دائما الحرب قائمة بين رئيس جامعة القاهرة ومكتبات بين السرايات منذ عقود طويلة.. فعلى الرغم من قرارات كل رئيس جامعة التى يصدرها دائما ضد التعامل مع هذه المكتبات، ومنع التدريس عن طريق الملازم.. وتحذيرات الكليات للطلاب بفصلهم فى حالة التعامل مع هذه المكتبات لأنها تهدم العملية التعليمية أو الترويج لها داخل الحرم الجامعى .. إلا أن هذا لم يؤثر بالمرة على مكتبات بين السرايات، بل بالعكس يزيد أكثر من إقبال الطلاب عليها.. لتسهل لهم المواد العلمية بها، التى يتم تلخيصها داخل الملازم وتقدمها للطلبة.. لتصبح منطقة بين السرايات من أشهر المناطق التى تكثر بها المكتبات.. والمعروفة لدى طلبة الكليات: «حقوق، تجارة، آداب، إعلام.. وغيرها من كليات جامعة القاهرة» بتجارتها المواد العلمية بطريقة سهلة الفهم وسلسة الحفظ، وبأسعار تناسب جميع الطلاب.. وأقل بكثير من أسعار الدكاترة التى لا تناسب الطالب البسيط. ذهبنا إلى منطقة بين السرايات، وهناك وجدنا عالمًا من المكتبات، كل مكتبة ولها تخصصها.. حيث يوجد مكتبة لكلية الآداب بها كل ما يتعلق بأقسام الكلية من الإبرة للصاروخ، كتب، ملخصات، مراجعات وملازم.. أيضا هناك مكتبة مخصصة لطلاب كلية الحقوق، ومكتبة خاصة بكلية تجارة وأخرى إعلام ومكتبة لهندسة وأيضا لسياسة واقتصاد وآثار. فهذه المكتبات لا يقتصر دورها على بيع الملازم فقط، بل هى تقوم بتصوير كل شىء يحتاجه الطالب داخل الحرم الجامعى.. فهى تعتبر مجتمعًا مصغرًا من الجامعة، لا يخلو أبدًا من الطلبة. • المكتبات ليست خصمًا للجامعة.. فقد تحدثنا مع عادل محمد - صاحب إحدى مكتبات التصوير بالمنطقة - حول اتهام الجامعة لهذه المكتبات بأنها تفسد العملية التعليمية، فأخبرنا قائلا: يجب أن نضع قاعدة ثابتة أمامنا، وهى أن أى مكان تتواجد به جامعة، يجب أن تكون المنطقة السكنية التى أمامه، منطقة تجارية خاصة بورق الجامعة.. والسبب فى شهرة منطقة بين السرايات بهذا الشكل هو جامعة القاهرة، باعتبارها الجامعة الأشهر فى مصر.. فمكتبات بين السرايات ما هى إلا طالب مجتهد، يحضر المحاضرة ويقوم بتسجيلها وكتابتها بشكل جميل، ويسلمها للطالب الذى لم يحضر، ولكن بمقابل مادى.. وكل مكتبة وعلى حسب اجتهادها ومجهودها وتعليمها.. فهناك مكتبات تتخصص فى كلية واحدة، وهناك أيضا من تتخصص فى أكثر من كلية.. وهناك من يلخص المحاضرة فى سطرين فقط وهناك من يكتب خمسة أسطر ويضيف عليها معلومات وراء الدكتور، وهذا ما يميز كل مكتبة عن الأخرى.. ودائما الكليات الشعبية «مثل كلية التجارة والحقوق» تعتبر من أكثر الكليات التى تتبناها مكتبات بين السرايات لكثافتها الكبيرة والتكدس الطلابى بها من كل الفئات.. لكن باقى الكليات تكون كثافتها قليلة، وهذا لا يعنى عدم وجودها هنا.. فمكتبات بين السرايات بها جميع الكليات آداب وآثار وإعلام وسياسة واقتصاد وهندسة.. أما الكليات الخاصة فدائما ما تكون ربحًا زائدًا للمكتبات، لأن ثمنها يكون أعلى وأغلى عن باقى الكليات. • فشل من الجامعة أما عن علاقة مكتبات بين السرايات بالجامعة فيقول: «أى مكان فى الدنيا يجب أن تكون به عداوات.. دكاترة الجامعة متخيلين إن المكاتب تسرق وتأخذ مجهودهم، وهذا غير