الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
المطورين العقاريين: القطاع العقاري يُمثل من 25 إلى 30% من الناتج القومي
مكتب نتنياهو: الإفراج عن "ألكسندر عيدان" يمكن أن يقود لمفاوضات إطلاق الرهائن
ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح
تزامنا مع زيارة ترامب.. تركيب الأعلام السعودية والأمريكية بشوارع الرياض
زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب جنوب غربي الصين
المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار
النصر يتطلع للعودة إلى الانتصارات بنقاط الأخدود
أمن الإسماعيلية: تكثيف الجهود لكشف لغز اختفاء فتاتين
بينهم أطفال.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين في حادثين منفصلين بالأقصر
لبنى عبد العزيز لجمهورها: الحياة جميلة عيش اليوم بيومه وماتفكرش فى بكرة
يارا السكري ترد على شائعة زواجها من أحمد العوضي (فيديو)
الدولار ب50.56 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الاثنين 12-5-2025
حكم اخراج المال بدلا من شراء الأضاحي.. الإفتاء تجيب
أمريكا تعلق واردات الماشية الحية من المكسيك بسبب الدودة الحلزونية
وفري في الميزانية واصنعيه في البيت، طريقة عمل السينابون
مدير الشباب والرياضة بالقليوبية يهنئ الفائزين بانتخابات برلمان طلائع مصر 2025
حريق هائل يلتهم محصول القمح في الغربية
الاحتلال الإسرائيلي يقتحم كفر اللبد ويعتدي على شاب من ذوي الإعاقة
جيش الاحتلال ينفذ عمليات نسف كبيرة فى رفح الفلسطينية جنوبى قطاع غزة
أصالة تدافع عن بوسي شلبي في أزمتها: "بحبك صديقتي اللي ما في منك وبأخلاقك"
الانتهاء من تصوير 90% من فيلم روكي الغلابة
حقيقة وفاة الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق
بعد ضم 5 نجوم.. 3 صفقات سوبر منتظرة في الأهلي قبل كأس العالم للأندية
الصراع يشتعل على المقاعد الأوروبية.. جدول ترتيب الدوري الألماني
60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الاثنين 12 مايو
حبس وغرامة تصل ل 100 ألف جنيه.. من لهم الحق في الفتوى الشرعية بالقانون الجديد؟
ملخص أهداف مباراة الاتحاد والفيحاء في دوري روشن السعودي
تكليف «عمرو مصطفى» للقيام بأعمال رئيس مدينة صان الحجر القبلية بالشرقية
خاص| سلطان الشن يكشف عن موعد طرح أغنية حودة بندق "البعد اذاني"
عمرو سلامة عن مسلسل «برستيج»: «أكتر تجربة حسيت فيها بالتحدي والمتعة»
عمرو سلامة: «اتحبست في دور المثير للجدل ومش فاهم السبب»
ترامب: سأعلن عن خبر هو الأهم والأكثر تأثيرا على الإطلاق
المهندس أحمد عز رئيسا للاتحاد العربى للحديد والصلب
اعترافات صادمة لسائق بسوهاج: سكبت البنزين وأشعلت النار في خصمي بسبب خلافات عائلية
البترول تعلن شروطها لتعويض متضرري "البنزين المغشوش"
عاجل- قرار ناري من ترامب: تخفيض أسعار الأدوية حتى 80% يبدأ اليوم الإثنين
سعر الذهب اليوم الإثنين 12 مايو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)
ندوة "العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فتاوى دار الإفتاء المصرية" بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي
عاد إلى إفريقيا.. الوداد يحسم مشاركته في الكونفدرالية بفوز في الجولة الأخيرة
نجم الزمالك السابق: تعيين الرمادي لا يسئ لمدربي الأبيض
تبدأ في هذا الموعد.. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي بمحافظة أسوان 2025 (رسميًا)
وزيرا خارجية الأردن والإمارات يؤكدان استمرار التشاور والتنسيق إزاء تطورات الأوضاع بالمنطقة
