span style="font-family:"Arial","sans-serif""هذه المرة طلب البروفيسور محمود من الحضور بعد أن حياهم أن يقفوا دقيقة ليس حدادا، ولكن تبجيلا وتقديرا لبطل الليلة. وقفوا جميعا وقد ازداد شوقهم لمعرفة من يكون! span style="font-family:"Arial","sans-serif""دارت الشاشة، رجل ستيني يرتدى ملابس المعركة، ملثم، يجلس هادئا على أريكة، تقترب منه الكاميرا، جراحه تنزف دما، ذراعه تبدو مبتورة، ربطها بسلك حتى يخف النزف، رجله اليسرى مصابة أيضا، الهدوء لا يتناسب مع حجم الإصابة، يندهش الحضور، لا تعبير عن الألم، ثبات لم يعهدوه من قبل، تقتحم طائرة مسيرة هذا البيت المحطم وتقترب منه، تزداد شهقاتهم حينما يفاجئون بيده السليمة وقد رمت بعصاة على الطائرة!. ينقطع البث ليعود وقد تلقف آلاف من الأشبال والشباب هذه العصا. span style="font-family:"Arial","sans-serif""من أي فيلم هذا المشهد؟ من هذا الممثل؟ لم يروه من قبل؟ ومن المخرج البارع الذي أخرج هذا المشهد؟! span style="font-family:"Arial","sans-serif""ربما تجول هذه التساؤلات بداخلكم، وأصدقكم القول لو لم أقرأ مذكرات منتصر، وأبحث في كتب التاريخ لظننت أنها مشهد من فيلم قديم. نظرات دهشة وأصوات تتردد، بطل الليلة تعني؟! span style="font-family:"Arial","sans-serif""هو؟ span style="font-family:"Arial","sans-serif""يحيى هو، وكأنه خلق ليحيا. وتلك رميته التي صارت مضربا للأمثال. يقول منتصر الفلسطيني هذه الليلة لا أدرى هل أفرح بختام صاحبها، أم أحزن لفقده، حقا هو رجل بأمة. كنا صغارا، لم يكن يقبل بالهزيمة ولا حتى في اللعب، خرج علينا ذات يوم ممسكا بعصا يعرفها أهل المخيم span style="font-family:"Arial","sans-serif"": لم تمسك بعصا جدك يا يحيى؟ span style="font-family:"Arial","sans-serif"": لقد أهداني إياها يا عماه span style="font-family:"Arial","sans-serif"":هذا الشبل من ذاك الأسد span style="font-family:"Arial","sans-serif""يحييه الرجل ويغادر المكان span style="font-family:"Arial","sans-serif""نسأله أحقا أعطاك جدك هذه العصا التي لم تغادر يده أبدا؟ span style="font-family:"Arial","sans-serif"":نعم. كنت أتشاجر مع محمد وهممت برفع العصا عليه لإخافته، نهرني جدي وأمسك بالعصا، شعرت بقوته وهو يستخلصها مني span style="font-family:"Arial","sans-serif"" قال: لا تستقو على أخيك، وهذه العصا لا ترفع إلا على عدو، هذه العصا نزلت على رأس أكثر من جندي من جنود العدو! span style="font-family:"Arial","sans-serif""ماذا؟! جدك في هذا العمر ويستطيع.. span style="font-family:"Arial","sans-serif""نعم أخذ جدي يحكي ويحكي عن كفاحه وحتى الآن. لكنه اختصنا بها دون غيرنا. span style="font-family:"Arial","sans-serif""خرجنا ذات يوم نحمل الحجارة لنرمي بها العدو الذي اقتحم مخيمنا، يقول منتصر، من يصيب العدو برمية قوية يصير الزعيم، كنا نتسابق في جمع الحجارة، هيا يا يحيى أنت أقوانا في إصابة الهدف، التقط بعض الحجارة والحق بنا. نظر إلينا ساخرا، لقد كبرت على هذا، اليوم سألتحم معهم بعصا جدي. span style="font-family:"Arial","sans-serif""لكنك