- الطلبة: الدكاترة تكتفي بالقشور وكتبهم طلاسم والملزمة تفسر المعلومة - وزير التعليم العالي السابق: أساليب التعليم خاطئة ويجب تطوير الوسائل - عميد كلية آداب: الطالب لا يدرك وظيفته ويكتفي بحفظ الملازم الخاطئة - منظم دروس خاصة: بنقذ الطلبة من «حشو» الدكاترة
ما إن ينتهي ماراثون الثانوية العامة، إلا ويعتقد أولياء الأمور أن أغلال الدروس الخصوصية انفكت، بعد 12 عامًا أرهقت «جيوبهم» خلال مراحل التعليم ما قبل الجامعي، يوجهون خلالها 39.4% من إجمالي إنفاقهم على التعليم إلى الدروس الخاصة بمقدار صرف 17 مليار جنيه، حسب إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن إنفاق الأسر على التعليم لعام 2015.
شلالات من الأموال يدفعها الأهالي صاغرين منتظرين حصاد ما قدموه ماديًا ومعنويًا، متوقعين اكتفائهم بمصاريف الدراسة السنوية فقط والتي تقدر بمئات الجنيهات، غير مدركين أن وحش الدروس بالمرحلة الجامعية مستمر مضافا عليه كضريبة إجبارية ملازم الشرح التي توفرها المكتبات خارج أسوار الحرم الجامعي للطلاب.
«بوابة أخبار اليوم»، تخترق عالمهم وتنقب فيه عن أسباب لجوئهم للدروس الخاصة، وكيفية إبرام الاتفاقات مع محاضري الدروس.
«الملاذ الآمن»
«الدكاترة مبتشرحش كويس فبنروح دروس خاصة»، كلمات تلقائية بدأت بها نهى حفني، طالبة الفرقة الثالثة بكلية آداب، عن أسباب لجوئها للدروس الخاصة، مشيرة إلى أن الدروس وملازم الشرح الطريق الأسرع والأسهل للنجاح، وأن الأساتذة الجامعيين يتركوهم في حيرة وسط طلاسم الكتب التي أعدوها دون تفسيرات أو توضيحات على عكس ما تقدمة ملازم الشرح الخاصة التي تفصل المعلومة وتتبحر بها وتقدمها للطلاب بطريقة يسيرة. وتؤكد أنه على الرغم من عدم مراعاة المكتبات لظروف الطلاب المادية ومغالاتها في أسعار الملازم واستغلالها بتنظيم الدروس الخاصة مع معيدين من داخل الجامعة، إلا أنها تشرح بعض النقاط غير المفهومة من دكتور المادة، وهي بمثابة الملاذ الآمن لهم للعبور لعام جديد، مضيفة أن طرق الاتفاق على الدروس الخاصة تتعدد، وفي بعض الأوقات يتفق الطلاب مع أحد المعيدين ثم يبلغون باقي زملائهم بمعاد ومكان وسعر المحاضرة.
واختتمت «نهى» بمطالبتها تطوير طرق شرح دكتور المادة أثناء المحاضرات، لخلق ثقة متبادلة مع الطلاب حتى يكون الأستاذ الجامعي هو مصدرهم الأول والأخير، وملجأهم في حالة عدم فهم بعض النقاط وحتى لا يضطروا لدفع أموال طائلة للدروس الخاصة.
المادة العلمية «مفيش»
لم يختلف حال نهى عن زميلتها بالفرقة نفسها زينب سلام، التي أكدت أنها تعتبر الدروس طريق النجاح، معللة: «الملازم والدروس بيلموا المنهج قبل الامتحان بكام يوم، بدلاً من الدكتور الذي يكتفي بقشور المادة ويبتعد عن شرح تفاصيل المنهج لصالح رواية أحداث وخبرات خاصة به لا ترتبط بالمنهج إطلاقا»، مشيرة إلى أن الاعتماد على «المحاضرات الخارجية» أصبح أشبه بالفريضة التي ينفذها أغلب الطلاب ب90% من المواد التي تحتاج بعضها لملازم طوال الفصل الدراسي قد تصل عددهم إلى 7، والبعض الآخر يحتاج إلى ملزمتين فقط أولهما نصف نهاية بها شرح نصف المنهج والأخرى النهائية تكون قبل الامتحان بأيام قليلة.