محافظ الشرقية يصدر قرارًا بتكليف رئيس جديد لصان الحجر
3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»
أسعار كرتونة البيض اليوم 11 مايو 2025
مشاجرة عائلية بسوهاج تسفر عن إصابتين وضبط سلاح أبيض
عاصفة ترابية مفاجئة تضرب المنيا والمحافظة ترفع حالة الطوارئ لمواجهة الطقس السيئ
«انخفاض مفاجئ».. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: كتلة هوائية قادمة من شرق أوروبا
بسبب ذهب مسروق.. فك لغز جثة «بحر يوسف»: زميله أنهى حياته ب15 طعنة
مع عودة الصيف.. مشروبات صيفية ل حرق دهون البطن
حسام المندوه: لبيب بحاجة للراحة بنصيحة الأطباء.. والضغط النفسي كبير على المجلس
خبر في الجول - جاهزية محمد صبحي لمواجهة بيراميدز
مواعيد عمل البنك الأهلى المصرى اليوم الاثنين 12 مايو 2025
الاعتماد والرقابة الصحية: القيادة السياسية تضع تطوير القطاع الصحي بسيناء ضمن أولوياتها
هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب
جامعة بنها تطلق أول مهرجان لتحالف جامعات القاهرة الكبرى للفنون الشعبية (صور)
الإفتاء توضح كيف يكون قصر الصلاة في الحج
هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
كورونا وأدب الرحلة
أخبار الأدب
نشر في
بوابة أخبار اليوم
يوم 02 - 08 - 2021
منصورة عز الدين
حُكِي الكثير عن التأثيرات السلبية لوباء كورونا المستجد على صناعة النشر في العالم كله، وكيف تسبب في إلغاء معظم معارض الكتب الدولية وأجبر كثيرًا من الناشرين على وقف أنشطتهم وأغلق المكتبات في فترات الحظر الكلي، لكنّ قطاعًا بعينه من النشر يبدو أنه تأثر أكثر من غيره، وأقصد به النشر المتخصص في السفر والرحلات، وهو لا يعني فقط أدب الرحلات بمعناه المنتشر لدينا، إنما يمتد ليشمل كل ما يخص السفر والارتحال والبلدان الأجنبية.
ففي الغرب، وربما معظم أجزاء العالم، هناك دور نشر متخصصة حصرًا في الكتب المتعلقة بالسفر؛ إذ تنشر أدب رحلات وكتيبات إرشادية عن مدن العالم المختلفة وأهم معالمها السياحية، وكيفية زيارة هذه المعالم في أقصر وقت ممكن. ثمة مثلًا كتب عن كيفية الإلمام بأهم ما في باريس أو لندن مثلًا في يوم أو يومين، وكتب أخرى مخصصة لهواة السياحة الرياضية أو الثقافية أو المهتمين بالمطابخ المحلية في البلاد التي يزورونها وهكذا. وتجدد هذه الكتيبات الإرشادية دوريًا كي تواكب التغيرات المتتالية في المدن المختلفة.
ومع اجتياح وباء كورونا للعالم من شرقه إلى غربه وتوقف حركة السفر العالمية إلّا في أضيق الحدود، لم يعد أحد تقريبًا يُقبِل على اقتناء هذا النوع من الكتيبات وتضررت دور النشر المتخصصة في نشرها تضررًا كبيرًا، لم يُحجِّم منه سوى إقبال القراء على قراءة أدب الرحلات التقليدي، الذي يسرد لهم تجارب كُتَّابه في بلاد بعيدة، تعويضًا عن حرمانهم من السفر.
حاولت هذه الدور تقليل خسائرها أيضًا بالتركيز على كتب السياحة المحلية وإصدار كتيبات سياحية عن المدن المحلية في الدول التي تنتمي إليها، كما ركز بعضها على نشر كتب تتناول كيفية السفر مع اتخاذ كافة الاحترازات الصحية اللازمة، أو تلفت النظر إلى أهمية الوعي بالبيئة المحيطة وكيفية رؤيتها بعين جديدة سواء في أماكننا الأصلية أو تلك الأماكن التي نسافر إليها.
وفي ظل عودة حركة السفر نسبيًا حاليًا، تحاول دور النشر هذه التأقلم مع المستجدات وتكييف سياستها النشرية مع التغيرات الطارئة على عالمنا لجني أكبر ربح ممكن وتوسيع مفهومها ومفهوم قرائها المحتملين عن الارتحال وعلاقتهم بالأماكن التي يزورونها ودور الإنسان ومسؤوليته عمّا يقع للبيئة التي يعيش فيها.
