ترامب: احتمالات إبرام اتفاق تسوية للأزمة الأوكرانية خلال زيارة زيلينسكي إلى فلوريدا    تشكيل مجلس إدارة نادى الاتحاد السكندرى الجديد    لحظة اشتعال النيران في سيارتين وانفجارهما بشارع الجيش بالمنصورة (فيديو)    السيطرة على حريق أكشاك بمحيط محطة قطارات رمسيس.. صور    مصطفى بكري: "إسرائيل عاوزة تحاصر مصر من مضيق باب المندب"    مدير إدارة المساحة العسكرية: رصدنا 2 مليون تعدٍ على أملاك الدولة| حوار    فلافيو يكشف عن توقعاته لطرفي المباراة النهائية بأمم إفريقيا    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    أمم إفريقيا – مدرب مالي: كنا نستحق ركلة جزاء إضافية أمام المغرب    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    أستاذة اقتصاد بجامعة عين شمس: ارتفاع الأسعار سببه الإنتاج ليس بالقوة بالكافية    الاتحاد الإفريقي يرفض الاعتراف ب إقليم «أرض الصومال»    فين الرجولة والشهامة؟ محمد موسى ينفعل على الهواء بسبب واقعة فتاة الميراث بالشرقية    4 ملايين جنيه تطيح بصلة الرحم| ضرب وسحل بسبب خلاف على ميراث بالشرقية    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    الزوجة والعشيق وراء الجريمة.. كشف لغز العثور على جثة بشوارع أكتوبر    بعد تداول فيديو على السوشيال ميديا.. ضبط سارق بطارية سيارة بالإسكندرية    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    ترشيح وائل جسار لغناء تتر مسلسل "توابع" ل ريهام حجاج    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    في هذا الموعد.. قوافل طبية مجانية في الجيزة لخدمة القرى والمناطق النائية    الأردن يدين الانفجار الإرهابي في مسجد بحمص ويؤكد تضامنه الكامل مع سوريا    لم يحدث الطوفان واشترى بأموال التبرعات سيارة مرسيدس.. مدعى النبوة الغانى يستغل أتباعه    السكك الحديدية تدفع بفرق الطوارئ لموقع حادث دهس قطار منوف لميكروباص    البنك المركزى يخفض أسعار الفائدة 1% |خبراء: يعيد السياسة النقدية لمسار التيسير ودعم النمو.. وتوقعات بتخفيضات جديدة العام المقبل    في احتفالية جامعة القاهرة.. التحالف الوطني يُطلق مسابقة «إنسان لأفضل متطوع»    إدارة المواقف بالبحيرة تحظر جلوس السيدات بجوار السائق في سيارات الأجرة والسرفيس    بعد حركة تنقلات موسعة.. رئيس "كهرباء الأقصر" الجديد يعقد اجتماعًا مع قيادات القطاع    الفضة ترتفع 9 % لتسجل مستوى قياسيا جديدا    طارق سليمان: شخصية محمد الشناوى الحقيقية ظهرت أمام جنوب أفريقيا    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    خبيرة تكشف أبرز الأبراج المحظوظة عاطفيًا في 2026    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لإعادة انتخابات مجلس النواب بدائرة الرمل    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    محمد خميس يحتفل بزفافه ب «الجلباب الصعيدي» | صور    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    غدا.. محاكمة أحد التكفيرين بتهمة تأسيس وتولي قيادة جماعة إرهابية    بدون حرمان، نظام غذائي مثالي لفقدان دائم للوزن    أخبار مصر اليوم: رسالة عاجلة من الأزهر بعد اقتحام 2500 مستوطن للأقصى.. قرار وزاري بتحديد أعمال يجوز فيها تشغيل العامل 10ساعات يوميا..التعليم تكشف حقيقة الاعتداء على طالب بمدرسة للتربية السمعية    الشدة تكشف الرجال    جامعة قناة السويس تستكمل استعداداتها لامتحانات الفصل الدراسي الأول    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    وزير التعليم العالي يفتتح استوديو جامعة بورسعيد بتكلفة 21 مليون جنيه.. صور    رئيس جامعة كفر الشيخ يفتتح المؤتمر السنوي السادس لقسم القلب بكلية الطب    الداخلية تنفي ادعاءات مرشحة بالجيزة    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    الليلة في أمم إفريقيا.. المغرب يصطدم بمالي في مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما حكم علاج المواطن الفقير غير المسلم من أموال الزكاة؟

سؤال ورد إلى دار الافتاء وأجاب عليه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية قائلاً: "يجوز شرعًا إعطاء الزكاة للمواطنين المحتاجين إلى العلاج من غير تفرقة في ذلك بين المسلم وغير المسلم؛ بموجب آية الزكاة التي لم تفرق بين مسلم وغير مسلم، وعملًا بمذهب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهو مذهب جماعة من السلف الصالح وبعض فقهاء المذاهب المعتبرين".
