مع بداية إشراق شمس يوم جديد، وإذاعة القرآن بصوت الشيخ عبد الباسط، الذي يأتي من الراديو في صالة منزل الحاج زغلول تيمنًا بيوم مبروك، بدأت الحركة تدب في المنزل، استيقظ من نومه، وأيقظ طفليه استعدادا للذهاب لصلاة الجمعة، سيناريو معتاد، لكن اختلفت تفاصيله في هذا اليوم، لتنتهي بجريمة بشعة استيقظ عليها الأهالي في هذا اليوم. «صراخ وعويل» في الصباح، في المنطقة الهادئة تحول معهما لصخب وجلبة غير عادية، الكل استيقظ مفزوعا من نومه يتساءل من أين يأتي هذا الصوت، لتأتي الإجابة سريعا «من منزل الحاج زغلول»، أسرعوا لهناك لمعرفة السبب، وكانت الصدمة التي أدهشتهم وعقدت ألسنتهم؛ طفله أمير الذي لم يتعد عمره ال 6 سنوات غارقا في بركة من الدماء، تحمله والدته وهي في حالة من الذهول تحول الى صراخ قطع القلوب، الأم لا تشعر بمن حولها من هول المشهد، بعدما شاهدت زوج عمته يقتل ولدها الصغير بالساطور، يحاول الأهالي نجدتها بنقل الطفل سريعا للمستشفى في محاولة لإنقاذه.. يظل الصغير أسبوعًا كاملًا راقدًا بين الحياة والموت تحوطه الأجهزة من كل جانب داخل الرعاية المركزة، تحطيه دعوات بالشفاء وأن يعود للحياة مرة أخرى، لكن في النهاية صعدت روحه البريئة للسماء، قتل بلا ذنب وهو لم يعش الدنيا بعد... ماذا حدث؟، وأي ذنب اقترفه ذلك الصغير ليقتله زوج عمته بهذه الطريقة البشعة؟.. تفاصيل مثيرة تحكيها الأم بأسى وهي لا تملك إلا الدموع تصاحبها في كل وقت على روح ابنها الصغير، لكن قبلها نحكي القصة في سطور قليلة. داخل بيت بسيط يملؤه الحب والطيب، بإحدى مناطق محافظة الإسكندرية، نشأ أمير زغلول، طفل يبلغ من العمر 6 سنوات، أصغر من في البيت، يعيش مع أسرته المكونة من أب وأم وطفلين، أسرة بسيطة لم يكن لهم أي عداوات مع أحد، سوى مشكلة واحدة دائما ما تؤرقهم، وهي خلافات الجيرة بينهم وبين زوج عمة الطفل أمير، دائما ما يتشاجر معهم بسبب لعب الأطفال. أمير طفل صغير، أشبه بالملاك في صفاته، ابتسامته جميلة، تلمح البراءة في عينيه، طفل صغير لا يفقه شيئا في الدنيا سوى اللهو وأكل الحلوى، يحب اللعب والكل يحبه، لكن بسبب شقاوته كان يكرهه زوج عمته ويهدد أسرة الصغير دائما بقتله، لكن لم يتوقع أحد أنه سينفذ تهديده ويرتكب جريمة قتل لسبب تافه مثل لعب الأطفال، وأن يتناسى صلة الدم والقرابة، ويلغي عقله ويرتكب في لحظة شيطان جريمة قتل، ويقتل صغير بلا أي ذنب. قبل الواقعة بيوم واحد، خرج أمير للعب في الشارع سلم على القاتل بابتسامة جميلة بريئة، فهو طفل لا يعرف معنى الغدر، وفي المقابل كان الحقد يملأ قلب المتهم، سيطر الانتقام عليه وأعمى بصيرته، فأصبح لا يرى سوى الدم والتنكيل. وفي اليوم الثاني وبعدما رجع أمير من صلاة الجمعة، خرج ليلعب كعادته في الشارع، والأم المكلومة داخل البيت تعد الطعام، فجأة سمعت صرخة نجلها، وكأن في تلك اللحظة انخلع قلبها، خرجت سريعا لترى ماذا يحدث، فكان المشهد الذي لن يمحوه الزمن من ذاكرتها، عندما وجدت