لقد ضاع حقه فى الشهرة والمجد لأنه رضى على نفسه فى لحظة ضعف أن يكون كاتباً شبحاً لقى مقالى عن الكاتب الشبح اهتماماً كبيراً من الأصدقاء الكتاب والمفكرين، وطلب منى أكثر من واحد منهم أن أواصل الكتابة فى هذا الموضوع المهم. وتلبية لطلب الأصدقاء أكتب هذا المقال. الكاتب الشبح له تاريخ طويل فى تراثنا العربي، ومن أقدم من كتب عن هذا الموضوع المؤرخ الجهشيارى، الذى عاش فى القرن الرابع الهجرى، فى كتابه «الوزراء والكتاب».. ولم تتوقف مسيرة الكتابة للخلفاء والوزراء والكبراء أبداً. وممن عملوا فى هذه الوظيفة فى مصر كتاب أكابر، منهم: المؤرخ العظيم تقى الدين المقريزى، صاحب الخطط المقريزية، واتعاظ الحنفا، وغيرهما، ومنهم ابن حجر العسقلانى صاحب فتح البارى فى شرح صحيح البخارى، وكان يلقب ب «أمير المؤمنين فى علم الحديث»، ومنهم العلامة القلقشندى صاحب موسوعة «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا». وإذا تركنا التاريخ الوسيط إلى التاريخ الحديث والمعاصر لوجدنا الظاهرة لم تتوقف، بل لعلها ساءت، فقد كان السابقون يكتبون للخلفاء والملوك والوزراء على أساس أن الكتابة هى وظيفتهم ومصدر رزقهم، أما فى عصرنا فقد عرفنا فكرة الكتابة لمن يدفع من أصحاب الأموال. الجنة البائسة فى الستينيات قدم المسرح المصرى مسرحية كوميدية تعالج موضوع الكاتب الشبح، وتجسد مأساته، بعنوان جلفدان هانم، ألفها الكاتب الكبير على أحمد باكثير، صاحب «واإسلاماه». ومثلها محمد عوض.. كانت المسرحية تدور حول كاتب موهوب، يعانى من قسوة الحاجة، لا يجد فرصة لتسويق أعماله، اضطرته الحاجة وإلحاح زوجته لبيع رواية من رواياته تسمى «الجنة البائسة» لأحد الأشخاص غير الموهوبين، وإذ بالرواية تحقق نجاحاً مبهراً. كاد الكاتب أن يجن وهو يرى نجاحه منسوباً لغيره. راح يصرخ فى كل مكان «أنا عاطف الأشمونى مؤلف الجنة البائسة»، لكن لا أحد يلتفت له. كتب على ثيابه: أنا عاطف الأشمونى مؤلف الجنة البائسة، فخلعوا له ثيابه، فإذا به كتب على جسده «أنا عاطف الأشمونى مؤلف الجنة البائسة». لقد ضاع حقه فى الشهرة والمجد لأنه رضى على نفسه فى لحظة ضعف أن يكون كاتباً شبحاً. أحمد مخيمر أحمد مخيمر شاعر مصرى كبير، من شعراء أبوللو. هذا الشاعر الرقيق كتب فى الستينيات أغنية لمطربة لبنانية بعنوان «يا مالكاً قلبي»، لكن الأغنية لم تحقق نجاحاً. ونشر الشاعر القصيدة فى أحد دواوينه، وأراد عبد الحليم حافظ أن يجامل أحد الأمراء العرب، فأخذ أجزاء من القصيدة ونسبها لأمير عربي. حققت الأغنية نجاحاً باهراً حين غناها حليم، لكن حق الشاعر الذى تحول لكاتب شبح قد ضاع. لجأ مخيمر للقضاء للمطالبة بحقه، لكنه مات قبل أن يصدر الحكم، وبعد وفاته صدر الحكم لصالحه، لكن ماذا يفيد الحكم بعد أن مات الرجل محروماً من حقه الأدبى والمادى. الكاتب وشبحه شخص واحد من أغرب ما رأيته أن أحد الكتاب الروائيين المعروفين، (فاز بجائزة الدولة التقديرية بعد ذلك)، قرر أن يكون كاتباً شبحاً لنفسه. هذا الكاتب لم يكفه ما يكتبه عنه النقاد، فقرر أن يكتب عن نفسه. ونشر إحدى رواياته ومعها مقدمة باسم ناقد لم يسمع به أحد من قبل أو من بعد، ولم يره أحد، وكتب على المقدمة أنه أستاذ للأدب المقارن فى السعودية، وقال عن نفسه فى هذه الدراسة ما لا يجرؤ أحد أن يقوله. ومما قاله «لقد أحسست أنى فى معرض فنى متكامل، يضم أعظم لوحات سلفادور دالي، إلى جانب أبدع روايات كافكا، فى جو من الرعب والأسطورة...إلخ» رواية صدام حسين هناك عدة روايات تنسب لصدام حسين، وفى أواخر أيامه أصدر رواية معينة قيل وقتها إن كاتبها هو كاتب مصرى شهير، لكن لم يستطع أحد أن يثبت هذا، وقيل إن هذه محاولة لتشويه صورة الكاتب المصرى الكبير. والله أعلم. إنه حديث طويل ذو شجون.