وأوضح المفتي بأن الإسلام قد حدد مصارف الزكاة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، أي: أنها لِبِناء الإنسان قبل البُنيان، فكِفاية الفقراء والمحتاجين مِن المَلْبَسِ والمَأكلِ والمَسْكَنِ والمعيشةِ والتعليمِ والعلاجِ وسائرِ أمورِ حياتِهم هي التي يجب أن تكون مَحَطَّ الاهتمام في المقام الأول؛ تحقيقًا لحكمة الزكاة الأساسية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «تُؤخذ مِن أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم» رواه البخاري، وهذا يَدخل فيه علاجُ المرضى غيرِ القادرين والصرفُ منه على الخدمة الطبية التي يحتاجونها وتوفير الدواء لَهُم دخولًا أوَّليًّا.
وأشارت إلى أن الفقهاء مختلفون في جواز إعطاء غير المسلم من الزكاة: فجمهورهم على منع ذلك إلا في مصرف المؤلفة قلوبُهم؛ استدلالًا بالحديث السابق، بل ونقل فيها الإمامُ ابنُ المنذر الإجماع.
وخالف في ذلك جماعةٌ من الفقهاء، فأجازوا دفع الزكاة لغير المسلم إذا كان من مستحقيها؛ استدلالًا بعموم آية مصارف الزكاة التي لم تفرق بين المسلمين وغيرهم؛ حتى قال الإمام الرازي في "تفسيره" (16/ 89، ط. دار إحياء التراث العربي): [عموم قوله: ﴿لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ يتناول الكافر والمسلم] اه، وهذا مشهورٌ من مذهب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومحمد بن سيرين، والزهري، وجابر بن زيد، وعكرمة، وابن شبرمة، من التابعين، وهو قول الإمام زُفَر صاحب الإمام أبي حنيفة رحمهم الله تعالى، وقول للحنابلة إذا كانوا من العاملين عليها.
فعن أبي بكر الْعَبْسِيِّ قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يميز إبل الصدقة ذات يوم، فلما فرغ انصرف فمرّ برجل من أهل الكتاب مطروح على باب، فقال له عمر: "ما لك؟" فقال: استكدَوْني وأخذوا مني الجزية حتى كُفَّ بصري، فليس أحد يعود عليّ بشيء، فقال عمر: "ما أنصفنا إذن"، فأمر له بقوته وما يصلحه، ثم قال: "هذا من الذين قال الله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾، الفقراء: هم زَمْنَى أهل الكتاب"، ثم أمر له برزق يجري عليه. أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" مطوَّلًا، وأخرجه سعيد بن منصور في "السنن"، وابن أبي شيبة في "المصنف" مختصرًا.
