ليس من حق أحد أن يلومني، أو يتهمنى بالضعف والغدر، أنا مسئولة عن قراري، أتخذته وأنا بكامل قواى العقلية، درست عواقبه جيدًا، وأعلم أننى بسببه سأعانى سنوات وسنوات، وستبيض عيناى من الحزن، على فراق عمرى وحبيبى الأول والأخير، لم أستطع إخباره أننا قد افترقنا، وأصبحنا غرباء عن أنفسنا، ولن يجمعنا سقف واحد بعد اليوم،.. لذلك اخترت أن تكون النهاية بحكم القاضي، فكلانا لن يتخذ قرار الفراق مهما بلغت المشاكل. تغنى شباب وفتيات القرية بقصة حبهما، ظل يتساءلون فى حيرة من أمرهما، لماذا ذلك الفتى المهذب المثقف، يعشق تلك الفتاة المجنونة، الأقل منه تعليماً ؟!، هو مازال يضحى بكل شيء من أجل أن تكون شريكته فى الحياة . . لقد دافع عنها أمام الجميع، حارب عائلته من أجلها، كانوا يدفعونه للزواج من فتاة ثرية ذات تعليم عال ونسب كبير، لكنه ارتمى فى حضن تلك الفاتنة البسيطة»بائعة الفاكهة « وتناسى كل الفوارق بينهما على أمل الزواج بها، كان يراها محبوبته التى ستشاركه أحلامه وطموحاته، يهرع إليها كالطفل الباحث عن لعبته المفضله، يظل يراقبها بعينيه كلما مر من أمام منزلها، خطاباته ورسائله إليها لاتتوقف، حتى إنه خصص جزءاً من راتبه لشراء هدايا لها، ظل على ذلك الحال ثلاث سنوات، يناطح أهله لإقناعهم بالزواج منها، وهى كذلك كانت تبادله نفس التضحيات. فقد رفضت كل من تقدم للزواج بها، وتمسكت بأمل الارتباط بذلك الفتى الشجاع من وجهة نظرها، اتفق الطرفان على كل شيء، تعاهدا أن يستمرا معا طوال حياتهما، وضعا خطتهما، التى أتت بثمارها سريعا فقد خضعا أهليهما ووافقا على زواجهما، مرت شهور الزواج الأولى بسعادة وفرح بالغين، أخذا يخططان كيف سيكون اليوم التالي.. كانا يحلمان بأسرة سعيدة يرزقان فيها بطفلين أو ثلاثة، حتى أنهما اختارا المدارس التى سيرتدونها، والجامعات التى سيتخرجون فيها . . لقد دونا كل شيء بالصوت والصورة، بدأت ملامح الحمل تظهر على الزوجة بعد انتهاء الشهر الثالث من زواجهما، ابتهج الزوج وشعر أن كل شيء حلما به يتحقق أمام عينيه.. اقرأ أيضًا| بعد 57 عام.. شهيد يطل بجثمانه ويدفن في مراسم رسمية بالإسكندرية جاءت المولودة وأسمياها أمنية، كبرت حتى صارت عمرها عام كامل، لكن فجأة ارتفعت حرارتها، حملها الأب وأسرع بها إلى الطبيب، أخبره إنها بحاجة إلى عناية مركزة، تم وضعها تحت ملاحظة الأطباء، وبعد ثلاثة أيام فارقت الحياة، نزل الخبر كالصاعقة على الجميع، ظن الأبوان أن ماحدث كان كابوساً، اعتراهما الحزن لأسابيع متواصلة، حتى نجحا فى تجاوز مأساتهما وبدأ فى البحث عن مولود جديد، شهور قليلة وجاءت البشري، أخبرت الزوجة زوجها أنها حامل، مرت الشهور التسعة ووضعت المولود، جاء هذه المرة طفل جميل أسمياه معاذ، أخذا يتحوطاناه من كل سوء، متابعات مستمرة عند الأطباء ومحظورات كثيرة وضعوها فى حياتهما للحفاظ عليه، لكن شاء القدر أن يكون له القول الفصل، مرض الطفل مرضاً