الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
رئيس جامعة المنصورة يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بعدد من الكليات
نائبة: تعديلات قانون الانتخابات تضمن عدالة التمثيل وفق بيانات 2025
ارتفاع الرقم القياسي للصناعات التحويلية 3.9% خلال مارس 2025
قانون تنظيم الحج: فرض عقوبات مشددة لحماية الحجاج وتنظيم الرحلات
7 شهداء و60 مصابا في قصف للاحتلال على رفح الفلسطينية
وزارة الدفاع الروسية: دمرنا 94 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل فوق عدة مقاطعات
مستقبل وريثة عرش بلجيكا في خطر.. بسبب أزمة جامعة هارفارد وترامب
تجميد حسم البطل.. المحكمة الرياضية تحدد موعد قرار قمة الأهلي والزمالك
13 لاعبة ولاعبًا مصريًا يحققون الفوز ويتأهلون للربع النهائي من بطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش
المؤبد لمتهم بحيازة 1839 طربة حشيش في الإسكندرية
بعثة حج القرعة المصرية: وصول 6720 حاجًا إلى المدينة المنورة وتقديم كافة التسهيلات
نائب وزير الصحة تبحث مع وفد منظمة الصحة العالمية واليونيسف تعزيز الحوكمة
الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل تطلق حملة «تأمين شامل.. لجيل آمن» بأسوان
«الداخلية»: إحباط محاولة تشكيل عصابي جلب «حشيش اصطناعي» ب70 مليون جنيه
طارق الشناوي ينعى المخرج الجزائري محمد الأخضر حامينا: يغادر الحياة يوم عرسه
محافظ أسيوط يزور جامعة بدر ويتفقد قافلة طبية مجانية ومعرضًا فنيًا لطلاب الفنون التطبيقية
نائب وزير الصحة تبحث مع وفد الصحة العالمية واليونيسف تعزيز الحوكمة ووضع خارطة طريق مستقبلية
وزير الري يوجه بتطهير مصرف البلبيسي بالقليوبية
أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم 24-5-2025
صدقي صخر عن فيلم "ولا عزاء للسيدات": "جريء ومختلف"
حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب
ماجد سامي: زيزو فقد لقب أسطورة الزمالك.. وإمام عاشور لا يُشبه الأهلي
مكافأة وعتاب.. محمد رمضان يمنح طالب 50 ألف جنيه ويوجه له رسالة مؤثرة
خلاف على «انستجرام» بين مراهقات يتحول إلى عنف خارج أسوار المدرسة
توفير فرص عمل بالأردن برواتب تصل إلى 290 دينارا شهريا
أخبار الطقس في الإمارات اليوم السبت.. أجواء غائمة على هذه المناطق
الضفة.. الجيش الإسرائيلي يقتحم نابلس ويعتقل ثلاثة شبان
لماذا يصل تأثير زلزال كريت إلى سكان مصر؟.. خبير فلكي يجيب
فركش فيلم "روكي الغلابة" ل دنيا سمير غانم وعرضه بالسينمات بموسم الصيف.. صور
رئيس أركان حرب القوات المسلحة يعود إلى أرض الوطن بعد إنتهاء زيارته الرسمية لفرنسا
مسئولو "الإسكان" يتابعون المشروعات الجاري تنفيذها بالقرى السياحية
وزيرة البيئة: نسعى لاتفاق عالمي عادل لمواجهة التلوث البلاستيكي يراعي خصوصية الدول النامية
تشكيل بيراميدز المتوقع أمام صن داونز بذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا
مواعيد مباريات السبت 24 مايو - نهائي دوري أبطال إفريقيا.. والزمالك ضد بتروجت
تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا
موسم تاريخي ل"رجال يد الأهلي" بعد التتويج ب6 بطولات والابطال يتحدثون
انخفاض أسعار البيض في الأسواق اليوم 24-5-2025 (موقع رسمي)
أحمد عيد يعود لتقديم الكوميديا السوداء في فيلم الشيطان شاطر
البابا تواضروس يترأس القداس من كنيسة العذراء بمناسبة يوبيلها الذهبي
السكة الحديد: تأخر القطارات على بعض الخطوط لإجراء أعمال تطوير في إطار المشروعات القومية
