شهدت العاصمة القاهرة، في أولى أيام شهر يوليو، ظاهرة مناخية غير معتادة، حيث فوجئ السكان بهطول أمطار غزيرة على مناطق مصر الجديدة ومدينة نصر وأحياء متفرقة، استمرت قرابة ربع ساعة، في ظل موجة حر شديدة. المشهد أعاد للأذهان ما حدث قبل شهر في مدينة الإسكندرية، حين تساقطت أمطار رعدية مصحوبة بالثلوج، رغم حرارة الصيف. وما زاد من حيرة المواطنين، أن الهيئة العامة للأرصاد الجوية لم تتنبأ بتلك الأمطار، بل أعلنت أن البلاد ستشهد طقسًا شديد الحرارة ورطبًا على أغلب الأنحاء، ما أثار غضبًا واسعًا بين الناس، الذين تساءلوا عن مدى دقة التنبؤات الجوية، وإمكانية حدوث ظواهر أكثر خطورة دون إنذار. هل يمكن التنبؤ بأمطار الصيف؟ يؤكد الدكتور مجدي علام، مستشار برنامج المناخ العالمي وأمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، في تصريحاته ل"الشروق"، أن التغيرات المناخية أصبحت تُنتج موجات طقس عنيفة ومفاجئة تعرف باسم "الظواهر المتطرفة" (Extreme Events)، وهي ما يفسر تساقط الأمطار في غير موسمها بالقاهرةوالإسكندرية. ويرى علام أن التنبؤ بتلك الظواهر صعب للغاية، بسبب تعقيد العوامل المناخية التي تتحكم فيها، مثل حركة السحب ودرجات الحرارة، وهي عوامل لا يمكن التحكم بها، وإنما فقط إعطاء مؤشرات عامة. وأشار إلى أن التعامل مع التغيرات المناخية يتطلب التأقلم والتخفيف من آثارها بدلاً من الاكتفاء بالتنبؤ. الكيمتريل.. وسحب صناعية تسبب المطر؟ أثار علام جدلًا واسعًا حين أشار إلى احتمال تسبب "غاز الكيمتريل" في هذه الظواهر. ووفقًا له، فإن بعض الدول تستخدم هذا الغاز لإنتاج سحب صناعية، وهو ما أدى إلى زيادة وتيرة سقوط الأمطار في غير مواسمها خلال السنوات العشر الماضية، مشيرًا إلى أن لهذه التقنية تأثيرًا مباشرًا في تغيير نمط الطقس. مثلث نيكسوس.. التقاء الماء والطاقة والغذاء وأضاف علام أن ما يُعرف ب"مثلث نيكسوس" (Nexus Triangle)، الذي يشير إلى الترابط بين الماء والطاقة والغذاء، أصبح أكثر تأثرًا بحرارة الأرض المتزايدة نتيجة تغير المناخ وثقب الأوزون. وأوضح أن ارتفاع حرارة سطح الأرض يؤدي إلى زيادة التبخر، وبالتالي ارتفاع معدل هطول الأمطار. وفي تحذير واضح، قال علام إن كوكب الأرض كان يحافظ على درجة حرارة ثابتة بحدود درجة مئوية واحدة طوال مئة عام، أما الآن فقد تجاوز متوسط الاحترار العالمي 1.9 درجة مئوية، مما ينذر بموجات جفاف أكثر حدة وتأثيرات خطيرة على الصحة العامة والأمن الغذائي والبيئي. ليست ظاهرة عابرة أمطار الصيف المفاجئة في مصر لم تكن مجرّد ظاهرة عابرة، بل جرس إنذار لتغيرات مناخية أكثر تعقيدًا، يختلط فيها العلم بالتكنولوجيا والسياسة. وبين عجز التنبؤات الجوية الرسمية، وتدخلات بشرية محتملة عبر "الكيمتريل"، وتحولات كبرى بفعل "مثلث نيكسوس"، بات لزامًا التفكير في استراتيجيات جديدة لمواجهة مناخ يزداد اضطرابًا.