الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
وزير الاتصالات: تجديد رخص السيارات أصبح إلكترونيا بالكامل دون أي مستند ورقي
9 قتلى و10 جرحى فى حادث انقلاب حافلة بولاية بنى عباس جنوب غرب الجزائر
الاتحاد الأوروبى: سنركز على الوحدة فى مواجهة النزاعات العالمية
أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. الحكومة البريطانية تبدأ مراجعة دقيقة لأنشطة جماعة الإخوان.. ماسك يدعو إلى إلغاء الاتحاد الأوروبى.. تقارير تكشف علاقة سارة نتنياهو باختيار رئيس الموساد الجديد
وزير خارجية تركيا: نريد إخراج العناصر غير السورية من قسد
الرئيس السوري: إسرائيل نفذت أكثر من ألف غارة جوية و400 توغل بري على سوريا منذ ديسمبر الماضي
أتلتيك بيلباو ضد أتلتيكو مدريد: فوز مثير لأصحاب الأرض
أخبار × 24 ساعة.. متى يعمل المونوريل فى مصر؟
مصدر أمني ينفي وجود إضرابات عن الطعام بمراكز الإصلاح والتأهيل
محمد متولي: موقف الزمالك سليم في أزمة بنتايج وليس من حقه فسخ العقد
الوطنية للانتخابات: نتائج ال19 دائرة الملغاة وجولة الإعادة في إطسا الخميس المقبل
والدة السباح يوسف تكشف تفاصيل صادمة عن وفاته: ابني مات مقتولًا
الحق قدم| مرتبات تبدأ من 13 ألف جنيه.. التخصصات المطلوبة ل 1000 وظيفة بالضبعة النووية
ارتفاع سعر "هوهوز فاميلي" من 35 إلى 40 جنيهًا
"الأرصاد" حالة عدم استقرار وأمطار وسيول متوقعة على عدة مناطق الأسبوع الجاري
التحفظ على 5 مركبات تلقي المخلفات في الشوارع بكرداسة (صور)
المتسابق علي محمد يبهر جمهور "دولة التلاوة" بآيات من سورة النساء (فيديو)
خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعا عن الحرية الإنسانية
وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ يتفقد مستشفى دسوق العام
النائب أمين مسعود: ضرورة وجود استراتيجية واضحة للصناعة
أصالة تحسم جدل انفصالها عن فائق حسن : «الناس صارت قاسية»
الجامعة اليابانية تبرز زيارة "أخبار اليوم".. شراكة لنموذج تعليمي فريد
تأجيل محاكمة 25 متهما بقضية "هيكل اللجان الإدارية" لجلسة الغد
بعد 4 أشهر من الزفاف.. زوج ينهي حياة زوجته بالمنوفية
شيكابالا يطالب مجلس الزمالك بالرحيل بعد أسوأ فترات النادي
جولة إعلامية موسعة لوزير السياحة بالولايات المتحدة لتعزيز مكانة مصر على خريطة السياحة العالمية
أول ظهور فني لزوجة مصطفى قمر في كليب "مش هاشوفك"
محمد كريم على السجادة الحمراء لفيلم جوليت بينوش In-I in Motion بمهرجان البحر الأحمر
عمومية المحامين توافق على زيادة المعاشات وعزل مراقب الحسابات (فيديو)
طالب يُنهي حياته شنقًا داخل منزل أسرته في قنا
قطر وسوريا تبحثان تعزيز التعاون التجاري والصناعي
تعليق مفاجئ من حمزة العيلي على الانتقادات الموجهة للنجوم
«هيئة الكتاب» تدعم قصر ثقافة العريش بألف نسخة متنوعة
هرتسوج معلقًا علي طلب ترامب العفو عن نتنياهو: إسرائيل دولة ذات سيادة
الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم
جامعة كفر الشيخ تنظم مسابقتي «المراسل التلفزيوني» و«الأفلام القصيرة» لنشر ثقافة الكلمة المسؤولة
أسلوب حياة
بايرن ميونخ يكتسح شتوتجارت بخماسية.. وجولة مثيرة في الدوري الألماني
تقرير عن ندوة اللجنة الأسقفية للعدالة والسلام حول وثيقة نوسترا إيتاتي
سكرتير عام الجيزة يتابع جهود رفع الإشغالات وكفاءة النظاقة من داخل مركز السيطرة
محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة
الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة
