الشرقية : أسلام عبد الخالق «وكأنها الليلة الأخيرة في حياتها حين زينوها لزوجها ابتهاجًا بحياة جديدة واحلام في الصدور كان العروسان يمنيان النفس بتحقيقها، لكنها الحياة بكل تناقضاتها وألغازها ولا نملك أمام قرارات القدر إلا الصبر» كلمات من المؤكد أنك ستسمعها حين يصادف حضورك جنازة ويلقي أحد المشايخ خطبة قصيرة للحديث عن الموت، بيد أن الأمر حين يحدث وتراه سيكون مختلفًا كل الاختلاف؛ إذ شيع أهالي عزبة الشوبكي التابعة لقرية بحر البقر 1 في نطاق ودائرة مركز الحسينية في محافظة الشرقية ج نازة فتاة كان من المفترض أن تكون ليلة دفنها هي ليلة عُرسها، وتحول الفرح إلى مأتم طال صداه أنحاء القرية كلها ليُذكر الجميع أن الموت أقرب ما يكون. قبل أشهر ليست بالبعيدة، كانت الأسرة وجميع الأهل والأقارب لا تسعهم السعادة حين طرق بابهم شاب من قبيلة البراهمة في محافظة قنا، قطع مسافة مئات الكيلومترات من أقصى صعيد مصر إلى دارهم قاصدًا طلب يد ابنتهم «نورهان» تلك الفتاة التي تحظى بمكانة خاصة في قلوب الجميع منذ طفولتها؛ فوجهها البشوش لا ينفك عن الابتسام ولا تعرف النفس حين تراها غير الراحة والهدوء. تغيرت الفتاة العشرينية منذ خطبتها، وأخذ الأهل جميعهم يشاركونها الحلم ويمنون النفس باليوم الذي ترتدي خلاله الفستان الأبيض حين تُزف إلى الشاب الذي أشاد بدماثة خلقه الجميع وأظهر ما لا تخطئه العين من شهامة وخوف على ابنتهم، حتى بدأت خطوات تحقيق حلم الصغيرة تترسم أمام الكل وبدأ الأهل من الطرفين يتفقون على مواعيد إتمام مراسم الزفاف، وكانت ليلة الخميس الماضي هي الليلة الموعودة لزفاف العروسين في حفل أسطوري كان من المقرر أن يضم الأهل والأصدقاء وتسبقه ليلة أخرى في أحد الفنادق بمدينة السويس هي «ليلة الحنة». قبل ساعات ناهزت نصف يوم الليلة التي تسبق «الليلة الكبيرة»، تجهز العريس وأعد إحدى السيارات الحديثة في طريقه إلى منزل أهل عروسته لاصطحابها في طريقهم إلى الفندق لأجل حفل «الحنة»، وغادر ورفيقته منزل أسرتها بناحية إحدى العزب التي تفصلها بضع كيلومترات عن حدود محافظة بورسعيد، في طريقهم إلى الفندق الذي يبعد أكثر من ساعتين عن منزل أهل العروس. سارت سيارة العروسين ضمن بضع سيارات في موكب كانت وجهته إلى الفندق حيث الاحتفالية بليلة الحناء، ومع انحراف عجلات القيادة في طريق السيارات نحو وجهتها بطريق جنيفة - السويس، كانت اللحظة القدرية التي تنتظر الجميع؛ إذ اصطدمت سيارة العروسين بعمود إنارة ليتحول الأمر في طرفة عين من فرح وبهجة إلى مأتم وحزن اتسعت دائرته لتشمل الجميع. داخل السيارة كانت العروس ملطخةً ثيابها بدمائها وقد فارقت الحياة بجوار عريسها، والذي كانت حالته هو الآخر لا تفرق عن الموت سوى بضعة أنفاس بالكاد تربطه بالحياة بعدما أصيب إصابات خطرة جراء الحادث. اقرأ أيضا: مصرع عروس قبل زفافها بشهر في الأقصر.. والحزن يخيم على أهلها دفن العروس هرعت عربات الإسعاف إلى موقع الحادث فور وقوعه، فيما جرى نقل العريس المصاب إلى أحد المستشفيات في محافظة السويس، وكانت حالته غير مستقرة على الإطلاق ليخضع إلى الإسعافات العاجلة قبل وضعه داخل إحدى غرف العناية المركزة في المستشفى، في الوقت الذي تم خلاله نقل جثمان العروس إلى ثلاجة حفظ الموتى بالمستشفى والتحفظ عليه تحت تصرف النيابة