أما إذا اجتهدت، وأتيت كل أسبابك، واحتار أمرك ما بين كل الاحتمالات، فلا تسأل إلا علامة، فالعلامات مُنجيات دائمًا. لا تتجاهلها.. واتبع العلامة. والعلامات مُرشدات تأتينك ساعيات، فإن أخطأتها، دارت وأتتك من مكان آخر، وإن فقدتها زارتك فى نصيحة، وإن لم تستجب، تصبك من صورة تُلح عليك قسوتها، أو مشهد لايرحم رأسك كلما قررت التغاضي، وإن أصر قلبك على العناد.. صفعتك العلامة. المهم أن.. تتبع العلامة. وثم ما الفرق بين العلامة والوساوس.. فالوساوس أفكار عابرة، تطمئنك مرة، وتحبطك مرة، وتختفى مرات، وتزول إن رتبت أفكارك، ورأيت ما لا يخيفك، ولا يقعدك تحت تأثير الهلاوس.. أما العلامات، فهى رسائل ظاهرة لأصحابها، أصحابها فقط لم يلتقطها أو يفتحها سواهم، ولن يفهمها غيرهم، تقصدهم بعناية، فإن صادفتك إحداهن فاقرأها، واطمئن.. إن فهمتها فهى لك، فاتبع العلامة. والعلامات يا صديقي، تأتينا بانتظام، ودقة، تتجدد دائمًا، فلا بشكل واحد، ولا فى موقف واحد، بل هى إحساس يتملكنا، يقبض قلوبنا، أو يبسطها، تصيب أصحابها فى أوقات الحيرات، والصعوبة، فتأتى متخفية لا تبدو لغيرهم، فلا تيأس رسالتك محفوظة ستصلك فى موعدها، اطمئن.. فلديك رسالة. والعلامات يا صديقى ليست إلا أطواق نجاة، تريد إنقاذك، أما الدلائل فثابتة، بائنة لا شك فيها، ولا تأتيك إلا إذا نبشت، وراقبت، وفتشت. أو فى أحسن الأحوال إن كنت محظوظًا. لكن العلامات هى دائمًا ستر من مرسلها، فلا تريك الأشياء ناصعة، لكنها تخلق حالة انكشاف ما، تطلعك على بصيص من الغيب، تمنح قبلك إشارات طمأنينة، فإن أخطأ العقل وصدق، تقول له: قف!.. فلا تسعَ للبحث عن دلائل، واتبع دائمًا العلامة. والعلاقات بين الناس دائمًا تحتاج علامات، وهذا صنف من أولئك الذين تأتيك فى شأنهم علامة.. هم يا صديقى أولئك الذين يجيدون اللعب، ويعرفون فنون "اللف والدوران". يملكون دهاء المراوغة، ويحرفون الكلام. يناورون، ويدلسون، فيجادلون، ويقسمون لتضيع العلامة!.. يجيدون إلهاءك، فيلصقون بك ما يفعلونه، ويوصموك بخصائصهم، فتتوه الحقيقة، لهم فى أمثالنا القديمة تشبيه صريح، لى حياء يمنعنى وصفه.. فاتبع العلامة. وأما النصيحة يا صديقي، فكل النصائح تفشل إذا نجح أحدهم واستمالك، أو تمكن منك وأثار عقلك، فسيطر عليه، وساقه خلف كل كذبة، فصار يصدق رواياته بلا منطق واضح، لا لشيء إلا لأنه يريد أن يصدق، وقتها فقط احذر.. فلن تنقذك إلا علامة. والعلامات نعمة، لا تأتى إلا للصادقين، الذين يمنحون بقلب، ويرغبون بقوة، ويحبون بإخلاص، ويعبرون بوضوح، ويحلمون بأمل، ويضحكون بشغف، ويقاتلون بشرف، ويتألقون بنشوة، وينتصرون بعفة، ويقفون بثبات، ويعتلون بثقة، ويجبرون الخواطر. وكلنا يا صديقى وقت الحلم نتغاضى، ووقت الجنون نرقص، ووقت الحنين نضعف، ووقت الأنين نبذل جهدنا، لعل أشياء تحدث، فالعلامات خير، لا تضل من بُعثت لأجله.. فانتظر العلامة. ولا تكتف بالعلامة، فوحدها لن تنقذ مصيرك، فكل علامة يلزمها قرار، وكل القرارات تحتاج قوة، وتدخل، فإن أخطأت.. عُد، ولا تقف عند حد الاكتشاف، واتبع العلامة.. أما أنا فمن هؤلاء الذين ينتظرون صفعات العلامة، فلا أصدقها من مرة، ولا أتتبعها من موقف، ولا أثق بها من مجرد هلاوس، ولا أخشى فقدانها، وأدعو دائمًا.. اللهم ارزقنى العلامة.