخل فى عامها الثالث أحد نماذج الحروب الحروب الحديثة اللامتماثلة، وقام الباحثان د.أيمن الدسوقى ورهف الخزرجى. بأعداد دراسة جديدة بعنوان «الحرب اللامتماثلة وآفاق الحرب الروسية-الأوكرانية» وقاما خلالها باختبار تأثير توظيف تكتيكات وأدوات الحرب اللامتماثلة على مسار الحرب الروسية-الأوكرانية ومستقبلها وترى الدراسة أن تلك الحرب تعد أحد أبرز الصراعات الدولية فى العصر الحديث التى تُوظف بكثافة هذا النوع من التكتيكات والأدوات اللامتماثلة. وتستعرض الدراسة بالتفصيل مظاهر الحرب اللامتماثلة فى الصراع الروسي-الأوكراني فمن ناحية، توظف أوكرانيا أدوات المقاومة المدنية وحرب العصابات والوكلاء، بينما تدعم روسيا الروس فى إقليم الدونباس وتوظف عناصر من مجموعة فاجنر العسكرية. وينخرط الطرفان فى حرب معلوماتٍ وهجماتٍ سيبرانية وضرباتٍ متبادلة بالطائرات المسيرة، ويلجأن إلى تكتيكاتٍ مشابهة مثل استهداف المدنيين والمناطق المدنية والبنية التحتية، ومنشآت الطاقة، ووسائل النقل وغيرها. واستنتجت الدراسة أنه، بالإضافة إلى تأثيرها النفسى الغالب، هناك علاقة ذات اتجاهين بين استخدام الأساليب والتكتيكات اللامتماثلة وآفاق الحرب الروسية-الأوكرانية. فبسبب كثافة توظيف أدوات وتكتيكات الحرب اللامتماثلة من قبل الطرفين، ضمن متغيرات أخرى، تحولت الحرب الروسية-الأوكرانية إلى حرب موضعية ذات طبيعة استنزافية على طول خطوط المواجهة التى تبلغ أكثر من 1000 كم، من دون أن يتمكن أى من الطرفين من تحقيق اختراق كبير فى جبهات القتال. وفي الوقت نفسه، فإن الوضع الحالى للحرب يدفع كلا الطرفين إلى مزيدٍ من الاعتماد المكثف على الأساليب والتكتيكات اللامتماثلة، وخاصة الطائرات المسيرة. وأشارت الدراسة إلى أن تحقيق نصر حاسم في الحرب الروسية-الأوكرانية يتطلب من كل طرف دمج أنظمة قتال معقدة تجمع بين المجالين التقليدى واللامتماثل. ◄ حرب الاستنزاف مع إسرائيل أول الحروب اللامتماثلة يرى الخبراء العسكريون أن حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية (1968-1970) تعتبر الظهور الأول لمنطق الحرب الحديثة أو اللامتماثلة. فمركز الثقل الصهيونى الذى أرادت مصر مهاجمته كان يتمثل فى قدرة الصمود العسكرى، وبشكل خاص قدرة الجبهة الداخلية للكيان الصهيونى على الصمود (وتعنى رغبة القتال لدى المستوطنين والدعم الذى سيقدمونه للحكومة للاستمرار فى القتال). لذا حاولت مصر إبعاد الحرب عن اختبار القدرات العسكرية للطرفين، وتوجيهها إلى اختبار القدرة على الصمود، بتأكيد حقيقة مفادها أن ثمن احتلال سيناء سيكون فادحاً. اعتمد أسلوب القتال المصرى على القصف المدفعى وشن هجمات خاطفة على قوات الجيش الصهيونى المتقدمة المنتشرة على طول قناة السويس، ليس من أجل ضرب قدرة الجيش الصهيونى على العمل أو تدمير بنيته الأساسية، وإنما من أجل إجبار الكيان الصهيونى على نشر قوات إضافية على طول قناة السويس لفترة طويلة مكونة من قوات عسكرية كبيرة مركبة من وحدات نظامية واحتياطية. وهكذا نشأ عبء على الحقل الاقتصادى وعلى التجمع الاستيطانى الصهيونى بالتدريج ولفترة طويلة كان سيؤدى إلى تآكل إرادة القتال الصهيونية. وهذا التآكل كان سيتعزز نتيجة وقوع قتلى فى صفوف الجنود الصهاينة بشكل دائم خلال روتين العمليات اليومية وليس فى إطار معارك كبيرة يوجد إلى جانبها فائدة واضحة وقد استند المصريون فى حرب الاستنزاف على فرضيتين: أولهما أن الكيان الصهيونى لن ينتقل من حرب الاستنزاف إلى حرب شاملة، ولن يعبر قناة السويس من أجل إخضاع الجيش المصرى. ثانيهما أن الكيان الصهيونى لا يستطيع الرد على مصر بنفس العملة التى تؤدى إلى إرهاقها.