قال العلامة السياغي الصنعاني (ت: 1221ه) في "الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير" (2/ 427، ط. دار الجيل): [ففيه دلالة أن مذهب عمر رضي الله عنه جوازُ صرفها في أهل الكتاب، وقد نقل عنه صاحب "المنار" -يعني: "المنار على البحر الزخار" في فقه الزيدية- نحوه، وحكاه في "البحر" -يعني: "البحر الزخار"- عن الزهري وابن سيرين، وحجتهم عموم لفظ الفقراء في الآية، وحديث: «الفقراءُ عَالَةُ الأغنياء»] اه، لافتاً إلى أنه يتأكد الأمر إذا ما كانوا مرضى وغير قادرين على التداوي والعلاج، وذلك ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع المصابين بالجُذام من غير المسلمين؛ حيث أمر أن يعطوا من الصدقات وأن يجري عليهم القوت:
فروي العلامة البلاذري في "فتوح البلدان" (ص: 131، ط. دار ومكتبة الهلال)، قال: [حدثني هشام بن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عند مقدمه الجابيةَ من أرض دمشق، مر بقوم مُجذَّمين من النصارى، فأمر أن يُعطَوْا من الصدقات، وأن يجري عليهم القوت] اه.
وعن عمر بن نافع قال: سمعت عكرمة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ قال: "لا تقولوا لفقراء المسلمين: مساكين؛ إنما المساكين: مساكين أهل الكتاب" أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير".
وتابع المفتي: ولا يخفى أن التنوع البشري واختلاف الديانات هو من السنن التي أرادها الله في خلقه، وإعمار الكون وتحقيق مبدأ الاستخلاف في الأرض إنَّما يكون على وفق مراد الله؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۞ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: 118-119]، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].
وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ هذا الاختلاف يستوجب التعاون بين بني الإنسان، ويتطلب التنافس بينهم في حسن المعاملة وفعل الخير، وأن يُظهر أهل كل دين جمال ما عندهم من القِيَم والأخلاق؛ فقال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148]، وقال سبحانه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [المائدة: 48].
والدين الإسلامي ضرب أروع المثل في التعاون والتعايش وحسن المعاملة لأصحاب الديانات الأخرى، فمنذ أن تأسست الدولة الإسلامية وتوطدت أركانها، رسَّخت مبدأ المواطنة القائم على التناصر والتآزر والتعاون، وجعلت لرعاياها على مختلف طوائفهم حقوقًا وواجبات من الكفالة والرعاية والحماية، ولم تفرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم.
وكان مما كفلت به الشريعةُ رعاياها: كفاية حاجة الفقراء والمحتاجين؛ فشرعت الزكاة، والصدقات، والكفارات، والنذور، والأوقاف، وعدَّدت طرق البر والخير التي تكون مددًا وموردًا موصولًا للفقراء؛ كالأضحية، وصدقة الفطر، والهدي، ونحو ذلك؛ ليحصل التوازن بين رعايا الدولة من الفقراء والأغنياء.
ولذلك فإن جمهورَ الفقهاء الذين يَرَوْنَ عدم جواز إعطاء الزكاة لغير المسلم، قد نَصُّوا على أنه يشرع إعطاء غير المسلمين من رعايا الدولة الإسلامية من أموال الزكاة إذا لم تَفِ الموارد الأخرى بحاجتهم.
فالسادة الحنفية مع تقريرهم أن الزكاة هي أحد الموارد الشرعية لبيت المال، وأن مصارفه تختص بالمسلمين، فقد نَصُّوا على أن أهل الذمة يُعطَوْن منه عند الحاجة والضعف وخوف الهلاك:
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (3/ 19): [ولا شيء لأهل الذمة في بيت المال وإن كانوا فقراء؛ لأنه مال المسلمين، فلا يصرف إلى غيرهم، وكذلك لا يُرَدُّ عليهم مما أخذ منهم العاشر شيئًا؛ لأن المأخوذ صار حقًّا للمسلمين، ومن الناس من قال: إذا كان محتاجًا عاجزًا عن الكسب يُعطَى قدرَ حاجتِه؛ لِمَا رُوِيَ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى شيخًا من أهل الذمة يسأل، فقال: "ما أنصفناه! أخذنا منه في حال قوته، ولم نَرُدَّ عليه عند ضعفه"، وفرض له من بيت المال] اه.
