«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آية طنطاوى: أقتفى أثر العاديين |حوار
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 07 - 07 - 2024

فى مارس 2022 تلقت آية طنطاوى رسالة من مؤسسة المورد الثقافي» بقبول مخطط مشروعها القصصى للحصول على منحة كتابة وإنتاج. قبل التقديم بشهور هاجمتها الفكرة من حيث لا تدري، نساء يختفين من بيوتهن بلا سبب وهذا الاختفاء أقرب للعنة تطاردهن. وعلى مدار رحلة الكتابة -سنة ونصف تقريبًا- كتبت آية قصصا كثيرة، واستبعدت أخرى، وسمحت لخيالها أن يرحب بقصص لم تخطط لها من البداية.
ما كانت تخشاه فقط أن تكون القصص كليشيهية، متوقعة، وكان لديها خطة أن تطوف بخيالها بعيدًا. لذا ففى مرحلة التحضير كتبت كل الأسباب التى يمكن أن تختفى النساء من أجلها، «كتبتها كى لا أكتبها، لأنحيها تمامًا فأبحث فى أرض جديدة عن قصص مختلفة تمامًا»، وهو ما حدث بالفعل فى المجموعة التى اختارت لها عنوانا متوافقا مع فكرتها «احتمالات لا نهائية للغياب». فى بدايتها أسست لتلك اللعنة.. لعنة اختفاء النساء، فكتبت «باب الأساطير: فصل موال النهر» ونجحت فى رسم مشاهد فريدة وخلق لغة خاصة جعلت القصة تبدو كوثيقة شعبية مقتطعة من سياق تاريخى لا نعرفه، وفى ختامها كتبت «حكاية لا نعرفها» وفيها تعود كاتبة حكاية «حى الغايبين» بحثا عن حكايات جديدة فتلقى حتفها على يد مُلهمتها وصاحبة آخر حكاياتها.
تتأكد اللعنة مجددا: فمن يحكى حكايات الغياب التى طواها النسيان بل حتى من يقرأها يهلك ويرثه الأبناء على مدى الأجيال، لكن «لا الحكى آمن ولا الغياب منه مفر». مستسلمة لقدرها تعيد المؤلفة بلغة لافتة تشكيل حكاية الحى القديم وألغازه وأساطيره الممتدة، فتشترك هى وكتابها وقارئها فى حكايات الغياب واحتمالاته اللانهائية؛ مدينة ونهر ونساء، مقامات وقبور ورجال، رؤى وأحلام وطفولة، وزمن كامل تطويه الحكاية كطى السجل للكتب.
هنا نتعرف على المجموعة وكاتبتها بشكل أوسع..
لنعود للوراء قليلا ونبدأ من حكاية الكتابة نفسها، متى بدأت علاقتك بالكتابة الإبداعية؟ أريد التحدث أيضا عن الفترة السابقة للكتابة، ما القراءات التى شكلت وعيك وأين موقعها منك الآن؟
دائمًا ما أصف حياتى بمرحلتين، ما قبل الكتابة و ما بعد الكتابة، وقرار الكتابة جاء فى منتصف عشريناتى عندما قررت أن أترك وظيفتى الثابتة كأمينة مكتبة وأتفرغ تمامًا للكتابة والقراءة والسينما، ومشى الأمر معى بالتوازي، ذهبت لأدرس النقد السينمائى وعدت من جديد إلى صفوف الطلبة، أسعى لفهم نفسى عبر الكتابة عن السينما، وفى نفس الفترة كتبت قصصا قصيرة، بالصدفة عرفت أن موعد التقديم لمسابقة «أخبار الأدب» على وشك الانتهاء فجمعت قصصى المتفرقة وحررتها مرة أخرى واسميتها «أبيض وأسود» وقدمتها للمسابقة، بعد شهور قليلة تلقيت خبر فوزى بالمركز الثاني، دمعت عيناى ورقص قلبى لأننى لحظتها أدركت أنى لم أضل الطريق، وأن اختيارى للمشى فى طريق الكتابة كان صائبًا.