طويت الصفحة الأخيرة من الكتاب وقلت فى نفسي: هذا هو الأدب الذى أود كتابته والكتابة عنه. جرّبت إنريكه فيلا - ماتاس فى ابارتليبى وأصحابه بترجمة عبد الهادى سعدون وامستكشفو الهاوية بترجمة أحمد مجدى منجود، بالإضافة إلى عمل ثالث قصير عن لغة وسيطة بعنوانA Brief History of Portable Literature، وفيه يصهر الرجلُ الفواصل بين التاريخ
وأدب المغامرات والسيرة الذاتية، فيكتب عن تاريخ مجتمع سري، أسماه مجتمع االشانديزب نسبة إلى راوية الأديب الآيرلندى لورانس ستيرن المعقدة (حياة السيد النبيل تريسترام شاندى وآراؤه)، وهو مجتمع يضمّ مجموعة من الأدباء الذين عاشوا فى القرن الماضى مثل دوتشامب، جومبروفيتش، بورخيس، جويس، سيلين، فالتر بينيامين، لوركا وغيرهم،
وكان اكتشافاً بحق. اشتُهرت أعمال ماتاس بالتناص المكثف مع نصوص أدبية الأخرى وعلى الأخص نصوص روبرت فالزر وبيكيت وجويس ومونتين ولورنس شتيرن، وكذلك الرسم بحُرَّية من تفاصيل حياته الغريبة، وتحوم نصوصه حول بقعة رمادية ما بين الأحداث والتأملات والسرد المسهب تتخلله استطرادات طويلة. الدكتور باسافنتو:
فى هذا العمل ينهى ماتاس الثلاثية التى بدأها ب بارتليبى وأصحابه حول كُتَّاب ال الاب الرافضين للكتابة، أو الكُتَّاب الذين كتبوا عملاً واحداً ثم هجروا الكتابة أو الذين غرقوا قى صمت أبدى حتى رحلوا، وأتبعه بكتاب Montanoصs Malady [وَفق الترجمة الإنجليزية] وأخيراً رواية الدكتور باسافانتو التى أنجز ترجمتها الشاعر والمترجم العراقى حسين نهابة.
بطل الرواية (ماتاس شخصياً) يصرّح بوضوح فى مقابلاته وأعماله أنه مهووس بفكرة الاختفاء والتلاشى عن أعين الجميع. لماذا؟ يبرر ذلك بقوله لأنها محاولات تأكيد الذات. وبعد أسبوعين من سؤال المجهولين له يعرِفُ ماتاس أن رجلاً اسمه ادكتور باسافانتوب اختفى قُرب برج مونتين، البرج الذى عاش فيه أستاذه الأسلوبى كاتب المقالات الفرنسى ميشيل مونتين، من دون أن يترك أثراً، وتبدأ اللعبة. يُدعى السارد/الكاتب إلى إلقاء محاضرة فى إشبيلية حول موضوع اكيف أن الحقيقة تراقص الخيال على الحدود، فينطلق فى رحلة كيخوتية ممزوجة بطابع ماتاسي، لكنه يقرر فى اللحظة الأخيرة عدم إلقاء المحاضرة والاختفاء بدلاً من ذلك. رواية دكتور باسافينتو (إن جاز لنا نسبها إلى ذلك الجنس الأدبي) هى حكاية كاتب يسعى وراء الاختفاء، فيحاول أن يحذو حذو الكاتب السويسرى روبرت فالزر الذى انسحب من مجد العالم الأدبى ليعيش فى تعاسته الجميلة وليكسبَ حياته الحقيقة عبر إخفاء هويته فى مستشفى للأمراض العقلية. بل أغلو فأقول إنها محاولة لإعادة تمثيل حياة روبرت فالزر، ولا سيما فى الثلث الأخير من العمل؛ حيث يبدأ الساردُ كل فقرة تقريباً بجُملة ثابتة: اوضعتُ قبعة اللباد على رأسى وغادرت غرفة الكُتاب أو الأرواح، وهى نفسها افتتاحية قصة روبرت فالزر اتمشيةب = Der Spaziergang (للقصة ترجمة عربية بعنوان مشوار المشي).
