فترة صعبة تعيشها المنطقة والعالم الذى ضربته أزمات عالمية متتالية عابرة للحدود خلال الفترات الماضية انطلاقا من أزمة كورونا وتأثر سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن وتراجع الإنتاج؛ مرورا بالأزمة الروسية الأوكرانية التى ضربت تأثيراتها السلبية كثيرا من دول العالم المتقدم منه والنامى على حد سواء، ثم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وشعب فلسطين وصولا إلى الحرب على حزب الله فى لبنان ونهاية لم تغلق بعد بالمناوشات الإيرانية الإسرائيلية. اقرأ أيضًا| هيئة الإسعاف الإسرائيلي: مقتل مستوطنين اثنين إثر سقوط صواريخ من لبنان الخبراء يؤكدون أهمية التخزين والشراء والتعامل بالعقود طويلة الأجل تاريخ البترول.. ارتفاعات قياسية ونوبات هبوط الخوف من اتساع رقعة الصراع فى المنطقة والتهديدات المتوالية والحرب الكلامية -إيران وأذرعها من ناحية وإسرائيل وحلفاؤها من جهة أخرى- سواء صراحة أو ضمنا أو تسريبا، بضرب منشآت نفطية أو غازية ومصادر الطاقة أو إعاقة الملاحة، أصابت سوق البترول العالمى بحالة من الارتباك الشديد والترقب انتظارا لما ستؤول إليه الأحداث خاصة مع تأرجح الأسعار خلال الفترة الماضية وعدم استقرارها متوقفة على ارتفاع مؤخرا، حيث اقترب خام برنت من 80 دولارا -الإثنين الماضى- كأكبر ارتفاع أسبوعى منذ أوائل 2023. الخبراء توقعوا زيادة أسعار البترول خلال الفترة المقبلة، حال توسع الصراع فى الشرق الأوسط واحتمال تعطل الصادرات من منطقة الخليج المنتج الرئيسى للنفط، وكذلك بسبب بعض الإجراءات الاقتصادية الأخرى التى تتخذها الدول الكبرى ما يعزز إقبالا أكبر على البترول وزيادة الطلب ونقص المعروض، ونصح بعض الخبراء بأهمية انتهاج سياسة تخزين للتعامل مع أى طارئ، بينما قلل آخرون من هذه السياسة وأكدوا أهمية العقود طويلة الأجل كحل عملى أمثل يضمن استدامة الإمدادات. التوترات الجيوسياسية بداية، يؤكد د. مدحت نافع، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، الخبير الاقتصادى الدولى، أن الأوضاع الحالية بمنطقة الشرق الأوسط والتوترات الجيوسياسية من ناحية ومن ناحية أخرى التوقعات المبنية على أسس واقعية سابقة بشأن تباطؤ نمو الاقتصادات الكبرى؛ تشير بما لا يدع مجالا للشك الى أن هناك تأثيرا ملتبساً مرتقبا على أسعار البترول خلال الفترة المقبلة، فقد رأينا ما حدث مع تباطؤ الاقتصاد الأمريكى والصينى وتداعيات ذلك المؤدية الى تراجع أسعار النفط ومشتقاته فى حين كان التأثير فى اتجاه عكسى قد بدأ بانخفاض المعروض من منتجات الطاقة على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية التى أشعلت الأسعار فى العالم ومن بينها سعر الغاز الذى سجل أرقاما قياسية، وكذلك فرص تأثر الإمدادات البترولية الإيرانية بتصاعد وتيرة الصراع فى المنطقة. الإشارات الملتبسة ويتابع د. نافع قائلا: لكن تلك الإشارات الملتبسة تكاد تحسم لصالح مزيد من الارتفاع فى أسعار النفط ومشتقاته خاصة مع بدء تعافى الاقتصادين الأمريكى والصينى.. ويضيف: اشتعلت الحرب بين إيران وإسرائيل أو لم تشتعل؛ ستشتعل أسعار البترول مستقبلا والمؤشرات على ذلك كثيرة، فإذا نشبت الحرب فستنخفض الإمدادات وسيزيد الطلب العالمى واتباع سياسات التخزين، وإن لم تنشب الحرب فالمعروض ايضا سيقل، فالاقتصادات الأكبر عالميا وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالصين فى طريقها للتعافى بعد فترات من التباطؤ وبالتالى سيزداد الطلب على الطاقة