تعد "مصفاة النبيذ" الذهبية أحد أبرز التحف الأثرية التي تعود إلى عصر الدولة الحديثة في مصر، وتحديداً إلى عهد الملك رمسيس الثاني (1279-1213 ق.م)، هذه القطعة الفريدة من الذهب الخالص لم تكن مجرد أداة لتصفية المشروبات. بل كانت شاهدة على حياة النخبة المصرية القديمة وطقوسهم الفاخرة في الاحتفالات والمهرجانات التي أقيمت تكريماً للإلهة باستت في معبد تل بسطة بالشرقية، كما أكده الباحث الآثري الدكتور حسين دقيل المتخصص في الآثار اليونانية الرومانية. "مصفاة النبيذ الذهبية": رمز الفخامة ودقة الحرفية في عصر الرعامسة تعتبر "مصفاة النبيذ" المصرية الذهبية من أرقى الأعمال الحرفية التي أبدعها المصريون القدماء، والتي تعكس دقة التصنيع وفخامة الاستخدام في الحياة اليومية للنخبة خلال عصر الرعامسة. تم تصميم هذه المصفاة خصيصاً لتصفية النبيذ وإزالة الرواسب من المشروبات أثناء سكبها من الأباريق أو القوارير، حيث كان شرب النبيذ سمة بارزة من سمات الطبقة الراقية في المجتمع المصري القديم. اكتُشفت هذه المصفاة ضمن مجموعة من الأواني في منطقة تل بسطة بالشرقية، حيث استخدمت في احتفالات المعبد المرتبطة بالمعبودة باستت، وكان النبيذ جزءاً أساسياً من هذه الطقوس والمهرجانات التي تجسد الطابع الاحتفالي والديني للنخبة في ذلك الوقت. تتمثل أهمية هذه المصفاة في أنها تعكس التطور الثقافي والاجتماعي للمصريين القدماء، حيث استخدمت أدوات متقنة الصنع من معادن ثمينة في سياقات دينية واجتماعية مهمة، واليوم، تُعرض هذه المصفاة في متحف متروبوليتان للفنون بنيويورك، لتروي قصة عريقة عن الحضارة المصرية وطقوسها الفاخرة. هذا الإرث الذهبي لا يقتصر على قيمته المادية فقط، بل يحمل في طياته رمزية قوية حول الطقوس الحياتية والدينية للنخبة المصرية القديمة، ويكشف عن جوانب خفية من رفاهية تلك الفترة. "عصر الرعامسة": ذروة القوة العسكرية والازدهار المعماري في مصر القديمة عصر الرعامسة هو فترة تاريخية في مصر القديمة، تمتد خلال الجزء الأخير من الدولة الحديثة، تحديداً الأسرة التاسعة عشرة والعشرون (حوالي 1292-1070 ق.م)، يتميز هذا العصر بعدد من الملوك الذين حملوا اسم "رمسيس"، وكان أبرزهم الملك رمسيس الثاني، مما أدى إلى تسمية هذا العصر باسمه. أهم ملامح عصر الرعامسة: 1- الاستقرار السياسي والعسكري: خلال فترة حكم الرعامسة، تمكنت مصر من تعزيز نفوذها في المناطق المجاورة، خاصة في بلاد الشام والنوبة، خاضت مصر العديد من الحروب مع الحيثيين، وكانت أشهرها معركة قادش التي قادها رمسيس الثاني، والتي انتهت بتوقيع أول معاهدة سلام في التاريخ بين المصريين والحيثيين. 2- الازدهار المعماري: شهد عصر الرعامسة طفرة معمارية كبيرة، حيث تم بناء العديد من المعابد الضخمة والآثار التي لا تزال قائمة حتى اليوم، أبرز هذه المعالم هو معبد أبو سمبل الذي بناه رمسيس الثاني، بالإضافة إلى تطوير معابد الكرنك والأقصر والعديد من المعابد في النوبة. 3- الإنجازات الفنية: العصر الرعامسي شهد تطوراً ملحوظاً في الفنون المصرية القديمة، حيث زادت النقوش والزخارف الجدارية التي تحكي قصصاً عن إنجازات الملوك والمعارك والاحتفالات الدينية، تميزت تلك الأعمال بتفاصيل دقيقة وأسلوب فني رائع. 4- رمسيس الثاني: رمسيس الثاني هو أشهر ملوك هذه الحقبة، وقد حكم لأكثر من 66 عاماً، ما يجعله أحد أطول الحكام بقاءً على العرش في تاريخ مصر، تميز عهده بالقوة العسكرية والرخاء الاقتصادي، وبناء العديد من المعابد والآثار التي تحمل اسمه، كان له دور كبير في تثبيت السلام والاستقرار الداخلي والخارجي. 5- الدين والعبادة: استمر الرعامسة في تقديم العبادة للآلهة التقليدية لمصر القديمة، مثل آمون ورع وحورس. وكان للملك مكانة شبه إلهية، حيث كان يُعبد كإله حي، لعبت المعابد دورًا مهمًا في الحياة اليومية والدينية للمصريين، وكانت مراكز للطقوس والتواصل مع الآلهة. 6- نهاية العصر: رغم ازدهار الفترة الأولى من عصر الرعامسة، إلا أن الأسرة العشرون شهدت بداية تدهور الدولة المصرية، حيث عانت البلاد من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تزايد نفوذ الكهنة وضعف الملوك في الحفاظ على السيطرة، مما أدى إلى انهيار الدولة الحديثة ونهاية عصر الرعامسة مع وفاة الملك رمسيس الحادي عشر. الإرث: عصر الرعامسة ترك وراءه إرثاً عظيماً من المعابد والنقوش والتماثيل، وشكّل فترة مهمة في تاريخ مصر القديمة، يعتبر من الفترات الذهبية لمصر، حيث استعاد الفراعنة خلالها قوتهم ونفوذهم الإقليمي، وكان لهم دور بارز في تشكيل الحضارة المصرية القديمة بما حملته من إنجازات معمارية وفنية عظيمة.