"القاهرة _ واشنطن" جهود مشتركة وعلاقات وطيدة
ضبط عاطل بتهمة الاعتداء على طفل جنسيا في الحوامدية
اليوم.. أولى جلسات محاكمة 6 متهمين فى واقعة انفجار خط غاز الواحات
اليوم.. محاكمة متهمين ب«داعش العمرانية»
تامر حسني يدعم كزبرة بعد أول حفل يجمعهما: «كمل يا وحش.. أخوك في ضهرك»
أخصائية اجتماعية تكشف أسباب ظهور سلوكيات عصبية الأطفال
دمشق ترحب برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا
د. هشام عبدالحكم يكتب: خد وهات.. لتبسيط المفاهيم الصحية
نبيلة مكرم عن أزمة ابنها: قررت اتشعبط في ربنا.. وابتلاء رامي كشف لي أنا جيت الدنيا ليه
رابط نتيجة الصف الأول الابتدائي بالقاهرة 2025 وخطوات الاستعلام عبر بوابة التعليم الأساسي
هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح
سباق سيارات ينتهى بحادث تصادم فى دمياط وإصابة 3 أشخاص
القيعي: الأهلي لم يحضر فقط في القمة.. وقرارات المسابقة «توصيات»
صلاح سليمان: مباراة بتروجت مهمة للزمالك لاستعادة الانتصارات قبل نهائى الكأس
عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)
بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري
وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025
هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
أحمد الزناتى يكتب تأملات فى أحوال السيد كا
أخبار الأدب
نشر في
بوابة أخبار اليوم
يوم 01 - 01 - 2022
تأمّلْ الفقرة التالية من كلام روبرتو كالاسو عن الكتابة:»تًكتب الرواية عندما يكون هناك شيء يتحتّم على الكاتب اكتشافه، وهو شيء غامض لا يعرف الكاتب طبيعته ولا أين يجده، كل ما يعرفه أنه شيء ينبغى العثور عليه. عند هذه اللحظة تبدأ المطاردة و تبدأ الكتابة».
فى أواخر يوليو الماضى توفى الكاتب والناقد والناشر الإيطالى روبرتو كالاسو عن عمرٍ ناهز الثمانين سنة بعد عمرٍ طويل أمضاه فى أروقة عالم النشر والكتابة والنقد والتحليل الأدبى. كالاسو من مواليد 30 مايو 1941 فى مدينة فلورنسا الإيطالية. عمل فى شركة النشر أديلفى إديزيونى (Adelphi Edizioni ) منذ تأسيسها على يد المحرر والكاتب الإيطالى روبرتو بازلين فى عام 1962، وقد حرّر كالاسو كتاباً ضخماً يضم نصوص بازلين، سبق وأن ناقشتُه فى مادة سابقة قبل وفاته بشهرين.
ترأس كالاسو الدار فى سنة 1999، وفى سنة 2015 اشترى الشركة لمنع الاستحواذ عليها بمعرفة دار نشر أكبر. كالاسو موسوعة واقفة على قدميْن ومؤسسة أدبية قائمة برأسها، شخصية صموتة منصرفة إلى عملها بالمعنى الغربى للكلمة؛ سِكة هارولد بلوم وجورج شتاينر وعبد الرحمن بدوى ومحمد عنانى. كان كالاسو يجيد الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية واللاتينية واليونانية القديمة. كما درس السنسكريتية وتركزت أعماله حول تحليل العلاقة بين الأسطورة وظهور الوعى الحديث، ونشرَ عن هذه الأطروحة عدداً من الأعمال الفكرية ثرية المادة من بينها زواج كادموس وهارمونى، الأدب والآلهة، وكتاب الكُتب، وغيرها. كما كتبَ عدداً ضخماً من المقالات التى ركزّت على إعادة تناول الأساطير الهندية والإغريقية وربطها بمسار الحداثة الأوروبية. أولى كالاسو جانباً من اهتمامه بأعمال فرانتس كافكا، خرجتْ فى صورة كتاب (Ka) وتُنطق كما نَنطِقُ أول حرفين من اسم «كارل»، وهو الكتاب الذى سأناقشه فى السطور التالية (اعتمدتُ هنا على الطبعة الإلكترونية الصادرة عن دار Penguin Modern Classics السنة الماضية).