حينها كنت صغيرة وبلا خبرة وأبحث عن أى تقدير سريع لما أكتبه عبر الجوائز، دفعتنى الجائزة للكتابة، اشتريت بأموالها «لاب توب» جديد رافقنى لسنوات فى رحلة كتاباتى الأولى واعتز به جدًا. كما أنى سعيدة الآن لأنى أوثق تجربتى تلك بعد سنوات طويلة على صفحات «أخبار الأدب».
أما مرحلة ما قبل الكتابة فكانت مرحلة القراءات الدائمة والتى تشكلت معها ذائقتي، وأدين بالفضل للكتاب الذين رافقونى فى أيام الوحدة والطرق الطويلة وساعات الانتظار فتشاركت معهم أفكارهم تجاه الحياة ووجدت عندهم حكايات أتماس معها، نجيب محفوظ، علاء الديب، يوسف إدريس، إبراهيم أصلان، سعيد الكفراوي، دستويفسكي، صموئيل بيكيت، فرناندو بيسوا، شارل بودلير، ميلان كونديرا، جبران خليل جبران، ربيع جابر، آنى إرنو، إيمان مرسال.
وما مصير المجموعة الأولى؟
لم أنشر المجموعة حتى الآن، تحمست لها دار نشر ما وتم التعامل معى بتماطل غريب، حماسة دون فعل، وكما ذكرت لك كنت فى بداية الطريق ولا أعرف شيئا فى هذا الوسط الأدبي، كيف أتحرك وأين؟ ومتى أثور وأطالب بحقي؟ وهل أدخل معارك من البداية أم أتماهى مع عشوائية حركة دور النشر؟ وغيرها من أمور لكنى آثرت الصمت، تجاوزت القصص، وستبدو كلماتى غريبة ولكنى لست متحمسة لنشرها الآن، وسأكتفى بأن تكون ذكرى شخصية حلوة لي، ولا بأس إن لم أشاركها مع القراء.
بدأت أعمالك المنشورة برواية ومجموعة قصصية فى عام واحد 2021 ثم مجموعة أخرى فى 2023. الفاصل الزمنى قصير جدا فإلى أى حد يتوافق تاريخ الكتابة مع تاريخ الإصدار؟
رواية «شتاء الكتب الأخير» كانت مثل الكثير من مشاريعى المؤصدة فى ملفات أبوابها مغلقة -وبلا مفتاح أحيانًا- ولم تخرج للعلن بعد، كانت مخطوطا قديما لى فى ملفات كتاباتى الأولى، فكرته بسيطة عن شاب يعمل مثلى -وقتها- أمين مكتبة، قدمت المقترح لدار النشر بعد طلب منها، على أن تكون رواية للشباب، وكان قرارى فيها سريعًا ولم أتوقف أمامها كثيرًا لأحسم أمرى تجاهها ولكنى أصفه قرارًا متسرعًا وعشوائيًا للغاية. أما مجموعة «فى مد الظل» فكتبتها فى شهور العزل أيام كورونا، كتبتها فى غرفتى وعلى مكتبي، لم تشهد المجموعة أماكنى ومقاهى المفضلة التى أكتب فيها عادة، وبالفعل تقدمت بها إلى دار «بتانة» وتلقيت منهم بعد شهور قليلة ايميل بالترحيب بنشر المجموعة، ونشرت على الفور فى معرض القاهرة للكتاب.
