مع نهاية كل عام تنتشر بكل وسائل الإعلام ظاهرة كشف الحساب لما تحقق فى عام مضى بكل المجالات، بينما تزخر وسائل التواصل الاجتماعى بأمنيات العام الجديد، وفى الأغلب الأعم لاتظهر كشوف حساب لأخطاء وقعت جهلا أو عمدا، مع تمنى عدم تكرارها، وبالطبع يصعب أن يكون هناك كشوف مماثلة للضمائر الغائبة والنفوس الفاسدة. الأمنية الغالبة للمصريين حاليا وفى كل عام هى الستر والصحة، فكلاهما أصبح هاجسا تفرضه الحالتان الاقتصادية والصحية بعد أعوام من ظهور وباء «كورونا» وماتسبب فيه من تضرر الأحوال المعيشية والاجتماعية والنفسية مع فقدان وظائف ورحيل أحباء، ولكن الوباء الأشد خطرا هو تغير قيم المجتمع التى ظلت ثابتة لفترات طويلة، كاحترام قيمة إتقان العمل واحترام الخبرة، وإعلاء أصحاب العلم والكفاءة عن النماذج الرديئة من محترفى النفاق والتسلل من الأبواب الخلفية بالوساطة والعلاقات الشخصية، ومع كثرة التقلبات التى مرت بها مصر فى العقد الأخير تفشى التعصب السياسى والدينى الذى يظهر مع غياب الحوار الواعى وعدم التسليم بحق الآخرين فى الحرية والتفكير، والازدواجية بين التمسك بمظاهر التدين دون أن ينعكس ذلك على المعاملات والسلوك. يحتاج المناخ العام كله إلى تغيير حقيقى فى العام الجديد، يمنح التفاؤل للبشر دون تزييف أو مبالغة، ويفتح باب الأمل أمام الجميع لأداء واجباتهم والحصول على حقوقهم العادلة، ويدعم الثقة بين الناس وكل مسئول. ربما يكون كشف الحساب الأكثر جدوى هو حساب الضمير، وسواء كان الإنسان مجرد مواطن أو مسئولاً عليه البحث عن كل ماقدمه فى عامه الذى مضى، من ساعده ومن تسبب له فى الأذى، وعما فشل فيه ليحول الفشل إلى نجاح، فلا فائدة من استقبال عام جديد دون راحة الضمير.