وقال العلامة ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (5/ 128، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وفي "الحاوي القدسي" و"المحيط": ولا شيء لأهل الذمة في بيت مال المسلمين، إلا أن يكون ذميًّا يهلك لضعفه، فيعطيه الإمام منه قدر ما يسد جوعته] اه.
مؤكداً أن الشريعة الإسلامية جعلت لرعايا الدولة الإسلامية حقوقًا واجبةً في أموال الأغنياء إذا لم تَفِ الزكاةُ ولا بيتُ المال بذلك، فجعل لهم من الحق الواجب ما يقوم بحاجتهم ويسد خلتهم ويدفع فاقتهم؛ حيث نص الفقهاء على أن دفع الضرر عن غير المسلمين والمستأمنين وإزالة فاقتهم فرض كفاية على المسلمين، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك؛ فأوجبوها في أموال الأغنياء إذا لم تَفِ الزكاةُ ولا بيت المال ولا الأوقاف والصدقات الجارية ولا الكفارات والنذور بذلك؛ حيث إن الشريعة قد جعلت لرعايا الدولة الإسلامية الفقراء في مال الأغنياء حينئذٍ من الحق الواجب ما يقوم بحاجتهم ويسد خلتهم ويدفع فاقتهم.
قال الإمام النووي في "منهاج الطالبين" (ص: 307، ط. دار الفكر): [ومن فروض الكفاية.. دفع ضرر المسلمين؛ ككسوة عار، وإطعام جائع، إذا لم يندفع بزكاة وبيت مال] اه.
قال الإمام الإسنوي معلِّقًا عليه في "المهمات" (8/ 391، ط. دار ابن حزم): [تخصيصه بالمسلمين باطل؛ فإن أهل الذمة والمستأمنين يجب أيضًا دفع ضررهم بالستر والإطعام وغيرهما كما يجب للمسلم، وقد صرح الرافعي بالمسألة في باب الأطعمة في الكلام على المضطر] اه.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في تعداد فروض الكفاية في "فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب" (2/ 208، ط. دار الفكر): [(ودفع ضرر معصوم) من مسلم وغيره؛ ككسوة عار، وإطعام جائع، إذا لم يندفع ضررهما بنحوِ وصيةٍ ونذرٍ ووقفٍ وزكاةٍ وبيتِ مالٍ من سهم المصالح، وهذا في حق الأغنياء، وتعبيري بالمعصوم أولى من تعبيره -أي تعبير الإمام النووي- بالمسلمين] اه.
وإذا كان سيدنا عمر رضي الله عنه أعطى غير المسلمين من الزكاة سدًّا لحاجتهم وجبرًا لخلتهم، فلأن يجوز ذلك للمواطنين من باب أولى وأحرى؛ فإن المواطنة تفرض على المسلم حقوقًا لمواطنيه منها: التناصر والتآزر، والتعاون، والمواساة، ورد التحية، والنصيحة وحسن الخلق والمعاملة بالمعروف، والدفاع عنه وعن حرماته وأمواله، ورعاية المرضى، وعيادتهم، وتشييع الجنائز والبر والرحمة والتخفيف عن أهل المتوفى في مصابهم، وذلك من حقوق الإنسان على أخيه الإنسان.
وقد أهدى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي سفيان رضي الله عنه تمرَ عجوةٍ حين كان بمكة حربيًّا، واستهداه أَدَمًا، وبعث بخمسمائة دينار إلى أهل مكة حين قَحَطُوا؛ لتُفَرَّق بين المحتاجين منهم؛ ذكره الإمام السرخسي في "المبسوط" (10/ 92).