الرئيس الإماراتي يبحث مع رئيس الإكوادور علاقات التعاون ويشهد توقيع اتفاقيات بين البلدين
نظام «ACI».. آلية متطورة تُسهل التجارة ولا تُطبق على الطرود البريدية أقل من 50 كجم
لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه
مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين
احذر.. الإفراط في فيتامين C قد يصيبك بحصى الكلى
فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض
وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32
مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه
السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس
اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين
فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا
اسعار المكرونه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى أسواق ومحال المنيا
الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050
الجزائر تواجه تحديًا جديدًا في كأس العرب 2025.. مواجهة قوية للسيطرة على صدارة المجموعة
مواجهة اليوم.. الكويت والأردن فى صراع النقاط الثلاث بكأس العرب 2025
مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
الأعرج يتزوج
أبداعات عربية
أخبار الأدب
نشر في
بوابة أخبار اليوم
يوم 27 - 04 - 2021
أحمد بوزفور
مرزوقة شفتاها بليلتان
مرزوقة؟.. هي على ظهرها صرة تحملها تحت الإزار، وفى أذنيها تلمع الأقراط. الشمس حامية والأقراط الكبيرة تعمى العيون. مرزوقة تقترب وأنا أقترب، أسلم عليها؟ (أقبل يدها فتقبلنى فى جبينى أقبل خدها الأحمر كشمس العصر وأقول لها: اجعلينى ابنك، واحملينى كالمزود فوق ظهرك).
مرزوقة اقتربت وأنا لا أعرف ماذا أفعل، أهرب؟ لماذا؟ هل هى غولة؟ ولكنها تقترب، لو أنها تبقى هكذا... لا تصل أبدا ولا تغيب أبدا، مرزوقة... مرزوقة... مرز..
ولد من أنت يا حبيبي؟
ولد حمداش.
آه... ولد رحمة، والله ما عرفتك، امك لابأس عليها؟
لابأس.
انحنت مرزوقة على وجهي، وسوسة الأقراط.. السواك.. الصفصاف.. السنابل.. الضحك.. نبض اللحم..
سبحان الله.. حروفه على حروف أمه، ورفعت ذقنى بسبابتها، وقبلتنى فى فمي، شفتاها رغم الظهيرة بليلتان، وأنا أحببتها.
زمن الرجال
«الحاج مهدى رجل ولا كل الرجال، ملك التراب وتزوج النساء وقتل الأرواح، وعرف من الحلو والمر ما لا يعرفه الناس اليوم.
فى أيام «السيبة» قبل الاستعمار، أطلق النار من «شرقيته» فى كل القبائل المجاورة، ووصل خبره إلى المدن، وحين غلب المستعمرون، وجردوا الناس من أسلحتهم، استعمل سكينه، قتل مخزنيا من حرس الكابتن، وغنم بندقيته، وفر بها إلى الجبال حيث أصبح «قائد مئة» فى جيش عبد الكريم، ذلك زمن يومه بعمر. شرب الشاى مع عبد الكريم نفسه وقتل من المستعمرين ضعف ما قتل من المغاربة فى أيام «السيبة» أو يزيد. لم يكن يحسن التصويب، ولكنه كان من الشجاعة بحيث لا يضرب إلا عن قرب. وحين رأى الخيل والأحزمة الصفراء فى ذلك اليوم العصيب لم يتراجع. ربض بين صخرتين ولف بندقيته الساخنة بعمامته وظل يضرب حتى دخلت الرصاصة الملعونة عموده الفقري. من يومها فقد المهدى طعم الحياة وتحكّم المستعمرون فى رقبته كما تحكموا فى رقاب الآخرين، عاش بتلك الرصاصة أربعين عاما قبل أن يموت. ولكنه كان قد فقد طعم الحياة، احدودب ظهره واعتمد على العكاز وعلى ابنه «المختار»، و«المختار» لم يكن رجلا، كان تاجرا. يتصرف بالفلوس لا بالرصاص، النار تلد الرماد، قالها الأولون. جاء زمن التجارة والأسواق الآمنة والكتان الملون، فانطفأت النار، ولمع الرماد.