وتشير إلى أن سعر المحاضرة الخاصة الواحدة يتراوح بين 50 ل70 جنيها بخلاف أسعار ملازم الشرح، و100 جنيه للمادة خلال الفصل الدراسي، التي يتم الترويج لها داخل الجامعة وأحيانا داخل المدرج نفسه.
وبالرغم من يقين «زينب»، أن الملازم والدروس هما طريق العبور لعام دراسي جديد، إلا أنها ترى أنه عبور يخلو من مادة علمية حقيقية، وأنهم يتحولون لوعاء يُملئ بمعلومات قبل الامتحان بساعات أو أيام على أقصى تقدير، ثم يفرغها على ورقة الإجابة دون أي استفادة علمية.
«ترويج على فيسبوك»
لم يكن طلاب كلية آداب حالة فردية في اللجوء للدروس الخاصة لصعوبة منهج أو سوء مستوى دكتور جامعي، وهو ما يثبته محمد حسن طالب الفرقة الثانية بكلية تجارة، والذي يعتبر المحاضرات الخاصة مصدر المعلومة الأول والأهم مما يتلقونه داخل مدرج الجامعة، موضحًا أنهم لا يدركون حقيقة ما يسرده الدكتور أثناء المحاضرات وهل هو تابع للمنهج الدراسي أم معلومة خارجية أو خبرة شخصية يريد الاستفادة منها.
ويتابع أن الأعداد المرعبة التي تعج بها المدرجات والتي أحيانا يفشل المحاضر في السيطرة عليها، مع غياب وسائل الراحة، يمثلان عائقا أمام استيعابهم، وهو ما يجبرهم على الاتفاق مع منظمي هذه الدروس التي تتكلف متوسط 600 جنيه خلال «الترم الواحد»، دون حساب ملازم الشرح التي تنقذهم من كتب الدكاترة غير المفهمومة وغير المنظمة والمليئة بالحشو والتطويل -على حد تعبيره-، مشيرًا إلى إحتياجهم لما يقارب من 10 ملازم لكل مادة خلال 3 شهور دراسية فقط، وأن منظمي الدروس يستخدمون أحيانا موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» للترويج لملازمهم وكتبهم من خلال إنشائهم ل«جروب» على موقع «فيسبوك» يضم طلاب الدفعة بأكملها ويبدأون بالترويج لملازمهم، ومقارنتها بكتب الدكاترة.
ويرجع طالب كلية تجارة انتشار الدروس الخاصة، لقلة الثقة بين الطالب والأستاذ الجامعي، وشعور الطالب بعدم اكتراث الدكتور له أو حرصه على مستقبله واهتمام أغلبهم بنسبة بيع الكتاب، متابعًا: «لذلك ندفع في المحاضرات الخاصة رغم الغلاء المتزايد، وأن الدكتور الجيد الذي يهتم بالمادة العلمية والطلبة قلة مندسة».
فيما قال محمد عبد الفتاح، طالب كلية حقوق، إن شرح المحاضرات الجامعية غيركافٍ وأن الأساتذة الجامعيين يكتفون بذكر العناصر الرئيسية للموضوع دون التفاصيل، الأمر الذي يؤدي بهم –الطلاب- في نهايته جالسين بين جدران أحد مراكز الدروس الخاصة المعروفة بالنسبة لهم صابين تركيزهم نحو معيد يشرح لعدد محدود من الطلبة بطريقة أكثر عمقًا وتفصيلًا.