لنتحدث عن المجموعة الأخيرة، أفكار من هذا النوع تثير أسئلة كثيرة حول طريقة الكتابة نفسها. فأنت لا تقدمين مجموعة تدور فقط حول فكرة الغياب كتيمة تتكرر فى القصص بشكل عشوائي، ولا متوالية تكتمل بتوالى أحداثها أو تدور فى مكان واحد، لكن يتم من خلال توالى القصص وترتيبها تقديم الفكرة ثم تأصيلها وشرحها، ولا يتم ذلك فقط على مستوى الفكرة الرئيسية، بل حتى بعض المفاصل الفرعية والأركان ك «مقام خضرا عطية» مثلا الذى يتكرر فى أكثر من قصة. وفى الوقت نفسه يمكن قراءة القصص بشكل منفصل أيضا! بالتأكيد لم تكتب القصص بترتيب نشرها ولا فى توقيت واحد فكيف يحدث الربط؟ هل كان هذا كله حاضرا فى ذهنك من البداية؟
يذكرنى كلامك بأكثر من صديق سألنى «هل مقام خضرا عطية حقيقي؟» فكنت ابتسم ابتسامة سعادة وانتصار لأنى بالفعل كنت أتعمد أن تكون ثمة روابط بين أغلب القصص، مكانية وشعورية، توحى بأننا أمام مكان ذى وحدة وشخصيات تبدو حقيقية يربطهم شيء ما، وهى لعبة لطيفة يمتزج فيها الخيالى بالواقع، وأنا أحب ألاعيب الخيال تلك التى لا تعرف فيها أين الواقع والوهم، أيهما الحقيقى الصحو أم المنام؟ هناك شيء أدركته لاحقًا أنى منذ مجموعة فى مد الظل وقصصى تدور فى مكان واحد، لم يكن الأمر مقصودًا فى البداية لكنى انتبهت له بعد خامس قصة، فقلت فليكن المكان إذن رابطا بين كل القصص، وأنا أفكر دائمًا فى الأماكن وألا تكون الشخصيات فى أماكن مختلفة ومتنافرة، كلهم فى سياق اجتماعى ثقافى متقارب وذاكرتهم الجمعية واحدة بشكل ما.
أنا الآن أتعامل مع مقام خضرا عطية باعتباره مقاما حقيقيا، يخصني، ولن أخفيك سرًا أنه يهاجمنى وأنا أكتب الآن فى مشروع كتابة جديد، ولا أملك سوى الترحيب بحضوره الطاغى والتعامل معه باعتباره حقيقة تخصني.
ما الملامح العامة للمشروع القادم؟
رواية، مستوحاة من أسطورة إيزيس وأوزوريس المصرية لكنها محاكاة شعبية تحدث فى العصر الحالى فى حى مصرى شعبي.
بالعودة للمجموعة، هل يمكن القول إن مساحة اللغة والأفكار أكبر من الحكاية أو الأحداث فى هذه المجموعة عنها فى المجموعة السابقة التى كان المكان هو بطلها. بمعنى أن تركيزك الأكبر هنا كان على اللغة والأفكار وراء القصص لا على أحداث القصة نفسها؟
ملاحظتك تجعلنى أتوقف أمامها لأتأملها، ربما يكون هذا حدث بالفعل ودون قصد مني، وربما كل العناصر تضافرت سويًا لتشكل القصص ولم يطغ شيء ليفسد بقية العناصر، وربما لأن القصص كلها تدور حول فكرة واحدة كبرى يتسلل للقاريء هذا الانطباع.
يقودنا هذا لمسألة العمق أو التأويل أو ما وراء القصص.. ما هى رؤيتك لمسألة الفهم والتأويل وأنت كاتبة النص؟
لا يزعجنى أن يكون للقاريء قراءة وتأويل للقصص مختلف عما قصدته أنا، بطبيعة الحال القاريء يتفاعل مع الكتب وفق أفكاره وثقافته وقراءاته ورؤيته للعالم من حوله، وأنا لا أجرؤ أن أضع حدودًا لخيال القارئ، تلك جريمة فى رأيي، جريمة لأن قصتى لم تعد ملكى فى هذه اللحظة، لكنى أيضًا أحب أن أتلصص على خيال القاريء فى تلقيه لقصصي، أكون سعيدة، أما ما يزعجنى حقًا ألا يتماس القاريء مع ما أكتبه بأى شيء فينهى الكتاب دون أن يترك بداخله شعورا أو يثير بداخله معنى ما. أذكر مثلا قصة «أبناء الليل» سمعت أكثر من تأويل عن قصدية «الليل» فيها، والحقيقة أن كلهم مختلفون تمامًا عما قصدته أنا، لكنى سعدت للغاية بتعدد القراءات، ما من خطأ وصواب هنا بل خيال يمتزج بخيال، ولذلك قررت ألا أفصح عن قصديتى فى القصة حتى لا أفسد على القاريء خياله وأضع له حدا.