للمؤلف كذلك عمل آخر يحمل عنوان (Ka) وهو دراسة فى تمثيلات الميثولوجيا الهندية. عرف قدماء المصريون «الكا»: الطاقة النفسية والحيوية لدى الإله أو شرارة الحياة بحسب تعريف موسوعة الأساطير والرموز الفرعونية (المركز القومى للترجمة – 2004، ص: 265)، وكان ليونج ولع خاص بِ(كا) وحاورَها كثيراً فى دفاتره السوداء باعتبارها القرين الروحى المرافق للإنسان طَوال حياته. يبدو أن مفردة «كا» مفردة سحرية، تضرب بجذورها إلى أعماق أبعد مما نظن.
قلْبُ هذا العمل مناقشة مُطوّلة لروايتى كافكا «Der Prozeß»، القضية فى ترجمة د. مصطفى ماهر، والمحاكمة فى ترجمة وطفى، وإن كنتُ أميل إلى عنوان ماهر، ورواية Das Schloss القصر أو القلعة فى ترجمات أخرى. فى تحليل كالاسو تقارب الروايتان فكرة التعامل مع حالة ما. محور الروايتين فكرة «وقوع الاختيار على شخصٍ بعينه»، يصفها كالاسو ب«Election»، أو القُرعة السماوية بالمعنى الميثولوجى الذى يطرحه جوزيف كامبل.
بحسب كالاسو فنقطة الانطلاق دائماً وقوع الاختيار على كا وغموض اختياره هو تحديداً، وهو غموض لا سبيل إلى تفسيره، حتى أن البطل نفسه لا يحاول البحث عن مسوّغات لوقوع الاختيار عليه ويسير مع الحكاية حتى آخرها. يأخذنا كالاسو فى تحليل مقارن لفصول الروايتيْن، ثم يمضى فى فصول لاحقة فى مقاربة نصوص كافكا الأخرى ويعرّج فى أحيان كثيرة على اليوميات والرسائل. يقرأ كالاسو نصوص كافكا بما فى ذلك اليوميات والشذرات قراءة حميمية لدرجة أن صوته كمؤلف يتبادل الدور مع صوت المؤلف، فلا تدرى كقاريء من الذى يتكلم كافكا أم كالاسو. حُلم جوانج زي: الرجل الذى يحلُم بأنه فراشة أم الفراشة التى تحُلم بأنها رجل.
من بين وصايا هسّه الخالدة أنه ينبغى على القارئ أن يختار مما يقرأ مختارات تخصّه، فقرات بعينها رسختْ بذهنه وأثّرت فيه، وإلا تحوّل إلى آلة كاتبة أو ببغاء. ولكل قارئ «كافكاه» وتأويله لما قرأ. عثرت عند كالاسو على بعض النقاط الجديرة بالإشارة، لذلك سأتوقّف هنا عند رؤية المؤلف للروايتين المذكورتين سلفاً لظهور البطل فيهما باسم كا، وهو عنوان الكتاب.
