أسعدنى كثيرا ذلك المشهد الحاشد الذى ازدانت به قاعات المجلس الأعلى للثقافة منذ أيام، حيث التف عدد من مبدعى مصر المتميزين، ونقادها البارزين حول الأديب الكبير يوسف القعيد تكريما لعطائه، وتقديرا لمنجزه، وعرفانا لدوره فى خدمة المجتمع المصرى، والثقافة العربية.. وأروع ما فى المشهد أننا نكرم الرجل فى حياته، ونشعره بامتناننا لجهده، وإعجابنا بمسيرته الثرية الممتدة دون أن ننتظر . كما تعودت بعض مؤسساتنا الثقافية دائما- رحيله عن عالمنا كى نحتفى بعطائه، وننوه بجهده، ومنجزه، وقد بحَّت أصواتنا منبهين أن الأفذاذ فى بلادنا مغبونون إذ لا يقدَّرون إلا بعد الممات، ولا نقيم لهم الاحتفالات سوى عقب انطفاء شمعات حياتهم إلا فيما ندر ولكن ها هى ذى نزعة جديدة، وتقليد محدث يستجيب لصرخاتنا المتكررة: احتفوا بهم وهم أحياء.. اجعلوا أبناء مصر يشعرون أن أعمارهم لم تذهب هدرا، وأن جهودهم المرموقة مشكورة يحتفى مجتمعهم بها ويقدرها ناسهم، وفى الصدارة منهم المثقفون.. أما صاحب الاحتفالية، فالكلام عنه كثير يطغى عليه -ولا شك- الجانب الروائى، والمنجز القصصى، ومنذ تعرفت على عالمه فى نصه الحميم «أخبار عزبة المنيسى» اكتشفت أنه يكتب كما يتنفس، ويحكى على السجية، لذا لا تعرف نصوصه التصنع، أو الافتعال، ومع توالى علامات مسيرته الإبداعية ازددت قربا من روحه، وتلاحما مع عالمه والحديث عن بصماته فى فضاء الرواية يطول، وقد تجىء عودة قريبة إلى إبداعاته التى منحت اسمه مجدا سيبقى دوما.