دفعتْ رغبة باسافنتو فى الاختفاء من دون أن يلاحظه أحد إلى استبدال جهاز الكمبيوتر الخاص به وقلمه الجاف ب اقلم رصاصب (لروبرت فالزر قصة بالاسم نفسه!)، بحيث أن ضربة صغيرة لسنّ القلم الرصاص كفيلة بنسف فكرة الكتابة. يفطن السارد إلى حقيقة أن الاختفاء فى الواقع سيكون غاية فى الصعوبة، لكنه يفكر أيضًا فى الآلهة الغامضين المنعزلين مثل موريس بلانشو وتوماس بينشون وج. د. سالينجر، فيتوجه إلى نابولي، متخذًا اسم الدكتور باسافينتو ومحتفظاً باسم الدكتور بينشون كاسم احتياطي.
لا يمل الكاتب على مدار الصفحات من إيراد أسماء الكّتاب الذين أَحَبَّهم وتأثّرَ بهم، ولحسن الحظ أنهم من طينة الكُتاب الذين أعاود قراءتهم والترجمة لهم أحياناً. كاتب ماتاس الأثير هو السويسرى روبرت فالزر، عميد أدب الاختفاء عن البلاد والعباد وحامل صليب الأدب، وكاتبه الأسلوبى المفضل هو الألمانى فينفريد جيورج زيبالد، الذى كان يشعر أن كل ما حوله فى طريقه إلى الاختفاء والتلاشى والزوال. ماتاس مولعٌ ب زيبالد، المستشهد دوماً بشعرية الزوال والمتناص دوماً مع أعمال الآخرين،
وكذلك بموريس بلانشو، صمويل بيكيت، سالينجر، جوليان جراك وتوماس بينشون، إلخ. ومثلما كان صمويل بيكيت يختفى وراء الكلمات المتكررة إلى ما لانهاية فى مالون ومولوى واللا مسمّى، يختفى ماتاس وراء الاستطراد المتواصل وإرجاء النهاية إلى أبعد نقطة ممكنة.
من النقاط اللافتة انشغال ماتاس المتواصل بالبحث عن أسلوب، الرجل هو الأسلوب كما يُقال عادةً. فتّش الرجل طويلاً فلم يجد الأدب الحقيقى فى نظره، وفى اعتقادى مؤخراً إلا عند لورانس ستيرن فى احياة تريسترام شانديب، وهو العمل الجامع كل شيء وأى شيء (أذكر أن خابيير مارياس قال الكلمة نفسها فى أحد حواراته)، كما وجدها فى مقالات مونتين، حيث ابتكر مونتين ولورانس ستيرن جنس المقالة/الرواية/السيرة، وهو الجنس الأدبى الذى واصلَ زيبالد تطويره وسار به ماتاس فى سِكّة جديدة.
السارد المهووس بفكرة الاختفاء يستخدم تقنية الاستطراد اللا نهائي،
وهى استراتيجية تريسترام شاندى الرامية إلى إرجاء النهاية/الموت إلى ما لا نهاية، فبطل رواية ستيرن لا يريد أن يُولد لأنه لا يريد أن يموت. المفارقة الساخرة والمتكررة فى نصوص ماتاس ذ حسبما قرأت منها- أن الكاتب الحالم بالهروب من نفسه ومن الموت، والمنتحل لهوية شخص آخر، لا يسعه إلا مواصلة سرد القصة (إن كانت ثمة قصة) بضمير المتكلم. بل أن السارد فى بحثه عن طُرق للاختفاء يقتبس تقنياته من الروايات والكتب، الرجل مستغرق بكليته فى عالم الأدب وكأنه لم يُخلق لهذا هذا العالم. وسط مسار السرد يطل علينا ماتاس بآرائه حول الأدب فيتسائل فى حواراته مع بروفيسور مورانتي: لِمَ كان الأدب الجيّد يتخذ دائماً شكل رحلة؟ الأوديسة؟ رحلة اليوم الواحد فى عوليس ج. جويس؟ الكيخوته؟ فيجيب بأن الرحلة هى الحبكة المثالية لأية قصة، لأنهم اكتشفوا منذ العهود الغابرة أنه إذا كان للشيء بداية ونهاية فهى الرحلة، كان للرحلات بداية ونهاية وهذا ما يصنع نسقاً، أو هذا ما يصنع قصة.