العامة، التي صرحت بدفن جثمان العروس عقب الانتهاء من الإجراءات القانونية اللازمة، وطلبت تحريات المباحث حول الحادث وملابساته وكيفية حدوثه، والاستعلام عن الحالة الصحية للعريس المصاب. داخل المستشفى كانت الأجواء متوترة وحزينة والجميع يعاني الأمرين؛ فالعروس سارت العربة التي تحملها بين طرقات المستشفى إلى المشرحة حيث وُضعت داخل أحد الأدراج هناك تحت تصرف النيابة العامة، قبل أن ينتقل أحد مفتشي الصحة لمعاينة الجثمان ومن ثم صدور قرار النيابة العامة بالتصريح بالدفن وتسليم الجثمان إلى ذوي الفتاة لدفنها عقب الانتهاء من الإجراءات القانونية اللازمة. على الجانب الآخر، وأمام العناية المركزة، كان أصدقاء وذوي العريس الشاب «محمد سعد» يبتهلون إلى الله وأعينهم تفيض دموعها حزنًا على عروسته ومناجاةً إلى رب العالمين أن يكتب له السلامة، بيد أن رسالة الطبيب المعالج خرجت على مسامع الواقفين لتؤكد أن الأمور ليست على ما يرام على الإطلاق بالنسبة لحالته الصحية وخطورة ما يعانيه من إصابات جراء الحادث. مع دقات العاشرة مساءً، فُتحت بوابة المستشفى بعدما انتهت إحدى السيدات المنوط بها تغسيل جثامين الموتى من أعمال إجراءات الغُسل ل جثمان العروس، وعقب وضع الجثمان داخل الكفن وإحكام وثاقه، وُضع داخل إحدى سيارات حمل الموتى ليُغادر عتبات المستشفى في طريقه إلى مسقط رأس الفتاة في مركز الحسينية، في رحلة استمرت أكثر من ساعتين حتى وصلت العربة إلى مدخل القرية المعروفة ب «عزبة الشوابكي» في مركز الحسينية أقصى شمال محافظة الشرقية. وسط حالة لا توصف من الحزن والصرخات الممزوجة بالبكاء استقبل أهالي البلدة جثمان العروس «نورهان بنهاوي بكر»، قبل أن يُهدئ الواقفين من العقلاء ورجال الدين الجموع لأجل حمل الجثمان من السيارة إلى داخل المسجد والصلاة عليه، ومع انتهاء صلاة الجنازة حمل الجميع الجثمان في طريقهم إلى مقابر أسرة الفقيدة على مشارف القرية من ناحية الزراعات، حيث دُفنت هناك وأغلق باب القبر عليها ووقف أحد المشايخ ليؤكد على أن الفقيدة كانت تتزين إلى قبرها دون زفافها، فحوقل الجميع داعين المولى أن يتغمدها بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته ويلهم أهلها وذويها الصبر والسلوان. داخل المستشفى داخل غرفة العناية المركزة بأحد مستشفيات محافظة السويس، وعلى أجهزة طبية امتدت أسلاكها وخراطيمها تكاد تغطي جسده، ظل العريس «محمد سعد الصغير» مثار اهتمام ودعوات الجميع داخل المستشفى، بعدما فرقت بينه السًبل وبين عروسته التي كان قد اصطحبها من محافظة الشرقية إلى السويس؛ حيث كان يقيم الشاب ويعيش وقد أسس منزل الزوجية، لكن جاء حادث اصطدام السيارة بعمود إنارة قبل وصول السيارة إلى إحدى القاعات بمدينة السويس ليُبدل الفرح إلى مأتم كبير. لم تكد الساعات الثمانية والأربعين تمر على وقت وقوع الحادث حتى فاضت روح العريس إلى بارئها وفارق الحياة جراء إصابته ليلحق بعروسه وكأنهما اتفقا دون عقد مكتوب «يانعيش سوا يا نموت احنا الاتنين سوا»، لكن جنازته تمت هناك في مسقط رأسه بإحدى القرى الواقعة أقصى صعيد مصر داخل محافظة قنا، في مشهد مهيب لا يقل عن وداع العروس، بل يزيد أن صاحب الجنازة كان عريسًا سبقته عروسه إلى الآخرة وجمع بينهما الموت بعدما تفرقت بينهما السُبل وبين زفافهما في الدنيا. .