عرفت زوجتى منذ الطفولة، فهى ابنة عمتى التى تعرّفت عن قرب على نشأتها وطباعها وطريقة تفكيرها بشكلٍ جعلنى أختارها كزوجة عن حب واقتناع ولم نحتج إلى الوقت الذى يأخذه الآخرون للتعارف، كما كان التفاهم والاتفاقات غير المشروطة هى سمة مرحلة تحضيرنا للزواج رافضين الفرمانات الموروثة بأن المطبخ على العريس والصينى على العروسة.. إلخ، حتى حفل زفافنا كان عبارة عن مباراة من طرف واحد.. فكل المعازيم أقاربنا سوياً، حتى المأذون كان معرفة. أما عيوب قرابتنا فتمثّلت فى كونى كتاباً مفتوحاً أمامها، فلا تخلو ذاكرتها أو ألبوم صور والدتها من صورة لى دون أسنانى الأمامية بلباس البحر، أو صورة الإعدادية الرائعة بشعر مصفف على الجنب وشنب صغير لم يحن وقت قطافه!.. بجانب افتقادنا لبعض الذكريات الرومانسية التى يعيشها غير الأقارب مثل النظرة الأولى واللقاء الأول وأن أكون أنا كحماقى: سرها، ونقطة ضعفها.. فلقد كنت أنا الحاجة اللى عرفها الناس كلها. وبدأت رحلة زواجنا بداية مختلفة، تحملّتنى كثيراً فى بداية حياتى العملية كطبيب والتى كانت تستلزم إقامتى الكاملة بالمستشفى لأعود لمنزلى نصف يوم أسبوعياً، ولكم أن تتخيلوا ما قد أفعله فى نصف يوم بعد أسبوع كامل من التعب والإرهاق سوى الخلود إلى نومٍ عميق.. وصراحةً كان دورها كبيراً فى التخفيف عنى وتشجيعى، ولم تكن يوماً سبباً لزيادة الضغوط عَلىّ. مرَّت السنين واستقرّت الأحوال وجاء العيال وطارت راحة البال!.. فقد تخطيت الأيام الصعبة فى عملى وزادت تدريجياً أوقات وجودى بالمنزل ومشاركتها الحياة، ورزقنا الله بطفلتين تعاهدنا أن نحافظ عليهما كجوهرتين فى حياتنا صفةً واسماً (فريدة) و(غالية).. ولكن بعد مجيئهما تبدلَّت الأدوار تماماً وأصبحت هى فى قمة الانشغال باحتياجاتهما التى تزيد مع مراحلهما العمرية المختلفة، ذلك بالإضافة إلى طلباتى التى لا تنتهى، فأخذتها تلك الحياة وهى بكل بساطة تعتبر ما تفعله هو حال كل أم.. وأصبح دورى أنا الآن أن أتحمَّل وأن أساعِدها وأشجعها بجانِب مشاغلى، ولا أخفيكم سراً أننى دائماً ما أجد فى نفسى أنانية الرجال التى تجعلنى أبحث دائماً عن راحتى، ذلك بعيداً عن بعض محاولاتى للمساعدة بقضاء وقت مع البنات أو إصلاح بعض التلفيات بالمنزل وأشياء أخرى غالباً ما تبوء بالفشل. تمر بيننا أيام من السعادة وأخرى من الحزن أو الفتور والمناوشات ولكن رغم كل شىء نستمر، لا نتحمل الزعل سوى للحظات ننسى بعدها كل شىء، تتحملنى مهما فعلت ولا أبعد عنها مهما كانت الأسباب.. لم أعرف سر هذا لفترة طويلة ولكن الآن بعد ثمانى سنوات من الزواج توصّلت إلى السبب.. إنها المصارحة والصداقة التى تعاهدنا عليها.. تجعلنا نقترب بلا حواجز، نتكلم بلا محاذير، نسامح مهما حدث.. إنها الرغبة فى حياة سعيدة لنا ولأولادنا.. وتصميمنا أن نتحمَّل كل شىء من أجل هذا الهدف. زوجتى الحبيبة وصديقتى العزيزة.. بدونك ما كانت حياتى جميلة، بل أنتِ كل الحياة.