على بعد 800 كيلو متر من القاهرة، وتحديدا بمنطقة المراقي المغطاة بستار أخضر من أشجار الزيتون والنخيل فى واحة «سيوة»، يعيش أحمد حجاج، صاحب ال35 عاما، وزوجته وابنته المولودة حديثا، حيث يقوم بزراعة أشجار الزيتون وإنتاج الزيوت منها إضافة إلى منتجها الزيتون، ومنذ عدة سنوات قرر أحمد الخروج من إطار التفكير الضيق بوجود وظيفة تقليدية توفر له دخلا ثابتا وآمنا وإيقاع حياة رتيبا وبدأ يستجيب للفكر الجديد بالخروج الى رحاب أوسع. ترك عمله كمخرج فى التلفزيون وجاء إلى «سيوة» ليبدأ مشروعه الخاص بزراعة الزيتون، ومن ثم إقامة مشاريع تكميلية مثل إقامة «معصرة» لإنتاج زيت الزيتون، ومع مرور عدة سنوات بدأ فى جنى محصول ما تم غرسه من أشجار، وهو ما مكنه فيما بعد فى تحقيق أرباح مالية معقولة من عمله فى الموسم السنوى لعصر الزيتون، الذى يبدأ من منتصف سبتمبر حتى نهاية ديسمبر كل عام، وبهذه المبالغ يستطيع العيش طوال العام وتوفير احتياجات أسرته، وكذلك تطوير مزرعته سواء من الناحية الزراعية أو أدوات الإنتاج والتصنيع. لكن بسبب موجة حر شديدة تعرضت لها دول منطقة البحر المتوسط بداية من 2021، تمكن أحمد من تحقيق أرباح - من الناحية النظرية عالية - حيث ضربت الحرارة محصول الزيتون فى كل دول المنطقة التى يحتل أغلبها صدارة الدول التى تزرع الزيتون وتنتج زيوته، لكن من العملية هى أرباح أقل من سابقاتها حيث انخفضت كميات الإنتاج بدلا من زيادتها. ◄ زيادة مفاجئة بدون مقدمات زادت أسعار زيت الزيتون في العالم كله وبالطبع هنا أيضا فى «مصر» بشكل مجنون جدا، وأصبحت تكلفة هذا النوع من الزيوت الذي حصل على لقب «الذهب السائل» فى «إلياذة هوميروس» و«ذهب الصحراء» فى بعض الحكايات الشعبية العربية، باهظة لدرجة قد تجعل أى شخص يفكر كثيرا كلما قرر أن يضع قليلا من زيت الزيتون على الطعام، فهل يستمر هذا الانفجار في أسعاره؟!.. وما السبب وراء ذلك؟! بداية هذا الجنون كانت تحديدا فى سبتمبر من العام الماضي، حيث وصلت الأسعار إلى أعلى مستوى لها، حيث ارتفعت بنسبة 117% لكنه ارتفاع «سنوي» - أى على مجمل العام كله - بعد أن كان سعره فى عام 2019 أرخص من ذلك 7 مرات، وحتى الآن ومازال باقياً على نهاية العام أقل من شهرين فإن الوضع ازداد سوءا، حيث زادت الأسعار حتى الآن بنسبة 45% عن أسعار العام الماضي، وبلغة الأرقام أيضا ووفقا للبيانات التى حصلت عليها «آخرساعة» من «المجلس الدولى للزيتون»: فإن الإنتاج العالمى من الزيتون قد انخفض من 3٫42 ملايين طن فى عام 2022 إلى 2٫57 مليون طن فى عام 2023، وهو انخفاض بنحو 25% وبالنظر إلى البيانات التى أرسلتها الدول الأعضاء فى الاتحاد البالغ عددها 37 دولة، فمن المتوقع أن يشهد الإنتاج تراجعا جديدا مع نهاية عام فى 2024 إلى 2٫41 مليون طن. وأدى هذا الوضع إلى ارتفاع كبير فى الأسعار، بنسبة تراوحت بين 50% إلى 70%، حسب الأصناف المختلفة خلال العام الماضي.. وعلى سبيل المثال فإن «إسبانيا» التى تنتج نصف زيت الزيتون فى العالم، تضاعفت الأسعار ثلاث مرات منذ عام 2021 حتى الآن، كما أن أكثر من 90% من إنتاج زيت الزيتون فى العالم يأتى من حوض البحر الأبيض المتوسط، ومع ذلك فإن هذه المنطقة توصف بأنها «نقطة ساخنة» لتغير المناخ، حيث تشهد زيادة فى الحرارة بنسبة 20% أسرع من المعدل العالمي. ◄ اقرأ أيضًا | المستوطنون يقتلعون أشجار الزيتون ويمنعون المياه عن أراضي الفلسطينيين| صور ◄ الإنتاج انخفض ويقول صبحى عثمان رحومه، رئيس مجلس إدارة جمعية منتجى الزيتون بمطروح، إن إنتاج الموسم الحالى أقل من الموسم الماضى بحوالى 