عالمياً، الفترة المقبلة تحمل الكثير للاقتصادين الأمريكى والصينى، وخاصة مع تغير الإدارة الأمريكية التى ربما تعيد التضييق على الإنتاج النفطى الإيرانى فينخفض العرض، ومن المستبعد أن تشرع فى اتباع سياسة تيسير نقدى (خفض الفائدة) بوتيرة متسارعة بعدما عاين الفيدرالى بيانات ايجابية لسوق العمل الأمريكية مؤخراً، وهو أيضاً مؤشر على استمرار ارتفاع تكلفة التمويل بصفة عامة وتمويل جانب الطلب على الطاقة بصفة خاصة، أى إن أسعار منتجات الطاقة الأحفورية من المتوقع أن تستقر فى الأجل المتوسط مع تعادل فرص الانكماش والنمو. عمليات التحوط وحول عمليات التحوط وسياسات التخزين للمنتجات البترولية تحسبا لأى طارئ، يوضح د. مدحت نافع أن الحديث يكثر عن أهمية التخزين ولكن أعتقد أن هذا الحل ليس عمليا بالقدر الكافى الذى يلبى الاحتياجات وعمليات استدامة التدفق، فالأمر يحتاج مرونة أكبر من ذلك وأكثر خاصة انتهاج سياسة الشراء والتعامل بالعقود المستقبلية -متوسطة وطويلة الأجل- والتى لن تتم وفق المطلوب والمبتغى إلا بالاستعانة بالمهارات والكوادر والكيانات الاحترافية المتمرسة فى هذا الشأن وخاصة البنوك الاستثمارية التمويلية الدولية وذلك كنوع من أنواع التحوط والتأمين. الضربة الصاروخية ويقول د. مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول سابقا، إن التوترات الجيوسياسية الأخيرة فى المنطقة والأزمة بين إيران وإسرائيل من ناحية والحرب اللبنانية من ناحية أخرى وإذا ما جرت الأمور على ما هو عليه؛ لن نشهد طفرات سعرية فى أسعار النفط، ويضيف: ارتفعت أسعار النفط منذ بدء الضربة الصاروخية الإيرانية بما لا يزيد على 4٫5 دولار للبرميل من خام برنت القياسى حيث ارتفعت من 75٫5 الى 79٫9 دولار. ويشير يوسف إلى أن شركات التأمين العالمية فرضت أسعارا عالية على التأمين على شحنات النفط والغاز المتداولة من منطقة الخليج العربى نتيجة لتلك التوترات والتخوف من تعرض المنشآت البترولية الإيرانية للضرب من جانب إسرائيل وتعرضها للتوقف التام عن الشحن وهذا سيؤثر بشكل سريع على كم الطلب على النفط من كافة البلدان المستوردة للنفط مما سيؤدى إلى ارتفاع كبير ولكنه محدود للأسعار ومعه ارتفاع فى أسعار تكلفة النقل البحرى مما سيزيد من التأثيرات السلبية التى تعانى منها الدول الصناعية الكبرى لتباطؤ الاقتصاد العالمى خصوصا فى اليابانوالصين وكوريا الجنوبية والهند وكذلك حالة التضخم التى تعانى منها جميع دول العالم. الوفرة العالمية ويتابع قائلا: إلا إذا كانت التوترات ستقع ما بين إسرائيل وإيران فقط دون تعرض منطقة الخليج العربى لمشاكل لوجيستية نتيجة هذا الصراع، فإن الوفرة العالمية المتاحة من النفط من خلال دول أوبك بلس وغيرها قادرة على سد تلك الاحتياجات للدول المستوردة وبالتالى فإن الزيادة السعرية ستأخذ بعض الوقت لتعاود مستوياتها السابقة مرة أخرى فى خلال أيام ليست بالطويلة. ويشير إلى أنه من هذا المنطلق نعتقد أن الدول الكبرى كالولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها والصينواليابان وكوريا والهند ستتأثر كثيرا وستقوم بتقليص وارداتها من النفط والغاز المسال بما يجبر أسعار النفط والغاز المسال عالميا على الهبوط وعودتها لمعدلاتها الطبيعية المطلوبة من تلك الدول. مشروع قومى د. جمال القليوبى، أستاذ هندسة الطاقة وخبير البترول الدولى، طالب بأهمية أن يكون لدى الدولة المصرية خطة ونهج -مشروع قومى- لتنفيذ آليات تخزين النفط الخام، ويؤكد أن الدول الصناعية العملاقة