صحيح بالمرة.. فالمكاتب ليس لها علاقة بدكاترة الجامعة وبعيدة كل البعد عنهم، وليست سببًا فى فشل العملية التعليمية داخل الحرم الجامعى.. فالفشل فى الأساس من الداخل وليس من الخارج.. من الذى جعل الطالب يضطر إلى اللجوء إلى المكتبات والملازم والملخصات والمراجعات النهائية؟!.. فإن تكدس الطلاب فى مدرج به أكثر من 2000 طالب وبه مايك صوت الدكتور فيه غير واضح بالمرة، أمر طبيعى أنه يجعل الطالب يتغيب عن حضور المحاضرات ويكتفى بالملازم التى يأخذها من المكتبات.. فالفشل فى المنظومة من البداية.. وبالتالى يجب أن تعالج الجامعة القصور الذى بها أولا فى التعليم وتوفر للطلاب المناخ الجيد للفهم والاستيعاب داخل المدرجات حتى لا يلجئون للمساعدات الخارجية.. لكن للأسف لن يحدث هذا أبدا.. لأن هناك دكاترة ومعيدين يتعاملون مع المكتبات مقابل مكسب مادى.. بمعنى يأتى لنا الدكتور أو المعيد ويعطينا المادة ونقوم بتلخيصها وبيعها ثم نتقاسم معهم المكسب فى النهاية.. فالدكتور أو المعيد الذى يضع أول حرفين من اسمه على الملزمة هو من يأخذ مقابلاً ماديًا.. وهذا يوضح أن مكتبات بين السرايات ليست خصمًا لدكاترة الجامعة، فهى طالب مجتهد لا أكثر ولا أقل ولكن بمقابل مادي». • الجامعة مصدر رزقنا.. بينما يوضح لنا وائل موسى - صاحب أحد المكاتب - قائلا: نتعامل مع الطلاب منذ أكثر من 20 عاما، فقد تخرج على أيدينا الكثير من الطلاب وبتقديرات عالية جدا.. ففى كل مرة تصدر فيه الجامعة قرارا ضدنا مثل عدم دخول الملازم الجامعة أو فصل أى طالب يحملها، يثبت لنا أكثر مدى تطورنا وتفوقنا.. لأننا نحن المكتبات يجب أن نطور من أنفسنا فى تقديم المادة العلمية للطلاب، لأن هذا هو مصدر رزقنا الوحيد.. وبالتالى نستطيع أن نطور دائما كياننا لأنه «أكل عيشنا»، ولكن للأسف من الصعب عليهم أن يطوروا منظومة هم ليسوا أهلا لها.. فالدكتور فى النهاية موظف يأخذ راتبه آخر الشهر سواء شرح أم لا!!.. وبالتالى هذا ما يجعلنا نقوم بتجهيز المحاضرات والدروس بشكل يسهل على الطالب طريقة الفهم والحفظ.. وذلك يتم عن طريق الاتفاق مع بعض الطلاب، أن يقوموا بتسجيل المحاضرة وراء الدكتور، وبعدها نأخذها منهم ونعيد صياغتها وكتابتها فى الملازم وكله بالفلوس سواء للطالب أو لنا.. فجامعة القاهرة هى مصدر رزق لأهالى منطقة بين السرايات. • المسلسل فتح علينا أبواب جهنم.. عمرى ياسين - وهو أحد العاملين- بإحدى مكتبات بين السرايات يقول: لا أحد يستطيع أن يقول إن الجامعة ليس لها دور مهم فى حياة الطلاب، لكننا أيضا لسنا الشماعة التى يجب أن تعلق عليها الجامعة فشلها.. فنحن لسنا جهة قوية لهدم العملية التعليمية.. فكل ما نفعله هو أننا نسعى جاهدين لتقديم الإفادة التى يحتاج لها الطالب ولم يجدها داخل الجامعة وليس بالترهيب أو حتى الإجبار.. ولسنا أيضا جهة تحريض على ترك المحاضرات، بل بالعكس هناك الكثير من الطلاب الذين يحضرون المحاضرات بانتظام وفى نهاية اليوم يأتون لشراء الملازم والملخصات الورقية.. فالطالب له حرية الاختيار، فهو من يختار الطريقة التى تناسبه فى التدريس، التى يستوعب من خلالها المعلومات سواء عن طريق الجامعة أو عن طريق المكتبات.. ثم يضيف عمرى