لا شىء أضر بالقضية الفلسطينية مثل الانقسام بين الفصائل الذى تحرص إسرائيل على بقائه أكثر من أى أحد آخر. المفارقة أن إسرائيل تشرب الآن من نفس الكأس، وأن الحديث عن خطر دخولها فى حرب أهلية لم يعد بعيدا عن الواقع فى ظل حكومة زعماء عصابات اليمين التى لا تعادى الفلسطينيين والعرب فقط لكنها تدخل فى صراع رهيب مع باقى الإسرائيليين الذين أصبحوا يدركون أن هذه الحكومة هى التهديد الأكبر للكيان الصهيونى! عنوان الصراع الرئيسى الآن هو محاولة حكومة نتنياهو السيطرة الكاملة على القضاء. وهو أمر طبيعى من حكومة أصحاب السوابق.. حيث يريد نتنياهو تحصين نفسه من المحاكمة هو وزوجته على جرائم فساد واحتيال، وحيث يريد شركاؤه من اليمين المتطرف أن ينظفوا صحيفتهم الجنائية من أحكام تدينهم، بل وتمنع تزويرهم كما فى حالة "الوزير درعى" المدان بالاحتيال مع حكم بالسجن مع إيقاف التنفيذ لم تنجح الحكومة فى إلغاء آثاره بقانون جديد رفضته المحكمة العليا. لكن القضاء ليس هو العنوان الوحيد فى الصراع. جنرالات الجيش وقادة الشرطة السابقون يتصدرون المظاهرات الأسبوعية التى تضم عشرات الآلاف ضد الحكومة لأنهم يدركون أنها خطر على كل الدولة، وأن زعماء عصابات اليمين يريدون الهيمنة الكاملة على الجيش، وأصبحوا بالفعل يشرفون على الشرطة بعد أن أصبح الإرهابى بن غفير وزيرا للأمن الداخلى!! الخطير أن العنف الذى مارسته إسرائيل دائما ضد الفلسطينيين أصبح "بفضل اليمين المتطرف" سمة للحياة السياسية الإسرائيلية وصراعاتها التى بلغت الذروة. نتنياهو يشكو من التحريض على قتله، والجانب الآخر يتهمه بالتحريض على قتل رئيسة المحكمة العليا. الأمر يصل الآن إلى حد أن نرى رئيس الوزراء الأسبق "إيهود باراك" يعود للنشاط السياسى ويكتب فى صحيفة "يديعوت أحرونوت" داعيا للاحتشاد فى مظاهرة ضخمة غدا "الاثنين" حول الكنيست ينضم لها زعماء المعارضة ليعلنوا "التمرد" على هذه الحكومة حتى إسقاطها قبل أن تستكمل "الانقلاب" على الدولة والهيمنة على القضاء وإشعال الحرب الأهلية. ينضم "باراك" إلى قيادات عديدة من المعارضين والقيادات السابقة للشرطة والجيش والمخابرات الذين يتصدرون المظاهرات. بينما ترسل رئيسة المحكمة العليا إلى المستشارة القانونية للحكومة متسائلة: لماذا يبقى نتنياهو فى رئاسة الحكومة حتى الآن، ولا يحاكم على جرائم الفساد والاحتيال؟! وحتى الآن فشل نتنياهو فى اللعبة التى كان يجيدها بالهرب للأمام من حرب عدوانية إلى أخرى.. حربه الآن فى الداخل برفقة زعماء عصابات اليمين، وفى مواجهة الإسرائيليين أنفسهم!!