حج المهدى إلى بيت الله مرتين، ووضع فى يد ابنه الأرض والماشية، وانزوى فى غرفة صغيرة يأكل الكسرة و«يقرقب» السبحة، ويحكى إن وجد السامع عن زمن الرجال.
«المختار» لم يركب الخيل، سار على قدميه وراء البغال المثقلة بأحمال القماش المهرب، أكل مع المستعمر، زور عقود الأرض، وسخر مع ضيوفه التجار من شيبة أبيه.
لعن الحاج المهدى الزمان واستبطأ عزرائيل. فقط حين سمع بأذنيه الثقيلتين لعلعة الرصاص ورأى البنادق على أكتاف رجال جيش التحرير، فقط حينئذ أفاق لنفسه وقرر أن... يتزوج.
ولم يفطن «المختار» حتى وجد مرزوقة فى الدار، وعرف أنها زوجة أبيه الجديدة، فصفق كفا بكف «لا حول ولا قوة إلا بالله، الدنيا كلها أصبحت مجنونة هذه الأيام» ودخل مع أبيه فى صراع مرير لم يطل، فقد مات الحاج المهدي، مات وسط ضجة الاحتفال بالاستقلال فلم يأبه أحد بالهمسات الخافتة التى تسَّارت بها النساء عن سبب موته، ولكنه لم يمت حتى ترك مرزوقة حاملا، فولدت محمادي، وغدت خادمة فى بيت ربيبها «المختار» تشطب وتحطب وتجلب الماء وتحكى لابنها الصغير عن أبيه وعن زمن الرجال.
مرزوقة لا يحبها الرجال
مرزوقة كانت فى الأربعين، وأنا كنت طفلا فى العاشرة، وحين لهث الكلب قفزت خارجا من الدار فوجدتها تهدد الكلب الشرس بقصبة رقيقة.
خالتى مرزوقة؟
لولا القصبة فى يدى لأكلني.. هو الذى يمنعنى من زيارتكم... ماذا تفعل أمك؟
كانت أمى تصبن فى مراح الدار المشمس، عانقت مرزوقة، وتبادلتا قبلا كثيرة على الخدين، وجلست أمى تتابع التصبين وإلى جانبها جلست مرزوقة. حملت أنا الثياب المغسولة وخرجت لنشرها فوق السطح، وحين عدت كانت مرزوقة تحكى عن محمادى :
يريدونه راعيا يظلع طول النهار وراء غنمهم التى يحلبونها وحدهم. قلت لهم انتظروا حتى تموت مرزوقة أولا. أبوه قبل أن يموت أوصى بإدخاله إلى الجامع، فلماذا يخرج منها؟ طفل صغير يا أختى ويتيم، وبرجل واحدة، كيف يرعى الغنم؟
قالت أمي:
محمادى يرعى الغنم، وابنه هو يجلس فى الدار ويأكل الزبدة.
يا أختى ابنه بشاربه ولا تراه الشمس «عبد السلام زد هذا الكاس... عبد السلام كل هذا الفخيذ، عبد السلام نائم... اسكتوا».
آه يا سيدي.. ابن القايد هذا..
ولولا عينى على محمادى فى الليل والنهار لقتلوه قتلا.