ستقترب وتمكنهم منك. قلت له. span style="font-family:"Arial","sans-serif""يجب على المقاتل أن يطوِّر أسلحته. يرد يحيى. span style="font-family:"Arial","sans-serif""لكن يا يحيى.. span style="font-family:"Arial","sans-serif""لم يقف لنكمل تحذيرنا وهجم على جمع من الجنود من الخلف وصوب على أيديهم وأذرعهم، وصلت إلينا الصرخات وتلقفنا العصا التي قذفها يحيى حين أحاطوا به. span style="font-family:"Arial","sans-serif""بعد عامين عاد إلينا وعادت إليه عصاته، لم نعد نلتقي كثيرا، لقد انشغل بتطوير أسلحته، صار له شأن كبير في المقاومة، دعانا للانضمام وانضممنا ومن حين لآخر تجتمع شلتنا وهو معنا وعصا جده يتكئ عليها ويذكِّرنا بأنها لن ترفع إلا على عدو. نسخر منه: يا يحيى، تجيد استخدام أنواع الأسلحة المختلفة ومازلت ممسكا بالعصا؟! أتظنها عصا موسى؟! ضحكات تتردد في المكان :لا أدرى،ربما!. span style="font-family:"Arial","sans-serif""صار اسم يحيى مرعبا لجواسيس العدو، لا رحمة ولا شفقة في التعامل معهم. إنه يشكِّل خطرا كبيرا على العدو، ترصدونه حتى تمكنوا منه،. يتوقف بروفيسور محمود ويعود ليعرض عدة صور ليحيى في مراحل عمره المختلفة، ثم يوقف الشاشة على صورة معينة ويعود ليكمل. في هذا العمر خرج يحيى من السجن، اثنان وعشرون عاما قضاها في سجون الاحتلال، يقول منتصر، كل منا كوّن حياة خاصة به إلا يحيى، قضى شبابه بين أيدي العدو، لم يضعف ولم يلن، تعلم لغتهم وفهم كيف يتعامل معهم. خرج من سجونهم وهاهو بيننا، هذه المرة متكئا علي عصاه بين القادة على المنصة يخطب فينا، إنه رئيسنا الجديد!. span style="font-family:"Arial","sans-serif""محاولات إصلاح لأحوال معيشتنا، هدوء في التعامل مع العدو، ظننا أن العصا لن ترفع مرة أخرى، حتى رأيناها رفعت يوم السابع من أكتوبر! كانت إشارة الهجوم الذي زلزل العالم، يتردد اسمه علي الألسنة، مريدوه في العالم أجمع، مطلوب من أجهزة تخابر العالم، عام كامل يكبِّد العدو خسائر مهولة، ويدفع وندفع معه وحدنا ثمن العزة والكرامة التي أخذ يبثها في الأمة، ثمن الكرامة يدفعه وشعبه دون الآخرين. span style="font-family:"Arial","sans-serif"" هذه المرة لا يا سيدي، لا تشارك معنا، الخطر محدق بك من كل جانب، وما أكثر العيون التي تحاصرنا.. يقول مساعده مصعب. span style="font-family:"Arial","sans-serif"": ومنذ متى نخشى الموت يا مصعب، يا مرحبا بالشهادة. span style="font-family:"Arial","sans-serif"": نحتاجك يا يحيى. span style="font-family:"Arial","sans-serif""يموت يحيى ويولد يحيى، بلادنا لا تعقر أبدا، هلم نراجع خطتنا.ما أجمل أن يختار لك القدر هذه النهاية، بل ويسخِّر لك لسان عدو ليذيعها، من حيث أرادوا أن يظهروا ضعفك وضحت جليا قوتك خافوا يدخلوا عليك فأرسلوا طائرتهم لترميها بعصاك، عصاك آخر ما تملك من أسلحة، وآخر ما تودع به الدنيا، رمية سجلها التاريخ. تستحق هذا الختام يا يحيى. يتوقف بروفيسور محمود عن حكي منتصر ويعيد تشغيل الشاشة خلفه ليظهر على الأريكة رجل ستيني، يرتدى ملابس المعركة، ملثم.، تقترب منه الكاميرا، جراحه تنزف دما ...