***
كان أرتور رامبو يقول إن الحياة الحقيقية غائبة، وفى ظنى ستظل الحياة غائبة، خلواً من المعنى طالما لم يضعها الإنسان داخل قصة أو قصيدة، ولن يتحقق حضورها إلا بالتقرير الذى يكتبه الإنسان عن نفسه. لا ينبغى لأحد الموت إلا لو كانت لديه قصة تُروى. لكى تغادر عليك أن تحكى قصّتك أولاً ثم تمضي، كاذبة كانت أم صادقة، لا فرق. ذات معنى أم خالية من المعنى، لا ضير. قرأها أحد أم لم يقرؤها أحد، لا يهم.
فى أدب ماتاس الحياة لا وجود لها لو لم يعثر لها الإنسان على شكل سردى (حتى لو كانت رواية ملغزة
ونقطة النور فيها مدفونة أسفل جملة واحدة فقط، والشاطر من يعثر عليها مثل مولوى بيكيت)، فمن دون الأدب لن تكون الحياة أكثر من شيء يحدث، سيرك يمرّ لو استعرتُ عنوان رواية موديانو، أما عبر الفن الذى يتخذ شكل رواية/قصة/قصيدة/لوحة/مقالة/مقطوعة موسيقية تنفتح أمامك طاقة صغيرة تطلَّ منها برأسك. نقرأ فى صفحة 83: االأدب يمنح حبكةَ الحياة، منطقاً لا تمتلكه الحياة نفسها. يبدو لى أن الحياة تخلو من الحبكة وعلينا تقع مسؤولية وضعها، نحن الذين اخترعنا الأدب.ب أفكّر الآن فى سبب ارتباط ماتاس القوى بروبرت فالزر. فى منتصف الرواية يزور السارد فى صحبة بروفيسور مورانتى مصحة هريساو التى توفى فالزر فى أرجائها بعد سقوطه فوق الثلج فى أثناء جولات المشى الغامضة التى لم يكشف عن سرّها أبداً حتى وفاته مثلما فعل بطل نوفيلا باتريك زوسكِند الساحرة احكاية السيد زومرب. السارد عثر على وجوده الحقيقى فى نمط حياة فالزر الذى كان منفصلاً عن الحياة العامة، كارهاً للنفاق والابتذال، يعيش حياة كاتب حقيقي، لا أراجوز أدبى يقفز بين الموائد مثل الكرة الجلِد. لم يكن يرغب بشيء سوى أن يبوح بحقائقه البسيطة وأن يخفى آلامه قبل أن يغرق فى الصمت، فالزر هو مالك وسيّد الثرثرة على الورق فقط بحسب كلام ماتاس، البطل السرى لمعركة خاضها بالقصص ضد العالم. يقول السارد فى فقرة لافتة: اما زلتُ لا أستطيع أن أعتبر نفسى كاتباً بمعنى الكلمة، وأعتقد أننى لستُ مهتماً بأن أصبح ذلكب (ص 257). الا بد من الانسحاب من العالَم لفهمهب، هكذا يقول أحد الأبطال إلى ماتاس. سؤال من عندي: ألن يقابل المبدعُ الموتَ راضياً مرضياً لو عاش هكذا؟ أقوى المشاهد عند ماتاس ذ فى ذوقي- هى المشاهد التى يحكى فيها عن الكتب التى يُحبها والكُتاب الذين يحبّهم والمواقف التى اختلقها ليقابلهم. ففى كلامه عن زيارة مصحة هيرساو لمستُ سرداً ساخناً متحركاً إذ قال: اسأكون كاذباً إن لم أقل أن انطباعاً تولّد في، أثناء صعودنا الصامت إلى مستشفى هريساو، بأننى أعيش المغامرة الكبرى التى بدأ فيها المستشكف يقترب أخيراً من شىء حقيقىب.
