لم يكن الغرض الرئيسى من معهد تخريج الدعاة التابع لجامعة تل أبيب الإسلامية، التى تناولتها فى الأسبوع الماضى، فحسب هو تخويف غير المسلمين من الفهم الصحيح للإسلام ومركزه هو القرآن الكريم كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإنما هو إثارة اللغط حول هذا الدين بنشر الأقوال المكذوبة والموضوعة المنسوبة للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من تلك النوعية من المعانى المثيرة للدهشة والاستغراب. وتقديم صورة مغايرة للموصوف من المولى سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم، «إنك لعلى خلق عظيم». والمصيبة الكبرى هى أن هذه الأحاديث الكاذبة المكذوبة مشهورة بين الناس بل وعند بعض الدعاة «الجدد» ورجال الدين. بل إن مجرد وصف هذه الأحاديث بأنها هى السنة هو خطأ كبير، لأن معنى السنة فى اللغة هى الطريقة وليس القول. فالسنة إذا وردت مفردة فإنها تطلق بمعنى: الطريقة، والسيرة. والطبيعة. وسنة الرسول طريقته التى أمرنا بالتأسى بها، أما سنة الله فتقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته جل وعلا. وسنة فلان هى الطريقة التى بدأها وتابعه الناس عليها. ولعل من أشهر الأحاديث التى ثار الجدال بشأنها: روى مسلم (1218) من طريق حَاتِم بْن إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما حديث حجة الوداع، وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم خطبهم بعرفة وقال: (... وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ (اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وهكذا رواه أبو داود (1905) وابن ماجة (3074) وابن أبى شيبة (14705) وابن حبان (1457) والبيهقى (8827) والطحاوى فى «مشكل الآثار» (41) من طرق عن حاتم به ، بذكر الوصية بكتاب الله فقط. وقد ورد الحديث بعدها مضافا إليه مرة وسنتى وأخرى وعترتى. وبافتراض أن الأحاديث لم تسجل إلا بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعشرات السنين، فإن إضافة سنتى - لو صحت - تكون هى طريقته «صلوا كما رأيتمونى أصلى». وعندما نتكلم عن أحاديث نبوية مشهورة لكنها غير صحيحة، يجب أن نلفت الانتباه إلى اهتمام العلماء على مر العصور بالأحاديث النبوية التى خضعت لدراسات كثيرة واهتم بها باحثون على مدى التاريخ الإسلامى، من جميع النواحى سواء تعلق الأمر بالجمع أو التدوين أو الشرح أو الدراسة. ولعل فضل هذه الجهود القيمة يظهر فى كثرة الأحاديث الصحيحة، التى بفضل الله، تعالج مختلف جوانب الحياة الإنسانية، على الرغم من أن هناك أحاديث، وهى ليست قليلة بالمرة، لم يؤكد صدقها وسندها واعتبرت ضعيفة، بل ذهب البعض إلى كونها موضوعة على لسان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. وبعض هذه الأحاديث الموضوعة والمكذوبة تفاجئ الكثيرين، الذين لا يكادون يصدقون أن هذه الأحاديث التى يحفظونها عن ظهر قلب منذ طفولتهم، أو التى يتناقلونها ويرددونها فى المساجد والمدارس هى أحاديث لا أساس لها من الصحة. واعتمادا على موسوعة «الدُّرر السَّنية»، وهى مرجع علمى موثق على منهج أهل السنة والجماعة، وهى مؤسسة علمية، إعلامية، وقفية، لها غاية عظيمة، ورسالة واضحة، ورؤية مستقبلية، وهدف محدد. وموسوعة «الدُّرر السَّنية» (بفتح السين وكسر النون، وتعنى الدرر المضيئة والعَلية، غايتها الحفاظ على السُّنة وميراث النبوَّة (بمفهومه الشامل). ورسالتها السعى لتأسيس منهج مؤصل، ونقل موثق، وعلم شامل، بمحتوى عربى، وانتشار عالمى. وتعرف هذه الموسوعة أنواع الأحاديث، بأنها الحديث الصحيح: وهو ما اتصل إسناده بعدل ضابط عن مثله بدون علة ولا شذوذ، وهو يفيد الظن دون اليقين، وهو ينقسم إلى قسمين: الصحيح لذاته: هو الحديث الذى اشتمل على أعلى صفات القبول بأن يكون متصل السند بنقل العدول الضابطين ضبطا تاما عن مثلهم من مبدأ الحديث إلى آخره وخلا من الشذوذ والعلة، ويسمى هذا القسم (الصحيح لذاته) لأنه استوفى شروط الصحة ولم يكن فى حاجة لمن يجبره، فصحته نشأت من ذاته لا من حديث آخر خارج عنه. وهناك الصحيح لغيره: هو الحديث الذى قصرت شروطه عن الدرجة العليا بأن كان الضبط فيه غير تام. وإنما سمى (بالصحيح لغيره) لأن صحته نشأت من غيره. ثم يأتى الحديث الضعيف: وهو ما لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح والحديث الحسن. والحديث الضعيف نوعان: ضعيف ضعفا لا يمنع العمل به وهو يشبه الحسن فى اصطلاح الإمام الترمذى، وهناك ضعيف ضعفا يجب تركه وهو الوهم. أما الحديث الموضوع فهو الحديث الذى وضعه واضعه ولا أصل له. والحديث الموضوع هو ما وضعه الشخص من عند نفسه، ثم أضافه إلى رسول الله، وهذا النوع من أكثر الموضوعات الموجودة. ومن أسباب الوضع فى الحديث: الطوائف والخلافات السياسية بين الأمراء والزندقة والقصاصون. ويبقى الحديث المنكر: وهو من كان راويه ضعيفا، أى هو حديث من ظهر فسقه بالفعل أو القول أو من فحش غلطه أو غفلته، وحكم الحديث المنكر أنه ضعيف مردود لا يحتج به. ومن أمثلة الأحاديث الضعيفة وغير الصحيحة التى لا أصل لها ويرددها كثير من الناس معتقدين أنها صحيحة على سبيل المثال عن شهر رمضان: 1- من صام رمضان، وشوالًا، والأربعاء، والخميس، والجمعة؛ دخل الجنة. 2- صوموا تصحوا . 3- لو يعلم العِباد ما فى رمضان، لتمنَّت أمتى أن يكون رمضان السَّنة كلها، إنَّ الجنة لتتزين لرمضان من رأس الحَول إلى الحول ......إلخ. 4 - اللهمَّ بارك لنا فى رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان. وطبقا لتقييم موسوعة الدرر السنية فإن هذه الأحاديث عن شهر رمضان كلها لا تصح، وهى ما بين باطل، وموضوع، وضعيف. ومن الأحاديث غير الصحيحة عن شهر شوال أن أسامة بن زيد كان يصوم الأشهر الحرم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صم شوالا، فترك الأشهر الحرم، ثم لم يزل يصوم شوالا حتى مات. ومنها: من صام رمضان، وأتبعه ستا من شوال، خرج كيوم ولدته أمه. وكلها أحاديث بين باطل وموضوع وضعيف. والصحيح فيما يخص الأخير هو ما رواه مسلم : «من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر». وفى الأسبوع المقبل وحتى تعم الفائدة، نستكمل الحديث عن تلك الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمكذوبة المدسوسة على رسولنا صلاة الله وسلامه عليه.. وإلى الأسبوع المقبل إن كان فى العمر بقية.