فى تحليل كالاسو لأحوال البطل الروائى كا يلاحظُ كالاسو أن إدانته/ملاحقته دائماً أمر مؤكد، بينما اختياره لأداء المهمة أمر غير مؤكد. يظهر مجهولان فى غرفة يوزيف كا، يلتهمان فطوره، ثم يُبلغ فى عيد ميلاده الثلاثين بأنه معتقل. الادعاء هو نفسه هو الحُكم. الموضوع محسوم ولا حلّ لذلك. أما فى رواية القصر ثمة شكوك تحوم حول حقيقة استدعاء موظف المساحة كا.
فاكرين مثلاً غضب شفارتسِر فى أول الرواية لما تلقّى اتصالاً من فريتس وقال إن الوافد الغريب مجرد صعلوك دنيء كذاب، ثم رجع وعَدل عن كلامه بعد مكالمة هاتفية مُطولة من مدير المكتب. ثمة شيء خفى يجرى من وراء الستار حول مسألة تعيين كا. هل نعرف شيئاً عن تاريخ كا وأصله وفصله قبل الوصول إلى القصر؟ لا سبيل إلى معرفة ذلك على وجه اليقين.
يخبر مديرُ القرية المسّاح كا: «لقد قلت إنهم قبلوك موظفاً للمساحة، ولكننا للأسف لا نحتاج إلى موظف مساحة، فليس له أدنى عمل هنا». يقول كالاسو: «إن القسوة ليست فى الجملة الأخيرة بل فى كلمة «لقد قلت»، تأويلى لاقتباس كالاسو: لم يستعدك أحد يا سيد كا، وإثبات مبرر وجودك فى القصر مسئوليتك وحدك.
يرى كالاسو أن روايتى المحاكمة والقصر تدوران فى جو نفسى واحد، فى عالم يُطلِق عليه mundus imaginalis، بقليل من البحث وجدت أنه مصطلح نحته الفيلسوف الفرنسى والصوفى الكبير د. هنرى كوربان لوصف مملكة الخيال التى يسبح فيها العارفون، وترجمته (عالم المثال) لو استعرنا تعبير الشيخ الأكبر، أو قالب من اللا واقع مضمونه الواقع بتعبير د. مصطفى ماهر فى مقدمة ترجمة القضية.
تحليل كالاسو للعمليْن مثير للانتباه. يقول إنه بعد تنفيذ حكم الإعدام فى يوزيف كا، يُستدعى المسّاح كا فى مهمة غامضة إلى القصر. يطلق كالاسو على هذه الحالة الbardo، ومعناها فى كتاب الموتى البوذى – بحسب شرح كالاسو- حالة متداخلة بين الموت والبعث، والعبد لله يُفتى ويزعم أن مفردة (الباردو) غير بعيدة اشتقاقياً عن مفردة (البرزخ). هنا ألمس مدى ولع كالاسو بردّ أصل الأشياء إلى منبعها، كما أرى ذهنه المشغول دوماً بمحاولة ربط الواقعى بجذوره الميثولوجية، وهو ما برع فيه طَوال حياته. استشعرتُ ذلك فى استلهام فكرته السابقة من فكرة التناسخ. تُبعث روح كا إلى الحياة فى جسد موظف مثله مثل سلفِه موظف البنك يوزيف كا، لهذا لا نعلم شيئاً عن أصل المسّاح وفصله، وكأنها إحدى دورات العود الأبدى فى شكلها الكافكاوى.
فى البداية لنتذكر ما قاله كا إلى الرئيس بخصوص خطاب التعيين (ترجمة د. ماهر): «إذا قبلنا جدلاً بأن الأحوال على هذا النحو فمعنى هذا أن الخاطر الذى طرأ باستدعاء شخص للعمل كموظف مساحة فى القصر مجرد عمل (خيالى ودي)..ثم تتابعت الأعمال فى الفترة التالية الواحدة تلو الأخرى؟» عمل خيالى ودّى، كلمة لا تُنسى أبداً.