فى السياق نفسه اللغة أحد الملامح البارزة لكتابتك، لكن فى هذه المجموعة يمكن ملاحظة تطورها الكبير وتطور تعاملك معها..
هذا التطور يسعدنى للغاية. أنا أحب اللغة الحلوة، أحب تذوق الكلمات، لذلك أحب قراءة الشعر وأدين له بالكثير فى تطور لغتى وتذوقى للأوصاف والوزن وتراكيب الجمل، وعندما اقرأ أيضًا أى أعمال أدبية لا أغفل لغتها فى التقييم، وهذا مزاجي، أحب أن تمزِّجنى تراكيب الجمل والأوصاف -بعيدًا عن الفزلكة اللغوية بالتأكيد- وأظن أن الأمر حسى تمامًا، ويشبه علاقتى بالسينما فأنا أتذوق الصورة السينمائية وأعتبرها جزءا مهما من حبى وتقييمى لجماليات أى فيلم.
-بالحديث عن السينما، بالتأكيد تجارب الكاتب وخبراته تظهر فى كتاباته فدراسة الوثائق والمكتبات كان لها أثرها الواضح فى الرواية الأولى مثلا، ودارت المجموعة الأولى فى السيدة زينب محل الميلاد والسكن القديم. ويمكن القول إن أثر دراسة السينما يظهر فى المجموعة الأخيرة. كيف ترين المسألة.. إلى أى حد استفدت من تجاربك وكيف استفدت من السينما على أى حال؟
دائمًا ما يخبرنى أصدقائى والقراء أن كتابتى سينمائية، الحقيقة أنى أسعد بهذا الوصف وإن كنت لا أعرف تحديدًا كيف تأثرت كتابتى بالسينما، كل ما أعرفه أنى شخص متأمل جدًا، أتأمل الشوارع والناس والوجوه، لا أكتب أبدًا مشهدا فى قصة وأنا لا أراه بصريًا بكل تفاصيله فى بالي، حتى لو لم أصفه بالكامل فى الكتابة، أكتب تمامًا بعين ترى الصور، لأن عينى سينمائية وترى العالم كفيلم طويل ممتد. ولا أغفل أن السينما أيضًا ساعدتنى فى تطوير البناء الدرامى للقصص التى أكتبها، أرسم تاريخاً للشخصيات حتى لو لم أكتبها، أهتم بأن تكون لها رحلة درامية وعقدة وهدف صعب المنال، ورحلة للوصول إلى هذا الهدف.
تشكرين القاهرة فى نهاية المجموعة رغم أن حضور المدينة أو المكان بشكل عام أقل من المجموعة السابقة مثلا. أم أنها هى أيضا حاضرة فى غيابها كأبطال القصص؟
المدينة دائمًا حاضرة فى واقع شخصياتى وحتى واقعى الشخصي، أنا أنتمى للقاهرة وشوارعها بكل تفاصيلها، علاقتى بها معقدة للغاية، أحبها وأكرهها، أنتمى لها وأريد الهروب دومًا منها، ولا أفكر إلا فى شخصيات تنتمى لها أو تفشل فى الانتماء لها، ولا أكتب إلا عن هؤلاء الناس، ناس المدينة، كل المرات التى مشيت فيها فى شوارع القاهرة كنت أفكر فى شخصياتى وفى الكتابة، أبحث عن بيوتهم التى يعيشون فيها، والأرصفة التى هى أيضًا بيوت، أدخل المحلات والمقاهى وأهبط إلى مترو الأنفاق بحثًا عنهم، أو ربما لأقتفى أثر هؤلاء العاديين، الغرباء، الملهمين.