شديدًا، ارتفعت حرارته، وبدا غير قادر على الحركة، نفس الأعراض التى مرت بها ابنتهما السابقة، بدا يشعران بقلق شديد، تعاهدا على إنفاق مالديهما من أموال من أجل أن يعيش ذلك الطفل، لكن مرت الأيام والأسابيع دون تحسن حالته، احتاج إلى عناية مركزة .. ساعات وفارق الحياة، وعادا الأبوان إلى حجرتهما المظلمة مرة أخرى يتناوبان حزنهما، لم يكن من السهولة الخروج من حزنهما بنفس السرعة التى خرجا بها بعد وفاة مولودتهما الأولي.. نفس المأساة تتكرر أمام عينيهما وهما عاجزان عن معرفة السبب.. لم يرد الزوج أن تستمر زوجته فى حزنها المتواصل، لقد هزل جسدها واحتلت الهالات السوداء عينيها ..فطن إلى مخرج سريع لعله يبعد زوجته عن حالة الحزن التى تعيشها.. أخبرها أن الطبيب طلب منه اجراء فحوصات طبية لمعرفة أسباب مرض طفليهما وموتهما السريع، توسمت الزوجة خيرا، لكن شاءت الظروف أن تعود مرة أخرى لحجرتها المظلمة، أثبتت التحاليل أن هناك مرضاً جينياً لدى الزوجة يمنعها من إنجاب أطفال أصحاء، شعرا الزوجان بالصدمة، أدركا أن حبهما الأبدى قد اقتربت نهايته، هناك سبب يدفع أحدهما إلى ترك الآخر من أجل أن يستكمل الثانى حياته سعيدا مع أسرته وأطفاله، تيقن الزوج لحزن زوجته، طمأنها أن لكل داء دواء، وبدا معها رحلة علاج طويلة استمرت 5 سنوات، لكن دون جدوي.. خسر أموالهما وصحتهما، ليقرر الزوج بعدها السفر إلى إحدى دول الخليج للعمل وتوفير النفقات لعلاج زوجته، كان ذلك الزوج يملك الأمل دائما لعشقه الشديد لزوجته، أما هى فقد أصابها الإحباط، مرت سنوات من العلاج ولانتيجة حتى الآن، تحذيرات الأطباء تتوالى بمنع الإنجاب أو التفكير فيه، تملك اليأس الزوجة، أصابها الحزن وهى ترى الأمل يموت أمام عينيها، وزوجها فى الغربة يكافح ويرسل الأموال من أجلها، فكرت كثيرًا بمفردها، أعادت شريط ذكرياتها مع زوجها، شاهدت بعينيها كيف ضحى ومازال من أجل أن تكون زوجته سعيدة، فقد عاند أهله، وسافر للخارج حتى يوفر نفقات علاجها، قررت أن تكتب نهاية لقصة حبهما، اختارت أن تسعد زوجها وتضحى من أجله كما ضحى كثيراً من أجلها.. توجهت إلى محكمة الأسرة بدمنهور وإقامة دعوى خلع، وقدمت للقاضى كل التحاليل التى تثبت أنها غير قادرة على إنجاب أطفال أصحاء بسبب مرض جينى أصابها، وأنها تريد الانفصال عن زوجها والتنازل عن كافة حقوقها.. كانت حريصة على أن كل خطواتها تتم سراً، اتفقت مع شقيقها الذى كان يقيم مع زوجها فى الغربة على تسلم كل إعلانات المحكمة والتى تأتى عبر القنصلية، فى حين كانت كل إعلانات الداخل تتسلمها بيديها نيابة عن زوجها حتى يعلم أنها أقامت دعوتها، مرت الأيام وانعقدت الجلسات ..و جاء موعد النهاية.. ليصدر القاضى حكمه بخلع زوجها.. وقتها شعرت الزوجة بالراحة، وأيقنت أنها فعلت الصواب، وأن زوجها سيتقبل كل ما أقدمت عليه بصدر رحب ..فقد تخلت عن سعادتها فى سبيل أن يرزق بزوجة ثانية تنجب له الأطفال.