يذهب كالاسو إلى أن الدخول إلى القصر مثل الدخول إلى حُلم، لكنها تذكرة ذهاب فقط بدون عودة، والإجراءات الإدارية فى القضية والقصر متشابهة إلى حد ما، لكن لا شيء يؤكد أن الاستراتيجة العامة فى الحالتين متوافقة. لا توجد فى القصر ملاحقة قانونية ولا حاجة إلى كتابة مذكرة دفاع (كما حاول يوزيف فى أثناء ساعات العمل الرسمية فى البنك)، بل يكفى أن تستمر الحياة. مجرد مرور الوقت هو الحُكم. الدخول إلى القصر معناه غياب الزمن. ألا تذكرنا أيضاً بكيفية انقضاء الزمن ومرور الأيام على دروجو فى صحراء التتار؟ يحتدّ كا ويبرز خطاب التعيين الموقّع من «كْلَمْ»، فيخبره الرئيس أنه ليس مخاطبة رسمية، بل مجرد خطاب خاص لم ترد به كلمة واحدة تؤكد أنه مقبول، وأن تفسير مغزى وجوده فى القصر ملقى على عاتقه وحده.
أما عن الأصالة الفنية فى الروايتيْن فيقول: «ما يميز القضية والقصر هو أن الروايتيْن من السطر الأول حتى السطر الأخير تظهران أمام أعيننا على أعتاب عالم خفى يشكّك المرء فى وجوده. لم يسبق لرواية قط أن رسمت مثل هذا الخط الرفيع بين الحلم والواقع أو رسمت لنا مثل هذا المكان. لم يسبق لأحد قط أن قرّب إلينا هذين العالمين بشكل مرعب بحيث يبدو أنهما يلمسان كل واحد منا ملامسة خفية. لا يمكننا أن نجزم على وجه اليقين ما إذا كان هذا العالم الخفى خيرًا أم شراً ، فردوسياً أم جهنمياً. القرينة المادية الوحيدة هى ذلك الشعور الغامض الذى يغمرنا ويغلفّ قلوبنا، وحالنا كحال «كا» تتناوب علينا ومضات من النوم واليقظة، فنخلط بينهما أحياناً، لكن أحداً لا يملك سلطة تصحيح رؤيتنا».
فى فصل لاحق يقدم المؤلف تأويله حول سبب عدم مغادرة كا القصر، فيقول عن القصر إنه مكان مؤلم، لكنه المكان الوحيد الذى يعرف كافكا أنه ينتمى إليه. وصل كا إلى القرية الواقعة أسفل القصر، وبعد أن لاقى الرفض فى البداية وتعرّض للمضايقة، يدرك أنه جاء إلى هنا ليبقى كما لو أن أى نوع آخر من الحياة كان مغلقاً أمام وجهه، فيكرر: «سأبقى هنا»، ويواصل كما لو كان يتحدث إلى نفسه: «ما كان لشيء آخر أن يأتى بى إلى هذه الأرض اليباب [يستخدم كالاسو كلمة The Wasteland] إن لم تكن الرغبة فى البقاء هنا». كا قدّم المبررات وقال إنه قطع رحلة شاقة طويلة وعثر على عروسه فى هذا المكان، وأنه لن يجد عملاً فى مكان آخر. القصر – وفق كلام كالاسو- هى الأرض اليباب، وهو أيضاً أرض الميعاد. وأرض الميعاد هو الأرض الوحيدة التى يمكن للمرء أن يقول عنها كما قال كا: «لا أستطيع الهجرة منها».
أنفر شخصياً من كل تأويل لاهوتى. التأويلات اللاهوتية حدّية، شارع ذو اتجاه واحد، أميل إلى وجهة نظر هسّه فى إحدى رسائله (رسالة مؤرخة فى 9 يناير 1956 بترجمتي) لما قال: «بالنسبة إليَّ كقارئ متابع لأعمال كافكا منذ بواكيره الأولى فالأسئلة التى طرحها لم يعطِ عنها إجابة. كان كافكا ينقل إلينا أحلامه ورؤاه حول حياته الموحشة القاسية، وكان يقدّم إلينا قصصاً شبيهة بمعايشاته، وبمنغصّات حياته ومسرّاتها. كانت هذه الأحلام والرؤى فريدة من نوعها، ومطلوب منا [كقرّاء] قراءتها وقبولها».
