تهل علينا في هذه الأيام ذكرى وطنية خالصة، وهي ذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970. وبعد مرور 54 عاما على وفاته، يبقى هذا القائد الكبير حيا في ذاكرة الأمة، وكأنه غادرنا بالأمس فقط. عبد الناصر ، الذي يعد من الزعماء النادرين الذين قلما يجود بهم التاريخ ، يظل رمزا للقوة والشموخ ، يذكره الجميع بإنجازاته التي تركت بصمة لا تمحى في تاريخ مصر والعالم العربي. عبد الناصر كان قائدا دخل معارك كثيرة دفاعا عن مصر وأمته العربية ، وحقق فيها انتصارات عديدة ، وحتى في تلك المعارك التي لم يحقق فيها النجاح الكامل ، فقد كان فيها رمزا للإصرار والشجاعة. إن سيرته العطرة وإنجازاته لا تزال حية ومؤثرة ، وتعد بمثابة إرث تستفيد منه الأجيال الحالية والقادمة. ليس غريبا أن ترى الأجيال الشابة التي لم تعاصره تعرفه جيدا، وكأنه حاضر بينهم . ربما تكون هذه إحدى مظاهر الرضا الإلهي على عبد الناصر الذي قدم الكثير لمصر وللأمة العربية . ففي مجالات الحياة كافة ، أقام دولة قوية ، ونهض بالبلاد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا . كما أعاد لمصر شخصيتها القوية على الساحة الدولية ، وقاد شعوب العالم الثالث نحو التحرر من الاستعمار ، ليصبح زعيما ملهما للبشرية ، خصوصا للفقراء والمستضعفين . كان عبد الناصر مرتبطا بإحداث تحولات كبرى على المستوى العالمي ، حيث ساهم في تدمير الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية . وفي علاقته بالشعب المصري ، لم يكن عبد الناصر مجرد زعيم ، بل كان رمزا للطهارة والنقاء والعطاء . عاش فقيرا، ومات وهو لا يملك سوى معاشه البسيط ، وترك خلفه إرثا من النزاهة والالتزام . لقد ساهم عبد الناصر أيضا في خدمة الإسلام ونشره في ربوع أفريقيا وآسيا من خلال جهود الأزهر الشريف ومدينة البعوث الإسلامية . كان حريصا على تطوير الأزهر ليخرج أجيالا من العلماء الذين يجمعون بين التعليم الديني والعلمي ، وقام بدور كبير في نشر الوعي والإرشاد بين الفقراء والبسطاء في مختلف أنحاء العالم . كما لا يمكن أن ننسى دوره العالمي في إنشاء حركة عدم الانحياز ، التي قادت تلت العالم على الأقل ، وقد أصبح عبد الناصر أحد الأقطاب الثلاثة الذين شكلوا توازن القوى العالمية بين أمريكا والاتحاد السوفيتي وعالم عدم الانحياز . إن الحديث عن عبد الناصر لا يمكن اختصاره في مقال أو عمود ، بل يحتاج إلى مجلدات توثق حياته وإنجازاته . ولكن في هذه الذكرى العظيمة، نوجه له ألف تحية تقدير واحترام. لقد ترك لنا إرثا نعتز به، وغير الخريطة الاجتماعية والسياسية في مصر ، ورفعها إلى مصاف الدول الكبرى. في ذكرى وفاته ، نؤكد أننا على العهد سائرون ، وأن أجيالنا المتعاقبة ستظل تحمل مشعل الوطنية والإيمان بمبادئ عبد الناصر . إنه القائد الذي سيظل نبراسا وقدوة للأجيال القادمة، تماما كما ننظر اليوم إلى عظماء التاريخ مثل صلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز . [email protected]