نحن نكتبُ لنختفي، لنغيّبَ أنفسنا، هكذا يقول ماتاس قرب نهاية الرواية (ص 229). وهنا تكمن المفارقة الجميلة؛ حينما يكتب الكاتب فإنه يغيّبَ اأناهب الظاهرة ويُظهر ظلّه الناطق باسم الحقيقة. يغرس أناه فى أرض الخمول بتعبير ابن عطاء الله السكندرى لتنبتَ شخوصاً أخرى أقدر على التعبير عن نفسه منه، يصرّح هيرمان هسّه فى فصل من سيرته الذاتية حَمل عنوان اطفولة الساحرب بأن أكثر أمانيه حماسةً وهو صغير أن يمتلك القدرة السحرية على الاختفاء.
طالما شغلتنى فكرة مستقبل الأدب أو أدب المستقبل. إلى أين يتجه الأدب؟ أجاب ماتاس نفسه عن السؤال فى أول الرواية، ناسِباً الإجابة إلى الفرنسى المحتجب موريس بلانشو بقوله: ايتجه نحو ذاته، نحو جوهره الذى هو الاختفاء.ب
فى حوار أُجرى مع ماتاس سنة 2018 على موقع Tin House قال إنه عثر عند الكاتب الفرنسى جورج بيريك على رأى مؤداه أن الأدب يتقدم نحو فن الاقتباسات، وهو ما يمثل فى رأيه توجهاً إلى الأمام، وأضاف أنه يعمل على رسم شخصية مهتمة بجمع الاقتباسات النادرة من كل نصوص العالم وبكل اللغات، وهى تعمل لصالح أحد تلامذة الروائى الأميركى الغامض توماس بينشون، الكاتب الذى اختفى عن الأنظار منذ خمسينيات القرن الماضى ويُشكّك فى وجوده من الأساس برغم حصده الجوائز ومواصلته إصدار المزيد من الروايات من بقعة خفية فى نيويورك (انتحل السارد ماتاس فى الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب شخصية بينشون أيضاً!) البطل مشغول بإعداد موسوعة متنقلة تحوى كافة الاقتباسات والاستعارات الأدبية المتاحة فى كل كتب العالم، ولا أستبعد تأثّر ماتاس القوى بأدباء مولعين بالتناص، وعلى رأسهم كاتب أشار إليه ماتاس أكثر من مرة فى هذا العمل، وهو الألمانى ف.ج.زيبالد، الذى يتشابه أسلوبه مع أسلوب ماتاس. وإن اصطبغ الأخير بصبغة هذيانية استطرادية متطرفة.
سُئِل ماتاس عن وجهة نظره إزاء الأدب الذى يكتبه fractal literatureت (أدب الفراكتل أو أدب الصدوع والكسور)، فغالباً ما تظهر فى أعماله تفصيلة دقيقة، كمصادفة أو قرار أو تحوير لغوى لعبارة، لكنها ما تلبث أن تكتسب شيئًا فشيئًا مزيدًا من الأهمية فتبتلعُ الروايةَ،
وتنزلق إلى نسيج العمل لتخلق شكلًا سرديًا جديدًا. يستمر هذا لبعض الوقت حتى تظهر تفصيلة أخرى تسير على المنوال ذاته لتبتلع العمل خالقةً شكلًا سرديًا آخر. وهكذا لا تتوقّف الرواية عن مقاطعة نفسها مُشيَّدةً هذا النظام الجميل الخلو من المنطق (ظاهرياً)، الأمر يشبه إلى حد بعيد كيف يوظّف الرسام أشكال الفراكتل والمنحنيات المتعرجة لتبنى لنفسها شكلًا جمالياً على درجة عالية من التعقيد والتناسق الخفي. راق لماتاس التعبير وراق له وصف أدب الكسور والشظايا الذى يكتبه بالنظام الجميل الخالى من المنطق. قال إنه لم يسبق وأن قرأَ وصفًا مُماثلًا يقترب من تصوير الطريقة التى تُشيد بها أعماله، مضيفاً أنه أدرك بوضوح حقيقة دمجه بين جنس المقالة الأدبية والقصة والسيرة، وأن الخيوط المفترض نسجها من قماش السيرة الذاتية التى يضمّها إلى هذين الجنسين السرديين (المقالة والقصة) قادمة من صوت سردى قريب للغاية من صوت كاتب المقالة. أضاف ماتاس أن الصوت المتكلم ليس صوت كاتب شبحى يسكن ثنايا النص بل هو صوت المؤلف نفسه المنحدر من سلالة مونتانى والكاتب والمترجم المكسيكى سيرخيو بيتول (وللأخير بالمناسبة ثلاثية قرأتُ عنها مراجعات ممتازة تجمع بين فن المذكرات والنثر والحر والتأملات الأدبية والقراءات الشخصية تحمل عنوان: Triology of Memoryوهى ثلاثية جديرة بانتباه المترجمين المتخصصين.