لا أظن أن القصر مجاز إلى أرض ميعاد ولا غيره. غموض معنى القصر جزء من معنى القصر. طريق قطعه الكاتب وأراد أن يعرف آخره. تقول آخر جُملة فى مولوى بيكيت: (لقد طلب منى الصوت كتابة التقرير. ذهبت إلى البيت وكتبت. كان الوقت منتصف الليل وكان المطر يدقّ النوافذ. لم يكن الوقت منتصف الليل، لم تكن تمطر). ربما يكون هذا تفسير تلبية كا لخطاب الاستدعاء والذهاب إلى القصر. وما علاقة هذا بذاك؟ هذه أسرار مدفونة فى أعماق كل كاتب.
ينوّه كالاسو أيضاً بقوة وأصالة ثيمات الزمن المُعلّق والمكان الذى لا يُمكن بلوغه أو المكان الذى لا يمكن الخروج منه. ذكّرنى كلامه بفقرة فى كتاب يوميات القراءة لمانجويل سردَ فيها أسماء الأعمال التى تتناول ثيمة الزمن المُعلّق مثل رواية امرأة فى الرمال لكوبو آبى، ونوفيلا ساحرة لأدولفو بيوى كاساريس دوَّختنى وراءها سنوات اسمها «اليمين الكاذبة للثلج» عثرتُ على ترجمتها الإنجليزية مؤخراً، وثيمة الأماكن التى لا يمكن بلوغها/مغادرتها مثل قلعة كافكا وصحراء التتار لبوتزاتى ومسرحية الأبواب المغلقة لسارتر، إلخ.
نقطة مهمة جديرة بالإشارة اقتنصها كالاسو بمهارة وساعدتنى على الاقتراب من فهم كافكا فهماً أفضل، حيث يقول: «تبدأ عملية الكتابة عند كافكا حينما يدخل فى علاقة مع اجراءات المحاكمة أو بعد دخول القصر، وهى علاقة ستكون دائماً وحرفياً، مثل قضية خاسرة»، فيقتبسُ جُملة عابرة لقطَها كالاسو من حوار يوزيف كا فى رواية القضية مع عمّه كارل: «إن قضية كهذه هى قضية خاسرة منذ البداية».
أقول فى نفسى هل هذا هو السبب الذى لم يدفع كافكا لأن يتعامل مع موهبته الأدبية تعاملاً أكثر جدية؟ يسأل راينر شتاخ فى كتابه كافكا السنوات الأولى (ت: هبة الله فتحي) هل جاء كاتب من قبل يحترم عملية الكتابة ويحتقر المُنتج الملموس بهذا الشكل؟ ظلَّ ماكس برود حائراً فى تفسير هذا الموقف الغامض من صديقه إزاء نشر أعماله وتردّده بوصف موقفه دليلًا على العبقرية، أم ربما هو حالة بعيدة عن الفن، حالة مدمرة (أو قضية خاسرة بتعبير كالاسو). ما الذى كان يقصده كافكا؟ ما الذى كان يريده من وراء الكتابة إن كان يستهين بمسألة المُنتج المطبوع؟ التأويلات مختلفة، لكن السرّ وحده عند البطل المتكتّم. بورخيس قال مرة فى حوار مترجَم إن كافكا كان يفتش عن شيء ما، لكن لم يوضّح المزيد.
الحقيقة أن ملاحظة شتاخ السابقة سبق وأن أثارها رونالد جراى فى كتاب فرانز كافكا (المشروع القومى للترجمة ت: نسيم مجلى، 2000)؛ أقصد ملاحظة أن شك أهل القصر فى تعيين المسّاح كا عند وصوله يعكس شكّ كافكا نفسه فى موهبته وقيمته ككاتب. فكلمة Surveyor = مسّاح استعارة ليست سيئة الدلالة على روائي= Novelist، وكما أن المسّاح لم يقدم دليلاً واحداً على كفاءته الوظيفية لم يقدم كافكا أمارة على جدارته ككاتب فأحرق أعماله تشكيكاً فى جدواها وإنكاراً لقيمتها (ص 181).
