نوال سيد عبدالله على مدار عام كامل، مارست إسرائيل أبشع صور الإرهاب بحق المدنيين العزل فى غزة.. لم تفرق بين مقاتل ومدنى، ولم تفلح براءة الأطفال ولا استغاثات النساء والشيوخ ولا الرايات البيضاء التى رفعها الأهالى - فى كبح آلتها العسكرية التى أطلقتها بشكل هيستيرى سفكا لدماء الفلسطينيين. والعالم الذى ظل آسفا لمحرقة اليهود على يد الزعيم النازى هتلر قبل نحو 80 عاما، لم يهتز أمام هذه المحرقة فى غزة.. وكانت تحركاته لوقف الحرب على استحياء ودون جدوى. رصدت «الأخبار» مسار أحداث العدوان الغاشم والإرهابى فى غزة، ودققت فى التقارير الواردة عن أحداث 365 يوما حتى الآن من العدوان وفرزت البيانات الواردة من جهات عديدة، لتنتهى بتوثيق أبرز مجازر الاحتلال لتضاف إلى سجل من الإرهاب الدموى الذى مارسه بحق الفلسطينيين حتى من قبل أن يعلن إنشاء دولته الغاصبة قبل ما يقرب من 80 عاما.. هذا التوثيق هو أقل ما يقدم فى نصرة الحق والحقيقة، وقبل أن تتعرض سجلات التاريخ للتشويه والتلاعب فى وقت لاحق من إسرائيل بدعم حليفتها أمريكا، فى إطار حملات تحسين الصورة والتشويش على الذاكرة الجمعية.. وقد أظهر هذا التوثيق محورية الدعم الأمريكى لإسرائيل ودور الأسلحة الأمريكية فى إبادة شعب غزة.. ويبرز أكثر الأيام قسوة التى عاشها أهالى قطاع غزة، لعله يبقى مسجلا فى ذاكرتنا وحتى لا ننسى هذه المحرقة الإرهابية بحق أهالى القطاع. اقرأ أيضًا | الغيطانى وقبضايا وفاروق يوثقون لحظات النصر بالكلمة والصورة فى أزقة غزة الضيقة، حيث يكبر الأطفال بين أصوات الطائرات الحربية والأنقاض، كانت تالا، البالغة من العمر 10 سنوات، تعيش طفولة بسيطة وسط عائلتها التى تحاول بأقصى جهدها أن تمنحها حياة طبيعية فى ظل الحصار والقصف المستمر. ورغم الأجواء المشحونة بالخوف والرعب، كانت تالا معروفة بابتسامتها التى لم تفارق وجهها، وكأنها تقاوم كل ما حولها بحبها للحياة وأحلامها البريئة. وقال والدها (حسام أبو عجوة) للأخبار: «تالا، رغم صغر سنها، كانت تفهم جيدًا ما يحدث حولها. كانت تسألنى لماذا نسمع هذه الأصوات المخيفة فى السماء؟ ولماذا نختبئ كلما بدأت الطائرات فى التحليق؟». فى يوم استشهادها، حاول والداها إبقاءها فى المنزل لحمايتها من القصف المستمر. وأضاف والدها، وهو لا يزال متأثرًا بما حدث: «أنا كأب شعورى لا يوصف بعد استشهاد طفلتى البريئة صاحبة ال10 سنوات. وكان كل حلمها أنها تلعب قبل استشهادها، فضلت تترجانى أنا ووالدتها نتركها تلعب بالشارع. أنا بسبب شدة القصف كنت رافض وخايف، لكنها فضلت تعيط لوالدتها أنها تنزل تلعب بالشارع مع صاحباتها.» وبعد إلحاح شديد، ارتدت تالا حذاء التزلج الخاص بها، الذى كانت تحبه بشدة، ونزلت لتلعب مع أصدقائها. لكن اللحظة التى نزلت فيها على السلم كانت اللحظة التى غيرت حياة عائلتها إلى الأبد. بعد دقيقة واحدة فقط، دوى صوت قصف عنيف فى المنطقة. ويتذكر والد تالا تلك اللحظة الفاصلة: «سمعنا صوت القصف الشديد