ربما تكون المبادرة التى طرحتها مصر هى الفرصة الأخيرة لكل الأطراف، بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة، تبدأ بهدنة مؤقتة مدتها 48 ساعة مع تبادل جزئى للرهائن، ومباحثات لمدة عشرة أيام تتحول بعدها إلى هدنة دائمة. الفرصة الأخيرة ولو دخلت مقبرة الفرص الضائعة فلا بدائل إلا استمرار فوضى الصراع الدائر فى المنطقة بعد فشل كل المبادرات السابقة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وتهيئة الأجواء لمباحثات تفتح الطريق أمام الحل النهائى. أساس المبادرة المصرية يؤكد ثوابت الموقف المصرى منذ بداية الحرب حتى الآن، وعدم السماح بتهجير الفلسطينيين، ولا تصفية القضية الفلسطينية، والسبيل الوحيد هو إحياء أمل الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة. المبادرة المصرية هى الفرصة الأخيرة لإسرائيل للخروج من الميادين المشتعلة التى فجرتها حول نفسها فى المنطقة، ولن تستطيع مهما بلغت قوتها ودعم أمريكا لها، أن تستمر فى الحروب إلى ما لا نهاية، رغم أنها لا تتحمل الجزء الأكبر من تكاليف الحرب، ولن تستطيع أن تجند شبابها على كل الجبهات. سيأتى يوم تدرك فيه إسرائيل أنها الخاسر الأكبر من توسيع دوائر الصراع، ولا يمكن لدولة فى حجمها أن تستمر فى عداء دائم فى المحيط الذى تعيش فيه، وكل يوم يمر تزداد فيه مشاعر الكراهية. نتنياهو لم يقرأ دروس التاريخ، وفى عز الاحتياج الإسرائيلى لفلسطين عام 1948، نصح مؤسس إسرائيل ديفيد بن جوريون جيش الاحتلال بألا يدفع المهجرين الفلسطينيين إلى الحدود المصرية، وقال لهم لا تهجروهم جنوبًا لأن مصر لن تسمح لهم، وورد هذا الاعتراف الصريح فى مذكراته الذى ظلت ممنوعة من النشر وتم الإفراج عنها منذ عدة سنوات. والمبادرة المصرية الفرصة الأخيرة للولايات المتحدة لإنقاذ ماء وجهها وما تبقى من سمعتها بعد انحيازها السافر لإسرائيل، دون إدراك لعواقب تزايد الكراهية بين شعوب المنطقة من جراء قتل الشعب الفلسطينى بأسلحة أمريكية، وأنها وضعت كل دول وشعوب المنطقة فى كفة، وانحازت لإسرائيل ضد الجميع. فشلت مبادرة الرئيس بايدن بسبب التعنت الإسرائيلى، ورغم ذلك عجز عن مجرد التلويح بحظر إمداد إسرائيل بالأسلحة التى تستخدم فى قتل المدنيين، وتؤكد تصريحاته المتضاربة مدى ضعف وارتباك الإدارة الأمريكية. المبادرة المصرية هى الفرصة الأخيرة لإنقاذ الشعب الفلسطينى من الجرائم الإسرائيلية المستمرة، وبات ضروريًا إعادة تقدير الموقف لدى قيادات حماس بعد أن تمكنت إسرائيل من قتل قادة المقاومة وإضعاف قدراتها القتالية، وهل من الحكمة الإستمرار فى الحرب ضد إسرائيل وخلفها الولاياتالمتحدة ؟. إعادة تقدير الحسابات بالنسبة للمقاومة ليس معناه إدانتها بل وقف المجازر اليومية، والتجاوب مع المقترحات المصرية لتبادل الرهائن والأسرى، بعد أن فقدت قضية الرهائن الإسرائيليين تأثيرها كورقة ضغط على نتنياهو، وصار تسليمهم مقابل الأسرى إبطالًا لمبرراته للاستمرار فى الحرب.