تدور غالبية القصص فى أزمنة متفاوتة البعد. فهل تتعمدين تغييب الزمن الحالى باحتمالات لانهائية أيضا؟
لم أتعمد تغييبه، بالعكس أردت تأكيد فكرة أن الأسطورة تتناقل عبر الزمن ولا تتبدل ولا تقل قيمتها.
الحلم والنهر والمقام تيمات ثابته فى معظم القصص. ما الذى تمثله لك؟
ملحوظتك دقيقة، بالفعل الأحلام جزء مهم ويشغل تفكيرى دومًا، أنا شخص لا يتعامل مع أحلام النوم باعتبارها شيئاً عابرا، بل هى أصيلة فى تكوينى وعليها أفهم نفسى وطبيعة أفكاري، وأتفاءل بها أحيانًا كثيرة، وهذا إرث من عائلتى التى تتعامل مع الأحلام باعتبارها رؤى مقدسة ورسائل ربانية تخبرنا شيئاً أو تحذرنا من شيء.
أما المقامات فأنا عشت أغلب حياتى فى السيدة زينب، الحى كله يتلمس البركة من مقامها، ومقام سيدى زين العابدين، يأتيها الناس من بلدان بعيدة ليسألوها العون والحماية. وأنا صغيرة لم أفهم معنى أن نتلمس البركة من جثمان ميت، لكنى لا أنسى المرة التى دخلت فيها مقام السيدة زينب، خطف الناس أنظارى وقلبي، يتبركون ويبكون ويرتجفون، كانوا حقيقيين جدًا فى دعواتهم لها، لن أنسى وجوههم أبدًا، وكتبتهم فى قصة «السيدة زينب لا ترقد هنا» ناس المقامات مخلصون جدًا فى مشاعرهم، ولهذا أكتب عنهم لأنى أحبهم.
والنهر أيضًا حاضر فى خيالى دومًا، كما ذكرت لك أنا ابنة المدينة، تمشيات النيل والحلم بالعيش بالقرب منه دائمًا ما تطاردني. أظن أنى لو كنت فى حياة سابقة فى مصر القديمة سأهب نفسى وجسدى ليفيض النيل ويحيا.
يسرق بطل الرواية الأولى حكاية غيره وفى المجموعة الأخيرة يتكرر الأمر لكن بشكل عكسى تمنح الكاتبة حكايتها لصوت آخر ثم تضطر لإخراسه وتغييبه. هل هذا متعمد أم أنها أفكار تظهر من اللاوعى بأشكال مختلفة؟
يبدو أن لا وعيى هو من يلعب ألاعيبه الخاصة ولم أنتبه إلى تقاربها بهذا الوضوح.
هناك تعليقات تعتبر المجموعة «نسوية» أو حتى تتجاوز تلك المسألة. ماذا عنك هل تكتبين بمنطق تبنى قضية؟
الحقيقة أنى لا أكتب من منطلق قضية نسوية أو اجتماعية ما، لكنى بالتأكيد أفهم أن تكون هناك قراءات نقدية تصنف كتابتى باعتبارها نسوية مثلاً أو عن المهمشين اجتماعيًا فتصنف كتابات ماركسية، وبالعكس أحب أن اقرأ قراءات نقدية متعمقة من هذه المنطلقات، لكنى لا أهتم بالتصنيف ولا أفضل أن أحصر كتابتى الخيالية فى قضية بعينها وأفضل أن أترك القراء والنقاد يفكرون فى هذه التصنيفات.
حرصت على إضافة قائمة شكر فى نهاية المجموعة. من أول من يقرأ مسودات أعمالك وكيف تتعاملين مع وجهات النظر المختلفة؟
بالفعل، أنا شخص يدين دائمًا بالفضل لكل من يساعدنى ويقرأ معي، ليس عندى أناس محددون يقرأون لى لكنى أملك أصدقاء مخلصين وداعمين وقراء لديهم نظرة حقيقية، وبالفعل شكرتهم فى المجموعة على دعمهم لى سواء بالقراءة أو حتى نفسيًا على مدار رحلة الكتابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.