تحتاط استعدادا لأى طارئ وأشار إلى أن هذا الاحتياط وجوبى خاصة فى الدول التى تستورد النفط ويعانى اقتصادها الترقب والتخوف من أزمات ارتفاع سعر البرميل وتأثيره المباشر على عجز موازناتها واتساع دائرة الحرب التى اصطنعها الكيان الإسرائيلى المحتل. ويوضح أن كثيرا من مؤسسات الائتمان العالمية تراجع تقييمات الأوضاع الجيوسياسية فى الشرق الأوسط، هذه المنطقة التى تؤثر على أنشطة أسواق الطاقة العالمية، ويشير إلى أن هناك خططا احترازية طبقتها الدول الأكثر استهلاك واستيرادا للنفط خلال الربع الثانى والثالث من 2024 والتى سعت إلى زيادة المخزونات لديها أوقات الذروة حيث سعر برميل النفط تحت ال 70 دولارا.. ويضيف القليوبى: من واقع خبرتى وعملى فى العديد من شركات وكيانات البترول العالمية، أرى أنه لدينا الكثير من الحلول فى عمليات التخزين، منها التركيز على الصحراء الغربية بعمل فتحات اسطوانية عملاقة وتكون بالقرب من منخفض القطارة أو منطقة غرب الرزاق أو مناطق ظريف نظرا لأن التربة صخرية وتساعد فى بناء خزانات تحتفظ بدعائمها، وهناك أيضا طريقة أفضل فى التخزين بعمل أنفاق طولية وبأطوال تصل إلى مئات من الكيلومترات، حيث نستطيع عمل الأنفاق من الخرسانات العالية والمدعمة والتى يمكن دفنها على أعماق أو دفن جزء منها داخل التربة والجزء الآخر على السطح. تجارب دولية ويضيف القليوبى أن كثيرا من دول أوروبا لجأت إلى عمل تعاقدات بعيدا عن سقف منظمة الأوبك والأوبك بلس وذلك من خلال التعاقد مع البرازيل وغينيا الاستوائية وانجولا حيث التعاقدات منخفضة التكلفة عن الأسعار العالمية وكذلك التعاقد الشامل السنوى الذى يستهدف التمويل لفترات كبيرة، إما من خلال الشركات الأوروبية العاملة لديها أو من خلال ضخ استثمارات بترولية فى تلك الدول حتى تضمن الإشراف الكامل على الصفقات من خلال شركاتها. ويوضح أن دولا مثال الصينوالهند وكوريا الجنوبية سعت إلى عمليات التخزين حديثا تماشيا مع سياسة أمريكا التى طبقتها بعد حرب أكتوبر 1973، بانتهاج آليات تخزين لديها عبر أنفاق من خليج المكسيك إلى هيوستن ما يتيح لها التخزين بكميات سنوية تكفيها على مستوى متوسط الاستهلاك اليومى، كذلك انتهجت سياسة التخزين للخزانات السطحية ذات السعات العالية وأيضا التخزين فى المناطق الصخرية ذات الأودية. ويتابع: الهندوالصينواليابان سعت الى التعاقد طويل الأجل من الدول غير النفطية كى تؤمن أى احتياجات غير متوقعة أو أى تأخير فى حركة الملاحة قد يؤدى إلى تأخير استلام الصفقات، كما أبرمت عقودا مع دول ليست أعضاء فى تكتل الأوبك والأوبك بلس أملا فى الحصول على أسعار منخفضة وبكميات كيفما تريد دون اشتراطات أو سقف إنتاج. مشهد ضبابى يؤكد د. حسام عرفات، أستاذ البترول والتعدين بكلية الهندسة جامعة القاهرة ورئيس شعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية السابق، أنه من الصعب التكهن خلال الوقت الراهن بما ستؤول إليه الأحداث فى منطقة الشرق الأوسط مع تصاعد حدة التهديدات بين إسرائيل وإيران «المشهد حقيقة ضبابى». ويشير د. عرفات إلى أن أسعار البترول تتأثر بشكل مباشر على خلفية الأزمات والحروب ولكن لا يستطيع أحد التنبؤ أو التوقع بمستويات الأسعار، فضلا عن ذلك تسعى «أوبك بلس» لخفض سقف الإنتاج لزيادة الأسعار، ويضيف أن العالم كله فى حالة ترقب، والأفضل فى المرحلة الراهنة هو القيام بعمليات شراء البترول فى ظل الوضع الحالى وبالعقود الآجلة تحسبا لأى طارئ وفى إطار عمليات التحوط ضد أى مخاطر.