من الأعماق الزرقاء للبحر المتوسط، تكمن أسرار العصور الغابرة، ظهرت مدينة ثانيس هرقليون الغارقة لتكشف عن كنوزها المخفية، ومن بين هذه الكنوز، يقف تمثال الملكة أرسينوي الثانية شامخًا كشاهد على عظمة العصر البطلمي. هذا التمثال النادر، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد، يجسد ببراعة فنية لا مثيل لها الملكة البطلمية التي تجسدت في صورة المعبودة أفروديت، إلهة الحب والجمال في الأساطير اليونانية. جمال وإبداع التمثال يتميز تمثال الملكة أرسينوي الثانية بارتفاعه البالغ 150 سم وصنعه من الجرانيت الأشهب، مما يضفي عليه رونقًا وجلالًا يليق بمكانتها كملكة، والآن، يمكن لزوار المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، وتحديدًا في قاعة الآثار الغارقة، أن يتأملوا جمال هذا العمل الفني الذي يخطف الأنظار ويثير الفضول بغموضه الآسر. رغم فقدانه للرأس وقت اكتشافه في أعماق البحر بخليج أبوقير عام 2001، يظل التمثال معبرًا عن الفن البطلمي بكل تفاصيله الدقيقة، حيث يصور امرأة ترتدي رداءً مزخرفًا يكشف عن ملامح جسدها بدقة متناهية. العقدة التي تزين ثديها الأيمن ليست إلا تكريمًا للمعبودة إيزيس، رمز القداسة والملكية في العصر البطلمي، والتي كانت تزين بها تماثيل النساء من الطبقة الحاكمة، مما يشير إلى أن التمثال يمثل إحدى ملكات البطالمة العظيمات. رمز وتأثير أرسينوي الثانية الأدلة تشير إلى أن هذه الملكة ليست سوى أرسينوي الثانية، التي كانت تعتبر نفسها تجسيدًا لأفروديت على الأرض، ويعكس شكل الرداء الذي يلتصق بجسدها الفن الهلنستي الذي كان رائجًا في ذلك العصر، ويذكرنا بتماثيل أفروديت التي كانت ترتدي ثوبًا مبتلاً يبرز مفاتنها، أرسينوي الثانية، التي كانت زوجة وأخت بطليموس الثاني، لم تكن مجرد ملكة، بل كانت امرأة ذكية وماهرة في السياسة والدبلوماسية، لها دور كبير في الفوز في الحرب السورية الأولى ضد السلوقيين. اقرأ أيضا|الكشف عن 63 مقبرة أثرية بتل الدير وقد حظيت بتقدير كبير من رجال الدولة والأدباء في عصرها، وبعد وفاتها، تم تأليهها واعتبارها معبودة مثل إيزيس وأفروديت. رمز العظمة الثقافية هذا التمثال ليس مجرد قطعة أثرية، بل هو تحفة فنية تجمع بين الثقافتين المصرية واليونانية، وتعبر عن قوة وجاذبية المرأة في العصر البطلمي، إنه يستحق الاهتمام والإعجاب، ويدعونا لاستكشاف أعماق تاريخ وحضارة هذه الفترة المذهلة من خلال جماله ورمزيته الفريدة، تجسد أرسينوي الثانية الروح البطلمية المتألقة، حيث كانت تجمع بين الجمال والذكاء والقوة، مما جعلها إحدى الشخصيات الأكثر تأثيرًا في تاريخ مصر القديم. تمثال الملكة أرسينوي الثانية يمثل تحفة فنية وشاهدة على عظمة العصر البطلمي، حيث يجمع بين الفن والدقة والرمزية التاريخية، إنه دعوة لاستكشاف تاريخ وحضارة هذه الفترة المدهشة من خلال جماله الآسر وقصصه الرائعة.