يفعلونها وأكثر منها، ألم يرموه المسكين من سطح الدار حتى كسروا رجله. قلت لمرزوقة لماذا رموه يا خالتي؟
لأنه يتيم يا ولدي، «الله يخلى لك أمك وأباك». قل لي: هل يضرب الفقيه محمادى فى الجامع؟
قلت لها: إنه يضربنا جميعا، أنا أحب أن أرعى الغنم.
لا.. يا ولدي. لا تقل هذا، ضرب الفقيه ولا الشمس والشوك والجوع.. هاتى عنك يا أختي.. استريحى ودعينى أكمل التصبين.
وضعت القصعة الكبيرة بين رجليها وأخذت تضرب القميص المتسخ فى الماء الدافئ حتى تصاعدت رغوة الصابون، سروالها أزرق فيه ورود صغيرة حمراء وصفراء، وفخذها رحب، قامت أمى لتقلى بيضتين، وأنا وضعت رأسى محرجا على فخذ مرزوقة الدافئ، وأغمضت عينى وتضاحكت مرزوقة:
أيها الشيطان الصغير، تريد أن تنام فى النهار.
وهدهدت فخدها تحت رأسي:
«أنعس آوليدى حتى يطيب عشانا»
«وان مطاب عشانا يطيب عشا جيراننا»
صرخ أبى وهو يدخل: أين أنت؟ أجابت أمى داخل البيت: أنا هنا.. ما لك؟
قفزت أنا واقفا، وقامت مرزوقة لتسلم على أبى ولكنه زوى ما بين عينيه وحول وجهه نحو باب البيت المظلم، وفيما هى تحاول تقبيل يده الهاربة كان هو يشخط فى أمي:
«الصابون.. الصابون.. الصابون.. من أين آتى أنا بالصابون، لا تفعلون شيئا غير التصبين، هل أنا أذوّب الفلوس».
لم يلق على مرزوقة نظرة واحدة.. دخل إلى البيت مهمهما، ومرزوقة انكمشت كالقطة فى جلدها، لماذا لا يحبها والدي؟ مرزوقة لا يحبها إلا النساء والأطفال أما الرجال الكبار فيزوون ما بين أعينهم ويتجاهلونها، التقطت طوبة ورميت بها دجاجة قريبة فتصاعدت قوقأتها فى السكون المشحون وهى تفرّ إلى خارج الدار، فتبعتها.
الأعرج يأكل السمن والبيض
محمادى لم يحضر إلى الجامع منذ ثلاثة أيام، والفقيه سألنا عنه: أين الأعرج؟ قلنا له لا نعرف. كل الأطفال ينادونه: الأعرج، مثل الفقيه، أنا خفت، وخجلت.. وقلت له مرة: محمادي، ثم حفظته وصرت أناديه دائما: محمادي. يطوح برجله اليسرى بعيدا قبل أن يطرحها معتمدا على جانبه وهابطا نحوها بكتفه، ثم يرفع اليمنى ويعود جسمه إلى الاستقامة. الأعرج.. الأعرج.. الأعرج.. وأنا أقول له: محمادي. أنفه صغير ليس كأنف أمه ووجهه صغير أيضا كوجه الفأر، وحين تقول له: الأعرج، يقول لك: الأعور، ولا يسكت لك، أنا أخاف مثل هؤلاء الأولاد، صغير كالحمصة وحاد كالشوكة، أمه أحسن منه. ولكنه لم يحضر منذ ثلاثة أيام والفقيه سأل: أين الأعرج؟ قلنا له: لا نعرف.
فى الظهر بعد أن خرجنا من الجامع، لقيت «عبد السلام» بن المختار عائدا من السوق، كان يركب بغلة أبيه، ورأيت فى الخرج بطيخة كبيرة، سوداء، سيعطينى الحلوى إذا طلبتها منه، هل يحسب نفسه رجلا؟ شاربه ظهر، ولكنه طفل أيضا ولو كان كبيرا. سألته: أين محمادي؟
محمادي؟ الأعرج؟ هو فى حضن أمه، يقول لها: أنا مريض حتى تعطيه السمن والبيض.
