حوار: مصطفى الشيمى عندما أعلن المركز القومى للترجمة عن جائزة ترجمة الأدب المكسيكى بالتعاون مع السفارة المكسيكية فى مصر، شعرت بحماسة كبيرة لخوض تجربة الترجمة من الإسبانية، خاصة أن الكتاب "التنين الأبيض وشخصيات أخرى منسية" ينتمى إلى أدب اليافعين. وبصفتى كاتب للأطفال واليافعين أيضًا، كنت متحمسًا لاستكشاف هذا الأدب فى ثقافة أخرى، وفى مفاهيم ثقافية وفنية جديدة. بعد إتمام ترجمة الكتاب، تواصلت مع الكاتب أدولفو كوردوبا لأخبره بأننى قد شاركت بترجمتى فى الجائزة، وأنه بغض النظر عن نتيجة الجائزة، فقد فزت بقراءة هذا الكتاب الرائع. حصل "التنين الأبيض" على العديد من الجوائز الأدبية، مثل جائزة "خوان دى لا كابادا" لقصص الأطفال عام 2015، وجائزة وزارة التربية والتعليم فى المكسيك عام 2016، ورُشِّح لجائزة «The White Ravens» التابعة لمؤسسة مكتبة الشبيبة الدولية فى ألمانيا عام 2017، ولقائمة جائزة مؤسسة كواتروجاتوس، كما حصل على جائزة أفضل الكتب للأطفال واليافعين من بنك الكتاب فى فنزويلا عام 2018، وشارك فى برنامج القراءة الوطنى لغرف القراءة فى المكسيك لعام 2018. كان لدى أسئلة عديدة حول إشكاليات أدب الطفل واليافعين، إشكالية الفرع والجذع، وكان كتاب التنين الأبيض وشخصيات أخرى منسية هو الكتاب الأمثل، للتطرق إلى هذه الإشكالية وأهمية الشخصيات الثانوية وكيفية تأثيرها على السرد الرئيسي، لذلك أخبرته برغبتى فى إجراء مقابلة صحفية معه لنشرها فى جريدة أخبار الأدب، وقد رحب بشدة. وصلتنى إجاباته بعد يوم واحد من إعلان نتائج جائزة المركز القومى للترجمة. وقد أسعدنى أن ترجمتى للكتاب قد حصلت على المركز الثالث فى الجائزة، ومن الجدير بالذكر أن كتاب "التنين الأبيض وشخصيات أخرى منسية" سينشر عن المركز القومى للترجمة بترجمة الفائز بالمركز الأول، الكاتب والمترجم أحمد عويضة. وهكذا بدأنا المقابلة . كتابك يركز على الشخصيات الثانوية؛ كيف ترى أهمية الشخصيات والقصص الثانوية فى الأدب؟ كما تقول الشاعرة فيسوافا شيمبورسكا، "كل بداية ليست إلا استمراراً"، يمكننى أن أقول إن كل شخصية فى الأدب ثانوية بقدر ما تنبع من شيء موجود بالفعل، لكننى لا أجعلها نسبية، بل أضعها فقط فى سياق معين، لأن ما هو ثانوى دائماً يعتمد على وجهة نظر معينة وليس ثابتاً، ويمكن أن يتغير موقعه فى أى لحظة. الأدب مليء بالشخصيات الثانوية التى أصبحت رمزية ومميزة. أوديسيوس واحد منهم فى الإلياذة، لدرجة أننا نعرف لاحقاً ملحمته الخاصة فى رحلة عودته إلى إيثاكا. ما يؤدى دوراً "ثانوياً" فى قصة ما هو، على قول أهل السرد، أمر حيوى للبطل الرئيسى لأنه يعكس رحلته الخاصة ويساعدنا نحن القراء فى فهمه بشكل أعمق. القصص الثانوية، والقصص الفرعية، تدعم المحور الرئيسي، وتعطى السياق، وتعمل كدعامات مساعدة للرغبة الأساسية. ويمكن أن تعطينا، مثلها مثل الشخصيات الثانوية، منظوراً أوسع على الأطراف والهوامش. لا شك أن أدب الأطفال ترك أثراً كبيراً فى الأدب بشكل عام، كما فعلت "أليس فى بلاد العجائب"، "بيتر بان" أو "بينوكيو". رغم ذلك، لا يزال يُعتبر أدباً ثانوياً، نوعاً فرعياً. كيف يمكن لأدب الأطفال والشباب أن يحظى بمزيد من الاعتراف والقبول؟ أولاً، علينا أن نحقق اعترافًا أكبر بمرحلة الطفولة واليافعين. أدب الأطفال واليافعين يُستخف به (يدرس بشكل أقل، غير مدرج بالعديد من المناهج الدراسية فى الجامعات، يُنشر فى كتب بمعايير جودة أقل، إلخ) لأن الطفولة والشباب يُستخف بهما. الأطفال واليافعون يُعتبرون "ثانويين" فى المجتمع، يُطلب منهم الصمت والطاعة، لا يجب أن يشككوا فى العالم أو يتمردوا لجعله أكثر عدلاً، وفى كثير من النواحى يُعتبرون "دون البشر" لذلك، لا عجب أن أدباً يريد أن يتحدث إليهم يُعتبر من قبل الكثيرين "نوعاً فرعياً". علينا أن نأخذ الأطفال والشباب بجدية أكثر إذا أردنا أن نأخذ أدبهم بجدية أكثر. وفى هذا السياق، علينا أن نصنع كتباً تستمع إليهم، تتحدث عن مخاوفهم وأحلامهم، عن خيالاتهم، تلعب، تضحك، تتخيل عوالم أخرى. ويجب أن نفعل ذلك مع محترفين فى الكتابة، الرسم، والنشر. قصصك مليئة بالألعاب والابتكارات اللغوية، والتقنيات السردية المعاصرة، وفى رأيي، هى أدبية بنفس درجة النصوص الموجهة للبالغين. كيف تعتقد أن القراء الشباب يستقبلون هذه النصوص فى هذا السياق؟ آمل أن يستمتعوا بها ويبتكروا قصصهم الخاصة المتخيلة من الشخصيات الثانوية أو يستلهمونها من حياتهم الخاصة. الطريقة، التقنيات، والألعاب اللغوية التى توقفت عندها عند تقييم قصصي، لا ينبغى أن تكون حاجزًا بين أدب الطفل واليافعين وبين أدب الكبار. أدب الأطفال والشباب يجب أن يكون "أدبياً" بالقدر نفسه مع أدب الكبار. إذا فتحنا كتاباً للأطفال الرضع، سنجد فيه الألعاب اللغوية المرتبطة بالشعر الشفوى التقليدى للأطفال، مع أبيات مسجوعة وموزونة وذات قافية ، وألعاب لغوية تعود إلى الفكاهة العبثية، وإذا فتحنا كتاباً للأطفال الذين يحبون الرعب، سنجد استعارات معقدة فيها، حيث تجسد الروح البشرية كغابة تلتهم من يعبرها. أى أن أدب الأطفال واليافعين يجب أن يكون "أدبًا" أولًا، ثم بعدها يكون موجهاً للأطفال أو اليافعين. فى الثقافة العربية، هناك تخوف دائما بشأن الأخلاق ومدى ملاءمة ما يجب تقديمه للأطفال أو اليافعين، تم تحرير العديد من القصص الكلاسيكية لإزالة العنف، رغم أنك كنت حراً فى تضمين بعض العنف فى "الفتاة الجميلة ذات الشعر الفيروزي". كيف ترى هذا الإشكال: ما هو المناسب وما هو غير المناسب لليافعين؟ هذا الإشكال الذى تطرحه يمكن القول إنه أساسى فى أدب الأطفال واليافعين. بمجرد أن بدأنا فى تعريف أن هناك مرحلة خاصة من الحياة تُسمى "الطفولة"، بدأ البالغون فى تحديد ما هو "مناسب" لتلك الطفولة، وهو ما يرتبط دائماً بمجموعة القيم التى تهتم تلك المجتمع بالحفاظ عليها والطريقة التى تحدد بها "كيف يجب أن يكون الطفل أو الطفلة". كل مجتمع حر فى تشكيل تلك الفكرة، لكن حجب مواضيع معينة بدعوى