40%، وأقل من المواسم الاعتيادية 20%، ومما لا شك فيه أن تغيرات المناخ كانت السبب الرئيسى وراء نقص الثمار حيث أثرت قلة البرودة وزيادة درجات الحرارة فى هذا الأمر، وتسبب هذا الأمر فى ارتفاع أسعار زيوت الزيتون على مستوى العالم بالتوازى مع زيادة الطلب من قبل الدول التى لا تنتج هذه الأنواع من الزيوت، فلجأت إلى الاستيراد من مصر وتونس فارتفع السعر إلى تلك المؤشرات الحالية، ناهيك عن أن «المجلس الدولى لزيت الزيتون» رفع التصنيف الثالث من الزيت الذى 80% من الشعوب العربية تستخدمها فتأثر سعر الزيت عن العام الماضي، حيث قرر المجلس الدولى للزيتون» إزالة «زيت الزيتون البكر العادي» من المعيار التجارى اعتبارا من بداية من عام 2026. ويدعو إلى التعاون بين جميع الجهات ذات العلاقة والاختصاص من القطاعات الحكومية والخاصة، والعمل على إعادة النظر فى المواصفات القياسية المحلية، وذلك تفاديا لأية أضرار اقتصادية ومعنوية قد تلحق بمزارعى ومنتجى زيت الزيتون. ◄ تأثيرات المناخ هنا يقفز إلى الذهن والعقل عبارات «تأثيرات المناخ»، و«انخفاض الإنتاج»، و«زيادة الطلب»، و«التضخم» على أسعار زيت الزيتون، فما هى العلاقة وكيف كان للتغيرات المناخية وزيادة درجات الحرارة بانخفاض الإنتاج والتضخم إذا ما تجاوزنا نقطة «زيادة الطلب»، فى مواجهة الاحترار المناخى الذى يؤثر على المحاصيل ويؤدى لارتفاع الأسعار، يضاعف منتجو زيت الزيتون جهودهم لتطوير حلول، بالتواصل مع مجتمع العلماء، بما يشمل تحسين الري، واختيار أصناف جديدة، ونقل المزروعات إلى مواقع أكثر مقاومة لتبعات تغير المناخ، ومنذ نحو 16 عاما تشهد مصر احترارا غير مسبوق، حيث تعد السنوات الأخيرة الأكثر احترارا فى تاريخها.. وشهدت مصر أكثر أربعة أعوام سخونة على الإطلاق فى تاريخها فى عام 2021، وعام 2010، الذى احتل المركز الأول، وعام 2018، الذى جاء فى المرتبة الثانية، و2016، الذى حل ثالثًا. ◄ حدوتة مصرية قصة الزيتون فى مصر، مُمتدة لخمسين عامًا وحتى الآن، وشهدت نهضة هائلة مكنتنا أن نصبح الدولة الأولى عالميا فى إنتاج زيتون المائدة فى 2020، حيث أعلن وقتها المجلس الدولى للزيتون أن مصر هى الأولى عالميا فى إنتاج زيتون المائدة، حيث أنتجت 610 آلاف طن وتفوقت على إسبانيا التى أنتجت وقتها 500 ألف طن فقط، وأظهرت نشرات التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن صادرات مصر من الزيتون فى الفترة من يناير حتى مايو 2022 تخطت 30 مليون دولار، مقارنة بمبلغ 18 مليون دولار عن نفس الفترة من عام 2021. هذه القصة بدأت فى مطلع السبعينيات وارتبطت بواحدة من أهم مراحل التاريخ المصرى ألا وهى حرب السادس من أكتوبر 1973، والمقولة الشهيرة للرئيس الراحل أنور السادات : «الأرض لمن يزرعها».. فبدأ التوجه العام فى الزراعة - وكانت الوجهة هى الأراضى الصحراوية وكان الاختيار هو «الزيتون»، لعدة أسباب حيث شتلة الزيتوت فى ذلك الوقت لم يكن سعرها يتجاوز الخمسين قرشا، ولا يحتاج إلى تكلفة عالية فى رعايته فضلا عن قلة استهلاكه للمياه، وبالتالى انتشرت زراعته.. وكانت المرحلة الأولى أن إنتقلنا من رزاعة 4.2 ألف فدان حتى وصلنا فى عام 1986 إلى حوالى 9.3 ألف فدان ثم وصلنا إلى 33 ألف فدان فى عام 1996 .. وبحلول 2006 وصلنا إلى 50 ألف فدان تقريبا، إلى أن جاءت قوة الدعم الكبرى أو الطفرة الثانية فى عام 2015 حيث تم إطلاق البرنامج القومى للوصول إلى زراعة 100 مليون شجرة زيتون بحلول عام 2020، واعتمده الرئيس عبد الفتاح السيسى تحت اسم مشروع أغصان الزيتون السبعة. ◄ الأماكن السبعة الدكتور عادل