«قياس الذاكرة» ومن جانبه، يعتبر د. أشرف الشيحي، وزير التعليم العالي السابق، أن أساليب التعليم الجامعي خاطئة ومليئة بالسلبيات وتحصر المناهج في عدة أوراق ومطبوعات تُشترى من المكتبة، وأن طرق الامتحانات تقليدية ولا تقيس مستوى ذكاء الطالب أو تفكيرة الإبداعي وإنما ذاكرته فقط، مؤكدًا أنه إذا ظلت العملية التعليمية تعتمد على قياس الذاكرة تبقى الدروس الخاصة بالجامعة والمطبوعات والملازم هما المصدر الرئيسي بالنسبة للطالب.
ويضيف أن وسائل التعليم الحديثة تقيس قدرة الطالب على التفكير ويكون الامتحان «open book» لأنه يعد باحث مستقبلي يبحث ويجد المعلومة وليس شخصًا حفظ فقط، مشيرًا إلى أن الطالب يدخل الجامعة بعد قضاء 12 عامًا اعتمد خلالها على حفظ الكتاب المدرسي وإثراء معلوماته من الكتاب الخارجي والمدرس الخاص دون وجود مناقشة حقيقية أو أي ملمح من ملامح تطور طريقة التعلم، واعتماد الطالب على نفسه.
«تطوير الوسائل» ويوضح «الشيحي»، أن ما ينقص العملية التعليمية ليس تطوير المناهج، لأنه يتم تطويرها باستمرار خاصة في القطاع العلمي الطب والهندسة والعلوم، ولكن ما تحاتجه بشدة هو تطوير وسائل الشرح والمعاملة بين الأستاذ الجامعي والطالب، وتغيير مفهوم الطالب المعتمد على التلقين، مؤكدًا أن تغير طريقة التعليم التقليدية هو من يصنع فرص عمل حقيقية للطلاب بعد تخرجهم، ويخلق فريقًا متميزًا يقدر على المنافسة على الفرص بين خريجي جامعات العالم، وتحقيق أهداف العملية التعليمية المنشودة.
وينوه أن كليات القطاع العلمي بدأت في بعض الجامعات منظومة جديدة تهدف إلى تغيير الثقافة التعليمية للطلاب وإبدال فكر الطالب المدرسي الذي ينتظر المادة ليحفظها، بإشراك الطالب بطريقة أكثر فعالية في العملية التعليمية مع محاولة استغلال قواعد البيانات الرقمية المختلفة وبنك المعرفة، مشيرًا إلى أن التطور الكامل يحتاج إلى تغير النمط التعليمي منذ مراحل التعليم الأولى بالتوازي مع الجامعة، وأنه إلى الآن ثمار التغيير الذي بدأ في "القطاع العلمي" لم تحصد، لاعتمادها على حالات فردية هي من صممت على نيل مادة علمية حقيقية وليس مجرد قشور. «تصنيف ظالم» وعن خروج الجامعات المصرية من التصنيف العالمي للجامعات يقول وزير التعليم العالي السابق، إن طرق القياس والتصنيف ظالمة للجامعات المصرية لاعتماد التصنيف على وجود أبحاث علمية بالجامعة وقدرتها على إخراج كوادرعلمية تحصد جوائز دولية في احتفالات مختلفة وتلتحق بمؤسسات عالمية، وهو ما يحتاج إلى سنوات كثيرة وباع طويل للجامعات في حين أن أغلب الجامعات المصرية حديثة، مستشهدا بأن المصريين الحاصلين على جوائز دولية من خريجي الجامعات القديمة بمصر مثل القاهرة وعين وشمس والأسكندرية، مضيفا أن جودة التعليم بهذه الجامعات تكون جيدة، و أفضل في مستوها التعليمي من جامعات داخل التصنيف.
«برشامة معلوماتية» ورفضت د. سهير عبد السلام، عميد كلية الأداب جامعة حلوان، معاملة الطالب الجامعي بطريقة التلقين التي تستخدم مع تلاميذ بالمدارس، مشيرة إلى أن الجامعة مرحلة تكوين وإعداد الطالب ليصبح باحثًا علميًا متخصص في أحد المجالات وعلى دراية كاملة ببحوره، وأنها ليست فترة لجلوس الطالب أمام دكتور جامعي "يناوله العلم بملعقة في فمه"، فذلك يتنافى مع أهداف التعليم الجامعي.
