جان لوك جودار المولود فى العام 1930، هو مخرج فرنسى كبير، ومن رواد تيار الموجة الجديدة التى أنطلقت نهاية خمسينات القرن الماضى فى أوروبا عموما وفى فرنساوإيطاليا خصوصا، وهو وإن كانت نسبة كبيرة من الجمهور العادى لا تعرفه (ومنها الجمهور فى بلادنا، غم موقفه المتميز والإيجابى جدا من قضية فلسطين) إلا أنه يسكن ذاكرة كل من يستهويه فن السينما فى العالم. ورغم أن جودار تجاوز عمره الآن التسعين عاما إلا أنه مازال كما صرح قبل أسابيع يعمل على مشروعين فنيين كبيرين، أولهما فيلم بعنوان «حروب مرحة»، والثانى عمل تلفزيونى، وقال أن المشروعين سينهى بهما مشاوره الفنى الطويل. ربما تسأل عزيزى القارئ عن مناسبة الحديث عن جودار الآن؟.. الحقيقة أن لا مناسبة سوى أننى أخيرا شاهدت واحد من بواكير أعمال هذا المخرج الكبير ومن أجمل الأفلام التى حملت توقيعه، وكنت سمعت به كثيرا لكنى لم أتمكن من مشاهدته إلا قبل أيام عندما وفقت فى العثور عليه. الفيلم اسمه «الرمق الأخير» أو ربما «النفس الأخير» الذى أنتج فى العام 1960، ويستعرض فى حكاية بسيطة، على طريقة مخرجى أفلام الموجة الجديدة، وقائع من عاديات الحياة التى قد تدهشنا أحيانا وفى أغلب الأوقات، تمر علينا مرور الكرام من دون أن نعيرها أى اهتمام رغم غرابتها وفقدانها لأى تفسير أو تعليل. يحكى فيلم جودار حكاية بطلين أساسيين، هما ميشيل (لعب دوره جن جاك بولمندو) وصديقته باتريشيا، أما ميشيل فهو مجرد مشاغب وحرامى صغير، تبدأ أولى مشاهد الفيلم بحادث يقوم فيه هذا الأخير بسرقة سيارة فيطارده اثنان من رجال الشرطة يقتل أحدهما أثناء المطاردة وينجح فى الإفلات من الآخر ويختفى فى باريس حيث ويلوذ هناك بباتريسيا التى كان تعرف عليها من قبل وتستضيفه فى شقتها الصغيرة وتشتعل بينهما علاقة غرام على خلفية مغامراته وألاعيبه ضد القانون والمطاردات البوليسية ضده التى لا تكاد تتوقف طول الوقت. ونفهم بسرعة أن باتريسيا فتاة أمريكية تطمح فى يوم من الأيام أن تصير صحفية مرموقة وهى تعمل كموزعة فى الشوارع لأحدى الصحف الأمريكية لكى توفر ما يكفى من مال لاستكمال دراستها، ويمضى الفيلم بينما الكاميرا تلاحقها وتلاحق حبيبها الحرامى فى شوارع العاصمة الفرنسية، لكن باتريسيا لا تكف عن مواجهة ميشيل بأنه لا يحبها، وتتهمه بأنه مجرد انتهازى لا تمثل هى له سوى أنها صاحبة شقة تأويه فحسب، وفى مواجهة هذه التهمة لا يكف ميشيل عن النفى والتأكيد على أنه يحبها فعلا. وإذ يقرر هذا اللص الصغير أن يتخلص من ملاحقات الشرطة والحياة العبثية التى يعيشها فى فرنسا بالهجرة من هذا البلد والنزوح إلى إيطاليا، وقبل أن يبلغ حبيبته بالأمر، تقوم هذه الأخيرة فجأة ومن دون أى سبب منطقى بالإبلاغ عنه والارشاد عن مكانه حيث تداهمه الشرطة وتحدث بينه وبينهم مواجهة عنيفة يسقط فيها ميشيل قتيلا، لكنه وهو فى يلفظ انفاسه الأخيرة يهمس بكلمات يسمعها أحد رجال الشرطة، فتسأل باتريسيا هذا الاخير بماذا تفوه قبل أن يموت، فيقول لها: لقد انك مقرفة جدا.