قال ماتاس إن غاية أعماله ليست صنع حبكة أو تتابع سلسلة من الأفكار، بل الخروج بطبخة افيلا-ماتاسب، ليسمّها القاريء طريقة تفكير أو أسلوب كتابة، مضيفاً أنه ربما يرجع سرّ أسلوبه فى رغبته فى الزج بالخيال إلى بقعة عدم تصديق القاريء للمكتوب، فمتعة قراءة كتاب لا تكمن فى القصة المروية، بل فى مقابلة المؤلف وجهًا لوجه على طريقة الروائيين الذين يسردون كما لو كانوا يكتبون مقالة أدبية، فى مثل هذا النوع من الأدب ذ والكلام من نفس المقابلة المُشار إليها- لا ينفك محور الكتاب عن التغيّر والانزياح بقصد الاقتراب من اكتشاف المحور الرئيسى للرواية أو اكتشاف المحور الرئيسى للمقالة المَحكية لو راق للقاريء التعبير. الحقيقة أن ماتاس احدوتة لوحدهب، أسلوبى من طراز رفيع، أعثر دائماً فى حواراته ونصوصه ما يُغوى بمزيد من البحث والتفتيش.
قبل فترة عثرتُ على مادة مشوقة له بالإنجليزية. كان الخطاب الذى ألقاه بمناسبة حصوله على جائزة معرض كتاب جوادالاخارتفى المكسيك سنة 2015، تحدّث الرجل عن أزمة نضوب الأفكار فقال إن كل كتاب ألّفه كان يقرّبه شيئًا فشيئًا من نقطة هجر الكتابة، مثل من يخطو بهدوء نحو طريق مسدودة، ثم يعود الأصدقاء ليسألونه كما يفعلون عادة: وماذا بعد؟
يقول ماتاس: اكنت أظن أن الأمور محسومة، مررت بأوقات عصيبة وأنا أحاول الخروج من تلك النهاية الميّتة، لكنى كنتُ محظوظاً، فدائماً كنتُ أتنبّه فى اللحظة الأخيرة إلى أن الذكاء هو فن العثور على فجوة صغيرة يمكن الهروب عبرها من الأزمة التى تحاصرنا. وقد حالفنى الحظ دائماً فى النهاية فى العثور على أصغر فجوة يمكننى الهروب منها لأشق طريقى نحو تأليف كتاب جديد.
ماتاس وأدب الاختفاء
فى الخطاب نفسه حكى ماتاس عن لقائه بأديب تشيلى روبرتو بولانيو سنة 2001، وتحدّثا فيه عن مستقبل الرواية والكتابة، فأخبره بولانيو أن ذلك النوع من السرد الروائى القائم على الحبكة والسرد الخطى كان حاضراً بقوة فى القرن التاسع عشر، لكنه أيامه ولَّتْ، مضيفاً أن ظهور رواية ااختراع موريلب لكاساريس جعل هذا النوع من الروايات غير قابل للحياة. وربما بعد كلمة بولانيو تأكّدتْ وجهة نظر ماتاس فيما كتب. يغلب اعتقادى دائماً أن النقطة الميتة فى أى نص هى النقطة التى خرجت وستخرج منها كل قصة جديدة حتى ولو كانت قصة عن الاختفاء أو عن انتحال هويات الآخرين.
المصدر : جريدة اخبار الادب
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
جامع قمامة وغاسل صحون وحارس عقارات ورائد ما وراء الواقعية:
وجوه بولانيو
مكالمات تليفونية ..
العالم السرّى للأدباء!
الرواية المعاصرة: ترسيخ فكرة السؤال المتواصل!
الرواية المعاصرة: ترسيخ فكرة السؤال المتواصل!
أبلغ عن إشهار غير لائق