أصعب سؤال فى الدنيا هو: أنت مع المقاومة الفلسطينية أم ضدها؟.. الاختيار بين نارين كلتاهما أكثر مرارة من الأخرى. لو قلت: «أنا ضد المقاومة».. فما هو البديل لشعب يتعرض للإبادة منذ أكثر من ثمانين عاماً؟.. شعب ينزف دماً من أجل الحصول على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة، ويسقط منه عشرات الآلاف من الشهداء. لم يرفض الفلسطينيون خيار السلام فى أوسلو ومدريد وكوبنهاجن وغيرها، واصطدمت رغبتهم فى السلام العادل بتعنت إسرائيل وإفشالها كل الجهود، ولجوئها إلى ممارسة أقصى درجات العنف والقتل ضد المدنيين. ولم يرفض الفلسطينيون التهدئة ووقف إطلاق النار فى غزة، وأبدت حماس موافقتها على مبادرة الرئيس بايدن، وتبادل الأسرى والرهائن، وأفشلت إسرائيل كل الجهود. ماذا يفعل الفلسطينيون إزاء موقف أمريكى منحاز لإسرائيل، ويزودها بترسانة من الأسلحة والذخيرة الحديثة التى تستخدم ضد المدنيين، وفى هدم المنازل والمرافق والمنشآت الحيوية، ولا تمتلك أى ورقة ضغط على إسرائيل؟ ماذا يفعل الفلسطينيون إزاء مجتمع دولى فقد الإحساس بالعدالة وأصبح بلا أنياب، إزاء جرائم الحرب التى يمارسها نتنياهو بالتمادى فى جرائمه، ويقف عاجزاً عن حماية المدنيين، وصار مفهوم حقوق الإنسان خدعة كبرى يتم توظيفها للضغط على الدول سياسياً، وليس من أجل المفاهيم السامية التى تصون حياة الإنسان وكرامته وتحميه من القتل الممنهج. السلام عند إسرائيل هو تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، واحتلال سائر الأراضى الفلسطينية بعد إخلائها من سكانها، السلام الذى هو أكثر إهانة وظلماً من الاستسلام، سلام معناه انتهاء حلم إقامة الدولة الفلسطينية، وتحويلها إلى مجرد مستعمرة تحت الاحتلال الصهيونى. وإذا قلت: «أنا مع المقاومة الفلسطينية».. فماذا كانت النتيجة منذ ثمانين عاماً، غير العبارات الحماسية مدفوعة الثمن بالضحايا والدماء والتهام الأراضى الفلسطينية قطعة قطعة؟ ما هو ثمن عملية السابع من أكتوبر التى أُطلق عليها «طوفان الأقصى» فتحولت إلى طوفان عكسى، بعد أن نجحت الدعاية الصهيونية فى تشويه المقاومة وإظهار حماس فى صورة المنظمة الإرهابية التى تقتل النساء والأطفال وتهدد الإنسانية والحياة؟ ثمن المقاومة فى غزة كان فادحاً ومخيفاً، وأعطى لإسرائيل الفرصة السانحة للقضاء على حلم إقامة الدولة الفلسطينية، وتحويل غزة إلى أكوام من الركام وجثث الضحايا والمقابر الجماعية، وأجيال كاملة من ضحايا الحرب والموت جوعاً والبحث عن خبز وماء. المقاومة ليست عمليات انتحارية، وإذا ضربت مصارعاً ضخماً بالقلم على وجهه، فعليك أن تتوقع رد فعله، إذا كان لك سوابق فى عمليات مماثلة تستثمرها إسرائيل لتوقع العقاب الجماعى بالفلسطينيين. مع المقاومة أم ضدها؟.. هو السؤال الأصعب الناتج عن ضياع الفرصة وراء الفرصة للوصول إلى الأهداف، وثمنها كما نراه الآن .