هل عندك حلوى؟
الحلوى؟ أأنت صغير حتى تطلب الحلوى؟
وابتعدت البغلة به. كالمخزنى الذى يأتى إلى دار «الشيخ». ينظر إليك من فوق ويقول لك: أنا أحسن منك، وإذا لم تصدق ضربتك. لو كان «عبد السلام» فى الجامع لضربه الفقيه حتى يزرق جلده الأحمر، حين أكبر... إذن محامدى مريض؟.. الأعرج مرض! الأعرج يأكل السمن والبيض.
برد الصبا
فى الصباح التالي.. حين كنت خارجا من الدار، رأيت أبى يحمل الفأس ويسبقني، وحين لحقته أمسك بيدى وسرنا معا، الصباح بارد، والضباب مخيم، الضباب يتراجع صامتا أمامنا كلما تقدمنا... قرب المقبرة وقفنا، ورأيت رجالا يحفرون، أقفل أبى صدفة قميصى العليا وقبلني:
يالله.. إلى الجامع.
قلت له: من مات يا أبي؟
إلى الجامع.. قلت لك.
قل لى أولا من مات؟
نظر إلي، قال بسرعة: ولد مرزوقة. وانحرف نحو الرجال.
الفطيرة مالحة
«يا مختار، مرزوقة امرأة أبيك.. لمن ترميها؟» كل جمعة تحمل مرزوقة فطيرتها وتذهب إلى القبر. فى البداية كانت تنوح وتحثو التراب على رأسها وتنادى محمادي، ثم أصبحت تجلس صامتة جامدة فى إزارها الأبيض كشاهدة القبر، وحين يمر الناس فى الطريق القريب تناديهم «تعالوا كلوا من الصدقة» فيسرعون فى خطوهم دون
أن يردوا.
«يا المختار، ابنها مات.. اصبر عليها قليلا». ولكن المختار صمم على طردها من الدار. فهو يريد أن يزوج ابنه عبد السلام، ويسكنه فى غرفتها، ثم إن مرزوقة لم تعد تعمل شيئا، فى النهار تدور فى الحقول المحروثة، وتجلس على أحجار الحدود، وفى الليل تأوى إلى حجرتها الصغيرة بدار المختار، وكل جمعة تحمل فطيرتها وتذهب إلى القبر. «تعالوا كلوا من الصدقة».
وقلت لنفسي: لماذا أهرب منها؟ هل هى غولة؟ وعرجت نحو المقبرة، اقتربت ببطء، ولم ترني. كانت تلعب بالحصى على القبر، قبر محمادى صغير جدا ومحصور بين حجرتين طويلتين. كيف يتسع له؟ حين سقط ظلى على القبر رفعت مرزوقة عينيها ورأتني.. ارتبكَت، ثم بحثت بعينيها عن الفطيرة ومدتها إلى «تعال يا ابنى كل من الصدقة» أردت أن أقول لها: شبعان، ولكنني... لم أعرف... لم أقدر. كسرت قطعة صغيرة من الفطيرة ومدتها: «كل هذه فقط» فأخذتها وجلست إلى جانبها أنظر إلى القبر وأمضغ اللقمة المالحة فى صمت.. مدت إصبعها إلى القبر «أرأيت؟ الربيع نبت على قبره».
أجهشت بالبكاء «أأخفتك؟ لا تبك.. أنا لا آكل الأطفال... تسمع يا محمادي؟ الأطفال يبكون مني. أمهاتهم تخوفهم بي، لمن تركت أمك يا ناكر الجميل؟ حتى أنت تهرب منى وتتركنى وحيدة. ارجع يا حبيبى أو خذنى معك، محمادي.. أتسمعني؟ محمادي.. قتلوك يا حبيبي.. قتلوك».