وتضيف أن وظيفة الدكتور الجامعي، حث الطالب على البحث عن المعلومة وطرح الأسئلة والمشاركة الفعالة في التعليم وعدم الاكتفاء بدور مدون المعلومات وحفظها فقط، موضحة أن الطلاب لا يدركون وظيفتهم ومهامهم، وأنهم التحقوا بالجامعة ليتخصصوا في علم محدد ويبحثوا به عن كل جديد، ويكتفون ببرشامة معلوماتيه -الملازم- ينتهي مفعولها بعد ساعات من تدوينها بأوراق الامتحان، محملة الخطأ الإدراكي لدى الطلاب، للأسرة ووسائل الإعلام لعدم اهتمامهم بتوضيح الفرق بين الطالب الجامعي والتلميذ المدرسي -على حد قولها-.
«سرقة» وعن انتشار «الملازم» أكدت عميد كلية الأداب، أنها تحتوي على كثير من الأخطاء والمغالطات، وتحذف الكثير من أجزاء المنهج، مما يجعل إجابات من يعتمد عليها مبتورة وغير صحيحة ومن ثم تكون النتيجة النهائية هي الرسوب، مؤكدة أن الملازم هي السبب الرئيسي في زيادة إخفاق الطلاب بالسنة الدراسية الأولى، وأن بيع المكتبات لملازم تشرح كتب أساتذة الجامعة يعد جريمة سرقة للحقوق الملكية والفكرية للدكتور الذي اجتهد لإعداد كتاب ومرجع يُدرس، وأتى آخر سرق مجهوده وروج له وباعه على أنه مجهوده شخصي. «عنصر فعال» وعلى الجانب الآخر، دافع مدحت إبراهيم – اسم مستعار- منظم دروس خاصة للمرحلة الجامعية وصاحب إحدى المكتبات التي تخدم بعض كليات جامعة حلوان، عن مهنته بقوله إنه يساعد الطلبة ويشرح الكتب العشوائية التي تمتلئ بالحشو، ويقدم المعلومات بطريقة منظمة ومرتبة بالملازم التي يبيعها، معتبرًا نفسه عنصرًا أساسيًا وفعال في التعليم الجامعي، مضيفًا: «أنا بنقذ الطلاب من الدكاترة.. لو عايزين يوقفوني.. يوقفوا الدروس الخاصة في التعليم الأساسي».
ويشرح منظم الدروس الخاصة ل«بوابة أخبار اليوم»، كيفيه عمله ونقل المحاضرات الجامعية إلى ملازم جاهزة للطلاب الراغبين والتي تتم عن طريق حضور أحد الخريجين المحاضرة على أنه طالب بالفرقة المنشودة ثم يدونه كأنه طالب تمامًا، وبعد ذلك يعيد صياغتها ويراجعها أحد المعيدين لضمان دقة المعلومات وشمولها بنسبة 100%، مشيرًا إلى أن عمل المعيد لا يتوقف عند هذا النطاق، بل يمتد لتلخيصه الكتب وإزالة الحشو والتطويل والتركيز على المعلومة المفيدة للطالب ويعرضها في نقاط منمقة.
وعن الدعاية داخل الحرم الجامعي، قال إنها تختلف من كلية لأخرى، فكلية مثل تجارة بما تشهده من كثافة طلابية تحتاج إلى ما لا يقل عن 40 أو 50 طالب لكل مكتبة للترويج عن الملازم ودروس الشرح بالفرق المختلفة، فضلا عن توزيع الملازم في البداية مجانا للفرقة الأولى لجذب الطلاب، الأمر الذي يعتبروه مجازفة مع الأعداد الكبيرة.
ويختتم مدحت إبراهيم حديثه، بالتأكيد أنه يفيد العملية التعليمية 200% لأنه يوضح ما بالكتب ولا يحذف المعلومات بل يلخصها فقط وينمقها.