حماية معتقدات معينة قد يبعدنا عن الأسئلة الحقيقية التى يطرحها الأطفال والشباب عن حياتهم. وقد يبحثون عن تلك الإجابات فى أماكن أخرى قد تكون أكثر خطورة. ومن المثير للاهتمام التناقض: أحياناً لا نريد أن تظهر فى الكتب مشاهد عنيفة، أو أن يُتحدث عن الموت، أو الصراع والخوف، أو الحزن، ولكن فى وسائل أخرى، بدءاً من حديث البالغين، يسمعون طوال الوقت أن هذه الأشياء تحدث، إذا لم تُظهرها الكتب، قد يهجرون القراءة. فى "الفتاة الجميلة ذات الشعر الفيروزي"، أسمح لنفسى بالحديث عن الإساءة والتخلى الذى يعانى منه الأطفال، نعم، يحدث ذلك فى القصة وفى العالم، وأتخيل فى القصة وجود حامية أو حارسة لهم. وأتحدث بشكل خاص عن الحزن، ولكن أتحدث أيضاً عن كيفية التغلب عليه. هذه الفتاة الصغيرة فى قصة الفتاة الجميلة ذات الشعر الفيروزي، التى أصبحت مراهقة، فى نهايتها، لا تريد أن تنهض من السرير لأنها حزينة جداً، حتى يطلب منها شخص ما المساعدة، أى حتى تدرك أن شخصاً ما يحتاجها. حتى فى غابة سحرية، نحن بحاجة لبعضنا البعض للنجاة. قصصك مستوحاة بشكل كبير من كلاسيكيات أدب الأطفال الأوروبي، مما يعكس بطبيعة الحال المركزية الأوروبية. لماذا لم تحاول أن تستلهم من الشخصيات الثانوية فى أدب الأطفال الكلاسيكى من ثقافات أخرى؟ هذا الكتاب يمثل جزءاً صغيراً فقط من سيرتى الذاتية القرائية، وهو تحية للتقاليد الأوروبية، التى تُفهم أيضاً على أنها تقاليد مليئة بالامتزاجات والإرث. وفى شخصية القرد المجنح، أرى الحمض النووى لإله القرد الهندي، هانومان، وحتى القرود التى تظهر فى بعض قصص "ألف ليلة وليلة". الجنية الفيروزية من "بينوكيو" هى روح من الأرواح التى تسكن غابات أمريكا اللاتينية، وخاصة من أساطير الرعب للنساء اللواتى يبكين على فقدان ما، مثل الأسطورة المكسيكية الشهيرة "لا لورونا". التنين الأبيض المحظوظ هو التنين الذى لا يمتلك أجنحة، هو التنين الصينى أو الياباني، كان إنده مفتوناً بالثقافة اليابانية لدرجة أن أرملته، التى أتيحت لى الفرصة لإهدائها نسخة من الكتاب لها، هى سيدة يابانية. لدى أيضاً قصص أخرى عن شخصيات مكسيكية تحديداً، لكن لم يكن لدى الوقت لإدراجها هنا لأنها كانت بحاجة إلى مزيد من العمل. الكتاب الذى نشرته بعد "التنين الأبيض والشخصيات الأخرى المنسية" كان عن أسطورة الطفل وإله الذرة، "جومشوك"، الذى يضطر لمواجهة مخاطر عديدة ويتغلب عليها بمساعدة الحيوانات. إذا أضفت قصة سابعة مستوحاة من إحدى كلاسيكيات الأدب العربى للأطفال، من ستكون هذه الشخصية الثانوية؟ أشعر بالفضول تجاه الأخت الصغيرة لشهرزاد، دنيازاد. ما هى القصص التى قد ترويها هي؟ أو ربما أروى حكاية القرود المحبوسة فى إحدى الجزر التى وصل إليها السندباد. استطاع ريكى بلانكو تقديم تجربة بصرية فريدة فى الكتاب. كيف كانت تجربتك فى التعاون مع ريكى بلانكو لتعزيز فهم القصص فى "التنين الأبيض وشخصيات أخرى منسية"؟ هل توافقتم على الرؤية الفنية للرسومات أم تعتقد أن رسامى كتب الأطفال يجب أن يتمتعوا بحرية التعبير عن إبداعهم ؟ اقترحت المحررة أنجيليكا أنطونيو أن يتولى ريكى بلانكو رسومات الكتاب، وحين قبلت اقتراحها، فعلت ذلك بكل ثقة. إنه فنان يفكر كثيراً فى مقترحاته، وفى بعض الأحيان تكون تقدم مفاهيم معقدة ومجردة جداً، وكنا نتمنى أن يفاجئنا. وقد فعل نعم، تحدثت معه ولكن حول القصص والأدب، وكان متحمساً جداً للمشروع. فقط فى النهاية قدمت بعض التعليقات البسيطة للمحررة التى بدورها نقلتها إلى ريكي. فى بعض الأحيان يكون من الأفضل أن يتم ذلك من خلال المحرر. أعتقد أن الرسامين هم مؤلفون مشاركون فى الكتب ويجب أن يتمتعوا بالحرية. كيف ترى مستقبل أدب الطفل فى ظل التطور التكنولوجي؟ أتمنى أن نطور المزيد من التداخل بين الشاشة والكتاب، رغم أن ما أقوله قد يكون نقاشاً قديماً، وربما لا يصل الازدهار الموعود لكتب التطبيقات أبداً ويستمر الكتاب فى تطوره على الورق، أعتقد أن الفرصة تكمن فى خلق روابط، الأطفال واليافعون يقرؤون العالم من حولهم بطريقة واسعة، وينبغى علينا أن نأخذ هذا فى اعتبارنا عند الاقتراب من الأدب، الكتب ليست هى المركز، المركز هو القراء، والمحيط بهم يتضمن الأدب ولكن يشمل أيضاً السينما والموسيقى والمسرح والرقص وألعاب الفيديو وحتى وسائل التواصل الاجتماعي. هل أنت على إطلاع بالكتاب المصريين أو العرب، سواء المعاصرين أو الكلاسيكيين؟ وكيف ترى الأدب العربي؟ الثقافة العربية جزء من ثقافتي. اللغة الإسبانية التى أستخدمها مليئة بالألفاظ العربية التى ترافقنى كل يوم، وبالنسبة للأدب على وجه الخصوص، بلا شك، كما ذكرت، ألف ليلة وليلة، وأيضًا الشعر العربى الوسيط، مع شعراء كلاسيكيين مثل المتنبي، وفى المكسيك، نعرف جميعًا "زقاق المدق" لنجيب محفوظ. أحتاج لقراءة المزيد من الكتاب المعاصرين. آمل أن تسمح لى هذه الترجمة ورحلتى إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى عام 2025 بالتعرف على الأدب المصرى الحالي. يثير اهتمامى بشدة معرفة ما يُكتب للأطفال والشباب، وأيضًا للجمهور العام. تم ترجمة كتابك إلى العديد من اللغات. كيف ترى ترجمته إلى اللغة العربية تحديدًا؟ وماذا تأمل من هذه الترجمة؟ أنا متحمس جدًا! أشعر بالفخر والامتنان لهذا التعاون بين المركز القومى للترجمة فى مصر وسفارة المكسيك. يتطلب هذا التعاون جهدًا كبيرًا من العديد من الأشخاص مثل إدواردو فراجوسو، المستشار الثقافى بسفارة المكسيك فى مصر، والسفيرة ليونورا رويدا، والدكتورة كرمة سامي، مديرة المركز القومى للترجمة، وأعضاء لجنة التحكيم، الأساتذة نادية جمال الدين، سلوى محمود، وخالد سالم. أقدّر بشكل خاص أنهم اختاروا أدب الأطفال واليافعين. عندما سألتنى عن كيفية أخذ هذا الأدب بجدية أكبر، أعتقد أن الأمر يتطلب بالضبط خطوات مثل هذه، وجوده فى مكتبة غنية بتراث الأدب العربي، الذى تنتمى إليه أحد المعالم الثقافية العالمية "ألف ليلة وليلة"، وأيضًا كل إرث الشعر الإسلامي.