كانت تتكلم فى خفوت، وأردت أن أقول لها: أنا أبكى لا من الخوف.. ولكنني.. لم أعرف.. لم أقدر، وحين نهضت لم تلتفت إلي، ومشيت فى حذر دون أن تراني، وحين ابتعدت قلت لنفسي: الموت كحرف الهاء، وعبد السلام كالمخزني، والفطيرة مالحة ومرزوقة ما عادت تحبني.
«يا المختار.. ابنها مات» ولكن المختار يرد على الناس:
أعرج ومات.. هل مات النبي؟ كان أخى أنا أيضا ودفعت من جيبى نفقات الجنازة وصدقة السابع.. الموتى الله يرحمهم، والأحياء بطونهم مفتوحة.
يا المختار.. الناس..
على الأقل تشطب الدار، تربط البقر.. تجلب الماء.. تحلل الخبز الذى تأكله.
هل تريد أن يلعب الشياطين برأسها وتجرك إلى المحاكم؟
أنا أيضا شيطان، والشرع هو الذى شيبني، ليجربوني.
يا المختار.. السياسة خير من صداع الرأس.
وهل أنا لا أحب السياسة. أنا سأزوج ابنى والدار ضيقة.. لماذا لا يحوزها الذين يتكلمون؟
الموت كحرف الهاء، والفطيرة مالحة.. هممت بالبكاء ولكننى أحسست بالجوع فعدوت نحو الدار.
الأعرج يتزوج
لم أعرف ما حدث إلا فى الصباح، لم أنم تلك الليلة فى دار العرس، قالت لى أمي: «اذهب مع أبيك إلى الدار الآن، وغدا حين تخرج من الجامع تعال هنا لتتغذى معي». وعدت مع أبى ونمت.. ولم أعرف ما حدث إلا فى الصباح.
من ساحة الدار رأيتهم، وجريت حتى لحقت آخر الجماعة، أكثر من عشرة رجال يتبعون «الشيخ» والدركيين ومرزوقة بالهمهمات: «ظهر عليها ذلك من يوم وفاة ابنها... مسكينة.. الكبدة تحمق.. والأخرى ما ذنبها؟... لا حول ولا...» ومرزوقة كانت مقيدة اليدين بالحديد وأحد الدركيين يمسكها من ذراعها، لم أقدر على السؤال، وحين بدأ فضولى يغلبني، وكنا قد وصلنا المقبرة، رأيت مرزوقة تفلت من الجماعة وتجرى نحو قبر محمادي، وقبل أن يفيق الرجال من الدهشة كانت مرزوقة قد استلت لا أدرى كيف ولا من أين درة بيضاء ملطخة بالدم وطرحتها على القبر الصغير وهى تصرخ وتزغرد كالمجنونة:
هنيا لك آمحمادي.. هنيلك آلعريس... يو يو يو... العروسة عزبة.. شوفوا الدم أحمر فى السروال.. هنيا لك آلعريس... يو يو يو يو...».
جرى الرجال نحوها وأمسكوها.. «فقدت عقلها.. حمقاء... الله يحسن العون». وجرها الدركيان من جديد إلى الطريق «حمقت.. حمقاء تماما». وقال أحد الدركيين: «سنعرف هل هى حمقاء أو تمثل علينا». وكان الأطفال قد تجمعوا، والنساء كن ينظرن من بعيد ويتهامسن وسمعت شابا يقول: «حتى العريس لم يكن دخل» وسألت: ماذا فعلت مرزوقة؟ ولم يرد أحد.. ماذا فعلت مرزوقة؟.. رد أحد الأطفال مدهوشا: لم تعرف؟ قتلت عروسة عبد السلام بالسكين.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
هل الوصية تمع الورثة من أخذ نصيبهم الشرعي من تركة المتوفي اعرف رأى الإفتاء
عشت فيها أكثر من حياة
دعاء للأم المتوفية يصل قبرها ويغفر لها الذنوب
صندوقي الآسود
وقالت الغجرية لأمي يوم ولدت
(ليالى إيزيس كوبيا) يزيح الستار عن الفصل الأخير من حياة مى زيادة
أبلغ عن إشهار غير لائق