قرأتُ منذ زمن بعيد قصة لكاتب لم أعد أذكر اسمه عن محامٍ يعمل فى مؤسسة كبرى كُلّفَ بمتابعة ملف قضية والعثور على ثغرة لإبراء موكّله وكتابة مذكرة الدفاع عنه. كانت مستندات القضية مكتوبة بلغات غريبة، ولأن بطل القصة عاطفى متحمّس، اشترى قواميس كثيرة وانشغل سنوات طويلة بترجمة ملف القضية، ثم انغمس سنوات أخرى فى الاطلاع على ملف القضية ولم يفهم كلمة واحدة. كانت القرائن والأدلة ضد المدعى عليه غير كافية، لكنها أيضاً لم تكن تبرئ ساحته تماماً. فى القصة ما تزال القضية منظورة أمام محكمة ابتدائية، وما يزال أمامها الاستئناف ثم النقض ثم إدارة تنفيذ الأحكام، أو ربما يردّ مجهول هيئة المحكمة لاستشعار الحرج. من واقع خبرته يستمر هذا النوع من القضايا سنوات طويلة، طويلة جداً. لكن عليه مواصلة كتابة التقرير والاستمرار فى فحص أوراق القضية، فإن لم يكن فى المكتب، ففى المنزل ليلاً، وإن لم يكن فى المنزل فعليه القيام بإجازة، المهمّ ألا يتوقّف، فما ينبغى للمرء الوقوف فى منتصف الطريق. يعى بطل القصة أنّ كتابة التقرير عمل شاق، لأنها تستلزم التفتيش فى تفاصيل معينة فى حياة موكّله، لكن أحدًا غيره لن يمكنه كتابة التقرير.
فى الأرجح كان الاستدعاء إلى القصر حيلة روائية مُدبّرة. ربما كان حتماً على رواية القصر وغيرها من روايات كافكا أن تظل أعمالاً غير مكتملة. أفكّر أن اكتمال رواياتٍ بعينها كان سيقضى عليها، كان سيحوّلها إلى روايات عظيمة، لكن منها كثير فى السوق. هناك أشياء مكتوب عليها أن تظلّ مُعلقة أبد الدهر، ألا تصل إلى نقطة النهاية، لأنها أكبر من أن تُحكى فى حياة واحدة، وهى أشياء تحاول فقط أن تحدث، أن تلامس أرض الواقع بأطراف الأصابع ثم تعود إلى عالم المثال. ربما كان كا أذكى من كابتن دروجو فى صحراء التتار. قرب النهاية يقترح القائد سيمونى على البطل دروجو القيام بإجازة والذهاب إلى البحر بعد عقود من العمل المتواصل وترقيته إلى رتبة النائب الأول فيقول له: «أنت تأخذ كل شيء على محمل الجد يا دروجو». لكن دروجو يرفض، لأنه كان مؤمناً بالقلعة، يدافع عنها ويشدّ من أزرها، وكأنها تحتاجه كما يحتاجها. فى السطر الأخير يغادر دروجو القلعة ويتهيأ للموت. يبتسم وهو يرتب بيده ياقة البذلة. برغم كل شيء يموت البطل وفى نفسه حنين إلى القلعة.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
القومي للترجمة يعيد نشر رواية القصر لكافكا
القومي للترجمة يصدر رواية " القصر " لكافكا
سنوات كافكا
سنوات كافكا
"روبرتو كالاسو عملاق الأدب الإيطالى" اتقن 8 لغات ودرس الهيروغليفية.. هل تعرفه؟
أبلغ عن إشهار غير لائق