فلذة كبدها نائمًا على الأرض غارقا في دمائه، وزوج عمته يمسك في اليد اليمنى الساطور، وفي اليد اليسرى عصا خشبية، يضربه بها، وبمجرد أن شاهدها فر هاربًا، لتجثو الأم المسكينة على ركبتيها وتحمل نجلها بين يديها، لكن الصغير لا يتحرك، صراخ وعويل منها دون أي وعي، حتى اسرع الأهالي نحوها ونقلوه للمستشفى، الطفل المسكين يرقد في العناية المركزة لا يتحرك ولا يشعر بمن حوله، الكل يدعو أن يعود للحياة من جديد، وعلى الرغم من أن والدته أحست منذ اللحظة الأولى أنها فقدت نجلها ولن يعود لها مرة أخرى، لكنها كانت تدعي وتصلي من أجل أن يُشفى ويخيب الله ظنونها، لكن مات أمير بعد أسبوع من مكوثه في المستشفى، مات غدرا بلا أي ذنب. اقرأ أيضا: «قتلته عشان أحرق قلب أمه عليه».. اعترافات المتهمة بقتل طفل في قنا تهديد مستمر تواصلنا مع والدة الطفل لتحكي لنا تفاصيل ما حدث؟، وهل فعلا زوج عمته قتله لمجرد لعب العيال؟!، أم هناك أسباب أخرى؟، فقالت بصوت يعتليه الحزن: «أنا عندي 3 أطفال، أصغرهم كان أمير، وزي ما بيقولوا اخر العنقود استحوذ على نصف قلبي لوحده، محدش كان بيشوفه إلا لما يحبه، فرحة البيت من أول ما اتولد واحنا كنا حاسين بالسعادة والفرح، كان شقي بس شقاوته بريئة زيه». سألناها عن سبب الخلافات التي انتهت بارتكاب تلك الجريمة البشعة، فقالت: «ماكنش في أي خلافات، مشاكل جيرة عادية بسبب لعب العيال، محدش كان يتخيل أن ده يحصل، المتهم هددنا أكتر من مرة وقال نصًا: «ابنكم لو متلمش أنا هحزنكم عليه». صمتت الأم قليلا وكأنها تتذكر آخر مشهد جمعها بنجلها، وكيف قتل أمام عينيها، فقالت: «كان يوم جمعة، مازالت أتذكر تفاصيله حتى الآن، عاد أمير من صلاة الجمعة وخرج يلعب في الشارع، وأنا في البيت بحضر أكل وبنظف، فجأة سمعت صرخته، خرجت أجري لقيته غرقان في دمه، والقاتل نازل فيه بالساطور والشومة، وأول ما شافني هرب، نزلت على ركبتي أخدت ابني في حضني وأنا مش مصدقة، ماكنش بيتحرك، قلبي قالي خلاص ابنك مات». دخلت الأم المكلومة في نوبة من البكاء، حاولنا تهدئتها ثم عاودت الحديث، وقالت: «نقلناه مستشفى البرج وظل لمدة يومين، ولخطورة الحالة نقلناه مستشفى إسكندرية، رغم أني حاسة أنه خلاص مات بس كنت بكدب قلبي وإحساسي، وبدعي ربنا يرجعلي من تاني، وفي اليوم اللي كنت رايحة له زيارة قالولي مات». واختتمت الأم حديثها: «كل اللي عايزاه هو حق ابني، عايزه القصاص العادل، يعني ايه واحد عنده 46 سنة يقتل طفل بالطريقة دي وبلا ذنب». تولى سعيد عبدالسلام، المحامي، الدفاع عن حق المجني عليه، فتواصلنا معه لنعرف إلى أين وصلت القضية، فقال: «الجريمة حدثت في شهر يونيو الماضي، والمتهم تم القبض عليه منذ لحظة ارتكاب الجريمة، التحقيقات لا تزال مستمرة فالتهمة ثابتة على المتهم، بشهادة الشهود وكاميرات المراقبة، فكل ما نريده هو القصاص العادل وهذا ما نسعى إليه من خلال حكم القضاء العادل، حتى يأتي حق هذا الطفل الصغير وترتاح قلوب أسرته قليلا».