فبالنسبة للزكاة: جعل الشرع الشريف كفاية الفقراء والمساكين هو آكد ما تصرف فيه الزكاة، وأن الأصل فيها كفايتهم وإقامة حياتهم ومعاشهم؛ إسكانًا وإطعامًا وتعليمًا وعلاجًا وتزويجًا، وهذا يدل على أن الزكاة مشروعة لبناء الإنسان وكفاية حاجته، وما يتصل بأمور معيشته من ضروريات الحياة وحاجياتها؛ أي: أنها للإنسان قبل البنيان، وللساجد قبل المساجد.
قال الإمام الجَصَّاص الحنفي في "أحكام القرآن" (3/ 136، ط. دار الكتب العلمية): [المفروض إخراجه هو الزكاة، إلا أن تحدث أمور توجب المواساة والإعطاء نحو: الجائع المضطر، والعاري المضطر، أو ميت ليس له من يكفنه أو يواريه] اه.
وقال العلامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 261): [وصحَّ دفع غير الزكاة إلى الذمي واجبًا كان أو تطوعًا؛ كصدقة الفطر، والكفارات، والمنذور؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]] اه.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (4/ 195، ط. دار الكتب العلمية): [(و) تحل -أي: صدقة التطوع- لغير المسلم] اه بتصرف يسير.
وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 539، ط. مكتبة القاهرة) أثناء كلامه عن الكفارات: [وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: يجوز دفعها إلى الذمي؛ لدخوله في اسم المساكين، فيدخل في عموم الآية؛ ولأنه مسكين من أهل دار الإسلام، فأجزأ الدفع إليه من الكفارة؛ كالمسلم. وروي نحو هذا عن الشعبي. وخرجه أبو الخطاب وجهًا في المذهب؛ بناء على جواز إعتاقه في الكفارة] اه.
ولا يخفى أن القضاء على الأمراض وعلاج الأوبئة الفتاكة من أهم مقومات حياة الإنسان ومعيشته، وفيه تحقيق لأعظم المقاصد الكلية العليا للشريعة الغراء وهو حفظ النفس؛ لذلك يُشرع لهم حقٌّ من أموال الزكاة والصدقات، ويتعيَّن ذلك على الأغنياء إذا لم يندفع بزكاةٍ وبيت مال:
يقول الإمام الشاطبي في "الموافقات" (3/ 121، ط. دار ابن عفان): [المقصود بمشروعيتها: رَفْعُ رَذِيلَةِ الشُّحِّ، وَمَصْلَحَةُ إِرْفَاقِ الْمَسَاكِينِ وَإِحْيَاءُ النفوس المعرضة للتلف] اه.
وقال العلامة الجمل الشافعي في حاشيته عليه "فتوحات الوهاب" (5/ 183، ط. دار الفكر): [(قوله: ودفع ضرر معصوم) وهل المراد بدفع ضرر من ذكر ما يسدّ الرمق أم الكفاية؟ قولان؛ أصحهما: ثانيهما؛ فيجب في الكسوة ما يستر كل البدن على حسب ما يليق بالحال من شتاء وصيف، ويلحق بالطعام والكسوة ما في معناهما؛ كأجرة طبيب، وثمن دواء، وخادم منقطع، كما هو واضح.. (قوله: إذا لم يندفع ضررهما.. إلخ) منه يؤخذ أنه لو سئل قادر في دفع الضرر لم يجز له الامتناع وإن كان هناك قادرٌ آخر، وهو متجه؛ لئلا يؤدي إلى التواكل] اه.
مختتماً فتواه: فيجوز شرعًا إعطاء الزكاة لغير المسلمين من المواطنين المحتاجين إلى العلاج؛ أخذًا بظاهر آية الزكاة التي لم تفرق بين مسلم وغير مسلم، وعملًا بمذهب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو مذهب جماعة من السلف الصالح وبعض فقهاء المذاهب المعتبرين.
اقرأ أيضا| خالد الجندي: النبي والصحابة كانوا يصلون بالحذاء| فيديو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.