علينا. جريت أدور على بنتي، لكن الغبار كان شديدًا. لم أستطع إلا أن أرى «الإسكيت» بتاع تالا على السلم. شيلتها وجريت بيها على المستشفى لكنها استشهدت. أنا من صدمتى ما شفت غير بنتى فقط. لكن حكولى أن أطفالًا غيرها استشهدوا فى نفس القصف وكانت الجثث بجوار بنتي. بنتى استشهدت قبل أن تلعب ببراءة الأطفال. صواريخ الاحتلال كانت أسرع من «اسكيت» تالا. كانت بتحبه كتير.». تالا، الفتاة التى كانت تحلم بلحظات بسيطة من اللعب، انتهت حياتها البريئة قبل أن تتمكن من تحقيق حلمها، ووالدها، الذى كان يحاول حمايتها، وجد نفسه عاجزًا. وتابع والدها وهو يحاول السيطرة على مشاعره: «هذه هى الطفولة فى غزة.. بنتى طفلة بريئة صغيرة الحجم تم قصفها بصواريخ موجهة أصلاً لحروب جيوش عظمى تفجر جبالا. العالم تضامن معنا، لكن هذه مشاعر فقط. أتمنى أن تكون تالا آخر شهيدة، وأتمنى وقف نهر الدماء فى غزة. إنها حرب بين أطفال وصواريخ قوية».. ولم تكن تالا الوحيدة التى فقدت حياتها فى ذلك اليوم. القصف العشوائى قتل العديد من الأطفال الآخرين، تاركًا خلفه عائلات مدمرة وقلوبًا محطمة. لكن تالا، بابتسامتها وأحلامها الصغيرة، أصبحت رمزًا للأمل الذى يعيش رغم الألم، وللطفولة التى تقاوم رغم الدمار. ففى حى الرمال - منتزه البلدية، حيث كانت تالا تلعب مع أصدقائها، يظل المكان شاهدًا على القصة المأساوية التى لا تزال تتكرر فى غزة، قصة أطفال يقعون ضحايا حرب لا ذنب لهم فيها سوى أنهم ولدوا فى منطقة تعيش تحت نيران صواريخ الاحتلال. ومثل الكثير من الفلسطينيين، يعيش عمر عبد ربه، صحفى وكاتب فلسطيني، يبلغ من العمر 30 عامًا، فى المنطقة الوسطى من غزة وسط حرب مستمرة منذ عام، حرب لا تبدو أنها ستنتهى قريبًا. فهو يرى أن الوضع لا يزال معقدًا وأن العدوان قد يستمر لفترة طويلة. وتحدث عمر للأخبار عن معاناة الفلسطينيين الذين فقدوا الأمل فى العودة إلى شمال غزة بسبب الدمار الهائل هناك، قائلًا: «الوضع الإنسانى فى غزة كارثي، فقد أدى القصف المستمر إلى دمار واسع، نزوح أكثر من مليون ونصف مواطن، وسقوط آلاف الشهداء» وأضاف: «خاب أملنا فى التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار.» وعبر عمر بحزن وأسى عن رغبته فى مغادرة غزة، مثل الكثير من الفلسطينيين الذين يسعون إلى الهروب من جحيم الحرب. إذا أتيحت له الفرصة، سيغادر القطاع، على أمل أن يجد مكانًا للاستقرار فى أوروبا أو الخليج، موضحًا «إنها نكبة جديدة، ونحن نعيش وسطها. كل فلسطينى يحلم بالسفر إلى مكان آمن، بعيدًا عن هذا الجحيم». الآثار النفسية لا تقل خطورة، الصدمة التى يعانى منها الأطفال، الذين يشكلون نحو نصف سكان غزة، لا يمكن تخيلها. دانا، فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات فقدت والديها فى غارة جوية، ترفض الكلام. وتقول جدتها، التى تعتنى بها الآن فى إحدى خيام النازحين فى رفح الفلسطينية، إن دانا تستيقظ وتصرخ فى منتصف الليل، وتتذكر كوابيس الرعب الذى عاشته.