قائلا: بصراحة شديدة مسلسل «بين السرايات» فتح علينا أبواب جهنم.. الوزير كلم رئيس الجامعة، ورئيس الجامعة بعت لنا المصنفات وقضيت يومين فى الحبس، بعدما عرف من خلال المسلسل أننا نقوم ببيع كتب الدكاترة بأسعار أقل بكثير من سعر الكتاب الأصلى، ليناسب الطالب البسيط، فمثلا كتاب الدكتور ب50 جنيها أنا ببيعه ب10 جنيهات.. لكن ليست هذه المشكلة، المشكلة الحقيقية هى أن هناك دكاترة ومعيدين يتواصلون مع المكتبات الكبرى ولا أحد تحدث عن هذا! أو حتى تم ذكره أو التنويه له فى المسلسل.. فهم للأسف لا يأتون إلا على الغلبان! ذهبنا للطلاب وتحدثنا أيضا معهم عن رأيهم فى قرار الفصل فى حالة شراء الملازم من المكتبات. • الملازم هى الملخص المفيد.. فقد أخبرنا محمد ناصر طالب - بالصف الثانى كلية تجارة - قائلا: «آخر مرة حضرت فيها محاضرات وسكاشن كانت فى سنة أولى الترم الأول، ومن بعدها قررت إنى ما أحضرش تانى .. لأنى بصراحة لقيت الملازم والملخصات والمراجعات النهائية بتفيدنى أكتر من الدكتور.. أنا بروح الجامعة بضيع وقت ومش بفهم حاجة وبرجع البيت مصدع ومش عارف أذاكر حاجة واليوم بيخلص ويضيع على الفاضى.. ومن وقتها بدأت أذاكر من الملازم.. وذلك لسبب بسيط جدا أولا، الملازم فيها تفاصيل وشرح مفصل أكثر من الدكتور بطريقة بسيطة «مش مكلكعة».. ثانيا كتاب الدكتور غالى وجودته سيئة جدا، يعنى ورقه أصفر والكلام فيه مش واضح والدكتور نفسه «مش بيشرح منه»، لكن المكتبات بتطبع الكتاب على ورق أبيض وحروفه واضحة تشجعنى أكثر على المذاكرة بسرعة وبسهولة.. ثالثا مدرج به 3000 طالب من الصعب أن أفهم منه كلمة.. فقد حصلت على تقدير عالٍ السنة الماضية من خلال مذاكرتى من خلال الملازم، ولذلك قررت بعدها أن أفعل هذا كل سنة حتى التخرج. • الجامعة تدفعنا للملازم عفاف على طالبة بالصف الثالث كلية الحقوق - تقول: كثير من الدكاترة يتأخرون فى طرح كتبهم داخل الجامعة، مما يضطرنا إلى الاستعانة بالمذكرات التى تطرح فى المكتبات، أما عن قرار الفصل فتضحك قائلة: كل الطلاب يذاكرون من الملازم والدكاترة يعلمون ذلك ومنهم من يقول لنا أسماء المكتبات التى تباع فيها ملازم المحاضرات، لكى نشترى منها الملخصات، فهل سيفصلون كل الطلاب؟!.. أيضا هناك طلاب يدرسون ويعملون فى نفس الوقت وذلك يجعلهم يعتمدون اعتمادا كليا على هذه المكاتب كى يستطيعوا مواكبة المنهج الدراسى.. فإذا كانت الجامعة متضررة من هذه المكتبات فعليها أن توفر لنا كل ما نحتاجه داخل الجامعة والمدرجات حتى لا نلجأ للمساعدات الخارجية. • الجامعة «دش ورغى وحشو دماغ» وسام عادل طالب- بكلية إعلام - يقول: دكاترة الجامعة يعتمدون على «حشو الدماغ» وفى الآخر يفاجئوننا بأن كل ما أخذناه طوال الترم لن يأتى منه شيء فى الامتحان، وعلينا نحن الطلبة أن نجتهد مع أنفسنا فى تخمين شكل السؤال فى الامتحان.. لكن المكتبة تساعدنا فى أهم الأسئلة والنقاط المتوقع مجيئها فى الامتحان، ويرجع ذلك لخبرتهم على مدار السنوات.. فهناك مكتبات تتوقع الأسئلة، وتأتى بالضبط فى الامتحان.. فلماذا أحير نفسى فى طريقة تفكير الدكتور مادامت المكتبة تعلم جيدا طريقة تفكيره وتقدم لى النجاح على طبق من ذهب؟!•