نطقُ الاسمِ مجردًا من أي لقب يعكسُ قوةَ العلاقةِ بين طرفين متعارفين سلفًا. التكلف باللقب سد منيع، يفرضه تصرف أحدهما، باستثناء نطقه بلقبه كإجراءٍ بروتوكولي، في مواقف معينة أمام الغرباء. أعشق اسمي دون لقب، حتى من الذين لا تقوى علاقتي الشخصية بهم طالما كان بنبرة ود، وأشعر بأنه جزء من جملة موسيقية لا يضاهيها جمال حين يتلعثم به طفل. ومع الأقارب تتغول صفة القرابة على الاسم تمامًا، فيحقنك الصغير بالفرح حين تسمع منه: عمي أو خالي، أو ما يشبههما. مع الغرباء.. نحتاج للقب قبل الاسم، وربما نكتفي باللقب فقط، وإن لم نجده نخترعه، بل ونستخدمه بأفخم الصفات: أستاذ، باشا، بيه، الخ. الاسم الغريب يلتهم ما قبله من أسماء، وقد يكسبك شهرة، لكن ليس شرطًا أن يكسبك مجدًا. "الحاج والحاجة" لقبان آمنان في التعامل مع كبار السن، كررته مرة مع مسنٍ في حافلة فشكرني، ثم ابتسم، وهمس في أذني: أنا مسيحي؛ فاعتذرت له واستبدلته ب "المقدس" حين نكون في صفاء نفسي مع مقربين لا يروق لنا الاسم الرسمي بل"نبدل"حروفه بمحبةٍ وودٍ عظيم، فيكون حسن "سحس" ومصطفى "درش" وفاطمة "بطة" ومنى "منمن" وزينب "زوبة" وسحر "سحورة" وهكذا. المرأة إذا غضبت فلن تناديك بلقب دلعٍ أبدا، فستعود يا سحس لأصلك "حسن أو حسين" وربما تستبدله في حكيها عنك ب "المسخوط" أو يرفع اسمك من دفاترها تماما، وتصبح " إللي ما يتسماش!" "الباشا" كان اسمًا حقيقيًا لصديقٍ وحين كنا نقابل -خلال العمل- باشاوات حقيقيين، كانوا يظنون أنه ذو نفوذ وباشا فعلا مثلهم! وفي كل مرة كان يوضح بخجلٍ أن اسمه في شهادة الميلاد "الباشا" وأنه مجرد مواطن من دولة البسطاء! طيلة عمري لم أصادف اسم "سعيدة" ل "سعيدة" في حياتها بالفعل، لا أدري ربما لعنة أصابت غالبية "السعيدات". وفي النهاية..مهما كان جاهك، أو ثراؤك أو اسمك، أو لقبك، لا يُحفظ في ذاكرة الخلودِ إلا من كان إنسانًا.