نظر الفلاح للباحث الشاب بتفهم وقال له: أعرف أن حصاد الأرز واجه مشكلة الموسم الماضى بسبب قلة الإنتاجية ومحدودية المساحة المزروعة نتيجة ترشيد استهلاك المياه فى الرى، لكنى فى هذا الحقل منذ عشرات السنين وتعودت على طرق معينة للزراعة والرى ورثتها أبًا عن جد وعلى استخدام أصناف معينة من زمان، لا أعرف كيف يمكن لك أن تخدمنى أو نجعل «زرعة» الموسم الجديد طيبة والمحصول «وفير»؟ نظر الباحث للفلاح بتفهم وقال: يا سيدى ونحن نرغب بذلك. ظهرت علامات الاستغراب على وجه الفلاح وتساءل: وما هو المطلوب؟ فرد الباحث: العلم هو المطلوب. ثم ترتسم اندهاشة أكبر على وجه الفلاح، وهنا لا يترك الباحث الفرصة للاندهاشة أن تطول، ويقول: لقد أتينا إليك.. سنظل معك ومع كل المزارعين فى الحقول.. تركنا المعامل بعد أن أجرينا التجارب وتأكدنا من جودة الأصناف الجديدة ومن إمكانية أن تعطى النتائج الإيجابية فى محصول وفير وبأقل تكلفة واستهلاك للمياه والمواد الخام. فرد المزارع البسيط: «آمنت بالله وأن بالعلم هانخرج من خنقة الشدة إلى رحابة كل الخير». ◄ اقرأ أيضًا | الغيطان «فرحانة» بموسم زراعة الأرز| أصناف جديدة توفر نصف الاستهلاك المائي كان هذا حال المزارع «رجب علي» الذى اعتاد زراعة الأرز فى أرضه فى مثل هذا التوقيت من كل عام بأصناف معينة ومحددة وأساليب رى وزراعة تقليدية، مثله مثل سائر الفلاحين، لكن فى السنوات الماضية ولعدة أسباب تقلصت المساحة التى كان يزرعها لأسباب متعلقة بالرى والتكلفة العالية للأصناف التى اعتاد زراعتها، سواء من حيث الزراعة والبذور أو الكيماوي والتقاوى، بالتالى فإن العائد لم يعد مجزيًا. هكذا ظل الحال كما قلنا بالمزارع رجب على وبقية المزارعين فى قرية «الجواشنة» التابعة لمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية، حتى جاء علماء مركز البحوث الزراعية وتحديدا باحثو معهد بحوث المحاصيل الحقلية والمشروع القومى لتطوير الأرز الهجين والسوبر وبدأوا يساعدون «عم رجب» فى تعليمه زراعة حقله بالأساليب الحديثة واستخدام أصناف جديدة وتوعيته هو وبقية الفلاحين بالتواجد وسطهم ومتابعة مختلف المراحل حتى جاءت لحظة الحصاد. «لقد حدثت نهضة فى الأصناف ولدينا 16 صنف أرز»، هكذا قال لنا الدكتور علاء محمود خليل، مدير معهد بحوث المحاصيل الحقلية، وأضاف: كنا ننتظر 16 يومًا لموسم الحصاد، حاليا مدة الزراعة للحصاد 110 أيام، فضلا عن تضاعف إنتاجية المحصول، وأزمة الأرز هى أزمة تجارة وتداول، والأرز محصول موجود طوال العام، فى ظل توجيهات علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضى والدكتور عادل عبدالعظيم رئيس مركز البحوث الزراعية. أما الدكتور حمدى الموافى، رئيس المشروع القومي لتطوير إنتاج الأرز الهجيني والأرز السوبر بوزارة الزراعة»، فقال: إننا أمام صنف جديد موفر للمياه استهلاكه للمياه 4000 متر مكعب، كما أنه صنف مبكر يتم حصاده على 110 أيام، وهذا إنجاز فى صنف عالى الجودة والإنتاجية، ولدينا منه ابتكارات مستمرة 304، والأصناف القديمة كانت تستخدم مياهًا من 7 إلى 9 آلاف لتر، والأصناف الجديدة وفرت ثلث مساحة المياه، والأصناف السوبر وصلت ل4000 متر مياه، وبذلك نوفر نصف كمية المياه التى كانت تستخدم فى الأصناف القديمة، بالإضافة إلى محصول عالٍ يصل إلى 4.5 طن إلى 5 أطنان للفدان. من جانبه، قال الدكتور خالد جاد، وكيل معهد بحوث المحاصيل الحقلية: إن الأصناف الجديدة للأرز تتحمل الملوحة والجفاف، قصيرة العمر لمدة 125 يوما، والمتوسطة لمدة 135 يوما، وعالية الإنتاج، والمستهدف 1.1 مليون فدان، وهى نسبة كافية للاستهلاك المحلى. ومن ميزات الأصناف الجديدة من واقع التجربة توفير فى فترة النمو 20% عن أفضل الأصناف المحلية وزيادة الإنتاجية أكثر من 30% عن أبكر الأصناف المنزرعة (جيزة 177) وتوفير فى الاحتياجات المائية أكثر من 30% عن أفضل الأصناف المنزرعة والتكيف والتحمل للتغيرات المناخية والضغوط البيئية (حرارة - جفاف - ملوحة). وهناك أصناف أخرى جديدة من الأرز مثل جيزة 183 وسخا سوبر 301 وسوبر 302، وتتميز الأصناف الجديدة بأنها مبكرة النضج تحصد بعد 110 إلى 120 يوما، بعد أن كانت تحصد بعد 160 يوما، وتتعدى إنتاجيتها 4 أطنان للفدان وجميع الأصناف متاحة للمزارع المصري. والدولة تولى اهتماما خاصا بمحصول الأرز كأحد المحاصيل الاستراتيجية، حيث تعمل وزارة الزراعة جاهدة على توفير السلالات الجيدة بجانب الميكنة وطرق الرى الحديثة. فيما قال الدكتور إسماعيل الرفاعى، رئيس قسم بحوث الأرز: تم زراعة أصناف قصيرة العمر وموفرة للمياه، والأصناف الجديدة التى يتم زراعتها من الأرز تواكب التحديات التى تواجه زراعة الأرز مثل استهلاك المياه حيث توفر 35% من المياه مقارنةً بالأصناف القديمة، كما أن الأصناف الجديدة يمكن زراعتها فى نهاية الترع والأماكن التى تتحمل الجفاف، ويتم توفير المياه لاستخدامها فى خطة الدولة لاستصلاح أراضٍ جديدة، ولا يؤثر توفير المياه على المحصول الحالى. ومع نهاية الموسم وبدء الحصاد وقف «المزارع رجب على» وسط أرضه (ثمانية أفدنة) المزروعة أرزًا أو «الذهب الأصفر» كما يطلقون عليه، والفرحة مرسومة على وجهه وأخذ يردد: «ربنا كلل شقانا وتعبنا بالمحصول»، قبل أن يقبل رأس ذلك الباحث بمركز البحوث الزراعية الذى عاونه فى تطوير زراعته والوصول به إلى موسم حصاد عظيم.