أى قانون هذا الذى يحول طفلة بريئة إلى وحش يسعى للانتقام من أقرب الناس إليه، من ذاك المشرع الذى ارتضى أن يضع العراقيل متعمداً فى طريق صغيرة، لا حول لها ولا قوة ليطمس فرحتها ويحول لهفتها إلى كتلة من الكره ورغبة فى الانتحار؟!. كانت سعادتها طاغية عندما أخبرتها أنها ستكون برفقتى لزيارة بيت الله الحرام لأداء مناسك العمرة، شاهدتها تمرح وتفرح وتتواصل مع الجميع لتزف لهم ذلك الخبر المفرح، هى صغيرة لم يتجاوز عمرها ال 12 عاماً، لكنها تملك قلباً وعقلاً كبيرين، فهى صديقتى ورفيقتى وحبيبتى بعد انفصالى عن أبيها.. تعاملنى كأنها أمي، ترتب لى المنزل، وتوقظنى للصلاة، وتدون لى مواعيد ذهابى للعمل وعودتى منه، تصطحبنى عنوة إلى النادى حيث موعد رؤية أبيها لها، تصر على أن نجلس معاً نتناول الغذاء رغم انفصالنا منذ 4 سنوات، لكنها حريصة على أن تكون الرؤية زيارة عائلية وليست تنفيذاً لحكم القاضي. تعمدت أن تكون صورة أبيها نقية دون شوائب عندما كنت أتحدث عنه معها، رغم ما عانيته معه من ضرب وإهانة وتشهير وتشويه للسمعة وتقليل وعدم احترام.. اقرأ أيضًا| تحذير من سيول ورياح مثيرة للأتربة على مكةوجدة هى تحبه كذلك، تتواصل معه يومياً، تجعله يشاركها فى كل شيء، حتى ملابسها تختار ما يعجبه هو فقط حتى لو كان رأيى ضده، دائماً ما كانت تدعوه لزيارتنا، لكننى كنت أقف حائط صد أمام ذلك، فتغضب مني، ثم تعود سريعاً وتحتضنني، مدركة لمخاطر ذلك لكوننا منفصلين. وجودها معى كانت معركة شديدة استخدم فيها أبوها كل الأسلحة «الفاسدة» ليقتلعها من حضانتي، ادعى زوراً خيانتى له، تلاعب بصورى الخاصة، أراد تشويه سمعتى ليقنع الجميع أننى لست أمينة عليها، حاول معها كثيراً ليثنيها عن قرارها بالعيش معي، أغراها بالمال والسفر والألعاب والزينة وكل ما يملك، لكنها فى النهاية اختارتني، وحكم القاضى لصالحي. لم ينس طليقى كل هذا، انتظر ليقتنص الفرصة وينتقم مني، لكنه لم يدرك أن هذا الانتقام هو من ابنته، التى تحبه أكثر من نفسها وتسعى دائماً فى كل مناسبة إلى لم شملنا مرة أخرى لتعيش وسط أبويها. بمجرد أن أخبرتها أنها ستسافر معى إلى السعودية لأداء فريضة العمرة، لم تفكر كثيراً رغم فرحتها الطاغية، أسرعت إلى الهاتف، اتصلت بأبيها وأعلمته وهى سعيدة، حتى أنها دعته ليسافر معنا.. كنت أراقب حركاتها وهى تتداول معه الحديث، من فرحتها كانت تجلس على المقعد ثم تتركه وتهرع إلى الصالة، بعدها تغادرها وتستقر على فراشها، كانت تقص له حلمها عندما رأت نفسها أنها أمام الكعبة ممسكة بيدينا. بمجرد أن أنهت اتصالها سألتها ماذا كان رد فعل أبيك؟ قالت والسعادة تغمرها «بابا فرحان يا ماما، مبسوط أن حلمى بيتحقق، أنا سعيدة ونفسى بابا يكون معانا فى زيارتنا لبيت الله الحرام» توسمت خيراً من كلامها ورد فعل والدها، تمنيت أن تكون أبويته قد طغت عليه وطمست حقده، وأنه لن يقف فى وجه سعادة ابنته وسيوافق على سفرها معى للعمرة.. قررت أن أتغاضى عن مأساتى معه.. تواصلت لبدء إجراءات جواز السفر لابنتنا، طلبت بطاقته.. لكن كالعادة القلوب السوداء لا تصبح بيضاء فجأة، عاد بذاكرته إلى الانتقام الذى أعتقد أنه لم يفارقه طوال الأربع سنوات الماضية. قابل طلباتى بسخرية، وهددنى بإسقاط حضانة ابنتي، ثم أسرع إلى الجهات المختصة وحصل على قرار يمنع سفرها إلى الخارج حتى ولو كان لأداء فريضة الله.. طالما أنه لم يوافق. حقيقة ما فعله لم يفاجأني، أنا أعرف جيداً ما يضمره عقله وقلبه لي، لكن من حقى أن أتساءل كيف يقف فى وجه سعادة ابنته، لماذا يحرمها من حلمها ؟!، كان عليه أن يكمل فرحتها، ولا يقف فى طريقها، كنت أتمنى أن يضع شروطاً وسأوافق عليها، سأمنحه كافة الضمانات بالعودة إلى مصر بعد انتهاء العمرة.. تأشيرة السفر محددة المدة، لكنه اختار غروره وارتمى فى غيابات انتقاماته التى لا تنتهي. كان خبر منعها من السفر بمثابة الكابوس الذى لا يفارقني، لم أستطع أن أخبرها بما فعله والدها، خشيت عليها من الحزن، قررت أن ألغى سفرى وتحججت بمرض أصابني، علها تقتنع، لكن الأمور خرجت عن السيطرة. تلقيت اتصالاً من المدرسة، لقد سقطت ابنتك مغشية عليها وتمت إفاقتها، وهى مصممة على حضورك لأخذها للمنزل، هناك علمت بما حدث،، أخبرها زميلها وهو قريب لي، أن والدها هو من منعها من السفر لأداء العمرة، شرح لها ما حدث، وأن والده حاول إقناع أبيها بعدم اتخاذ هذا الإجراء لكنه صمم خشية أن تهربى مع والدتك، ولا تعودى إلى مصر مرة أخري. آثرت الصمت وحاولت إقناعها أن هذه ليست الحقيقة، لكنها لم تقتنع، وألقت بنفسها فى حجرة نومها، بل وحاولت الانتحار من النافذة لولا شقيقتى التى أنقذتها فى آخر لحظة. كانت حالة ابنتى النفسية صعبة، ظلت أيام لا تتحدث مع أحد، أما والدها فقد توقفت عن الحديث والتواصل معه، حاول كثيراً معها عبر زملائها لكنها رفضت وأخبرتنى أنها ليس لها أب، وأن موعد الرؤية لن تحضره مرة أخري. حقيقة لم أصمت أمام مأساة ابنتي.. قررت اتباع القانون الذى أراه سبباً رئيسياً فيما يحدث.. أقمت أمر ولائى أمام قاضى الأسرة للسماح لابنتى بالسفر معى لأداء العمرة فأنا لن أقف مكتوفة الأيدى أمام ما يحدث لها، لكن فى النهاية كان عليّ أن أتساءل من أعطى القانون حقاً فى تقييد حق طفلة وقتل فرحتها، من جعله رقيباً على أسرة يمنع ويمنح من يشاء، أما آن لهذا القانون أن يتغير.