خيرت، رئيس المجلس المصرى للزيتون، عضو استشارية المجلس الدولي، يقول إن البرنامج الرئاسى الخاص بالتوسع فى زراعة الزيتون بدأ فى عام 2015، وتم اعتماد «مشروع أغصان الزيتون السبعة» للوصول بزراعات الزيوت إلى 100 مليون شجرة يتم زراعتها على مساحة 490 ألف فدان، والمشروع تم عبر اختيار سبعة أماكن لزراعة أشجار الزيتون فى شمال سيناء وجنوب سيناء وطريق القاهرةالإسماعيلية وطريق القاهرةالإسكندرية والساحل الشمالى والواحات سيوة والفرافرة ومنطقة طريق الصعيد الغربي، والمشروع عبارة عن مناطق وكل منطقة مكونة من 10 آلاف فدان تتم زراعتها بأشجار الزيتون، وتضم أيضا مجمعا سكنيا للعاملين ومنطقة صناعية من أجل إقامة مصنع زيتون ومصنع زيتون مائدة ومصانع تكميلية. أضاف، لكن خلال الأربع سنوات الأخيرة بدأ يحدث «التدهور» فى «كمية الإنتاج» نتيجة المتغيرات المناخية على الرغم أنه فى المقابل استمر العمل فى المشروع حيث وصلنا اليوم إلى زراعة ما يقرب من 60 مليون شجرة وتحتاج شجرة الزيتون إلى 3 سنوات لكى تبدأ فى طرح إنتاجها، لكن التغيرات المناخية كان لها تأثيرها الذى لا حدود له على مستوى العالم كله، وللعلم فإننا فى سنة 2022 وصلنا إلى زراعة 300 ألف فدان وهو نفس الرقم الذى وصلنا له فى العام الحالي، وأكبر مساحة مزروعة فى البحيرة وتحديداً فى النوبارية ووادى النطرون ثم سيناء «شمالها وجنوبها» ثم مرسى مطروح، وفى «طريق القاهرة - الإسماعيلية» والفيوم وطريق أسيوط الغربى حتى مشروع غرب المنيا. ◄ نصيب الفرد وفيما يخص نصيب الفرد كاستهلاك سنوى فى «زيتون المائدة»، قال إن مصر من أولى دول لعالم ويصل نصيب الفرد إلى حوالى 4.5 كيلوجرام فى السنة، فى حين أن نصيبه من «زيت الزيتون» لا يتجاوز 200 جرام فى السنة، وذلك لأن ثقافة استخدام زيت الزيتون فى المائدة المصرية لم تنتشر بشكل كافٍ حتى الآن، علما بأنها تعتبر متزايدة، ففى بداية الألفية كان إنتاجنا حوالى 2000 طنا زيت سنويا واليوم وصلنا إلى انتاج 40 ألف طن زيت، و بالتالى يمكن اعتبار أن ثقافة استخدام زيت الزيتون فى زيادة، وتراجع الإنتاج بسبب تأثير تغير المناخ العالمى أدى إلى انخفاض رهيب على مستوى دول العالم.. فعلى سبيل المثال اليونان انخفض إنتاجها بواقع 60% ودول الاتحاد الأوروبى بواقع 40% وتونس والمغرب بواقع 50% وكذلك مصر بواقع 50% وقد تصل إلى 60%، وهذا النقص سوف يؤدى إلى زيادات غير مسبوقة فى أسعار زيت الزيتون بشكل عام وزيت المائدة بشكل خاص، والأسعار فى مصر حدث ولا حرج حيث وصل السعر إلى حوالى 600 جنيه للتر بعدما كان لا يتجاوز حاجر 300 جنيه. وعن أشهر أصناف الزيتون المحلية المزروعة بمصر، قال إنها الكروناكى والتفاحى والعجيزى الشامى والحامض وهو صنف محلى منتشر بواحة سيوة والعريش والوطيقن والمراقى، كما تتميز مصر بأن لديها جميع أصناف الزيتون التى تزرع فى دول حوض البحر المتوسط وهى الدول الأولى فى العالم فى إنتاج الزيتون وزيوته - فهناك الكلاماتا اليونانى ودولسى وهو من الأصناف الفرنسية، وكوراتينا من الأصناف الإيطالية التى ثبت نجاحها فى مصر من حيث الإنتاج وجودة الزيت كما ونوعا، وأربيكوين من الأصناف الأسبانية وشملالى وهو صنف تونسي، وحاليا فإن الإنتاج المصرى يصل إلى 40 ألف طن، ووصل حجم التصدير عام 2023 إلى 37 مليون دولار تقريبا، وبمشيئة الله عندما نصل إلى المراحل النهائية من المشروع القومى وتكامل كافة عناصره زراعيا وصناعيا فإن صادرات مصر من الممكن أن تصل الى 2 مليار دولار فى ظل تزايد ثقافة الوعى الصحى والطبى والغذائى والزراعى بأهمية الزيتون ومنتجاته.